القاهرة: الخليج جلال الدين الرومي هو صوفي مسلم، ولد في رحاب الإسلام، ونشأ في بيت صوفي بالأصالة، كان أبوه صوفياً عالي القدر، وصاحب أثر كبير في رحلة ميلاد الرومي العرفانية، وإن لم يكن هناك تأكيد تاريخي حول انتساب والده إلى الطريقة الكبروية لصاحبها نجم الدين كبرى صانع الأولياء، إلا أن والده بما تركه من آثار يتأكد لنا أنه كان صوفياً راقياً، ومن يتصفح كتاب المعارف سيتعرف جيدا إلى تجربته الخاصة، وطريقه الروحاني الذي سلكه، وورّثه من بعده لتلاميذ كان منهم برهان الدين محقق ترمذي الذي خلف والد الرومي في تربية جلال الدين تربية صوفية، وهو نفسه الذي حضه على متابعة تعليمه الشرعي، الذي حصل فيه على علوم الشريعة في سوريا من فقه وأصول وحديث وغيرها من العلوم. ومنذ بدايات القرن الفائت انشغلت نخبة من الأساتذة العرب في مصر، والعراق وسوريا وغيرها من البلدان بكتابات الرومي، وقدمت لنا جزءاً كبيراً من تراثه في صورة عز الحصول عليها اليوم، رغم تقدم المعارف وسهولة الوصول إلى المعلومة على عكس ما كان من قبل. ونرى في صفحات كتاب الرومي بين الشرق والغرب الصادر عن مركز المحروسة للنشر والتوزيع كيف كانت مصر سباقة في هذا المضمار، بطباعة المثنوي باللغة الفارسية في مطبعة بولاق، وطباعة شرح المثنوي بالعربية، وكيف اجتهد أكثر من عالم في الأزهر أو في الجامعة المصرية ومعاهد اللغات الشرقية ليعرّفوا القارئ العربي بكنوز التراث الصوفي المكتوب بالفارسية، فبعد أن طبعت بضع قصص وفصول من المثنوي تصدى أحد الأساتذة من مصر لترجمة المثنوي بعد رحلة دراسة ومطالعة وتعلم، فأصدر من بيروت كتابه الأول عن جلال الدين الرومي وتصوفه، ثم تلا ذلك بإصدار الجزء الأول من أجزاء المثنوي الستة، حتى توالت الأعمال المترجمة بعد ذلك. وقد حاول خالد محمد عبده وعائشة موماد في هذا الكتاب أن يوجها عناية القارئ إلى إسهام كوكبة منسية في نقل المعارف الصوفية، وتعريفهم ببعض الجهود التي بذلت من أبناء العربية التي تستحق التقدير، كما خصصا جزءاً من هذا الكتاب للتعريف بما قدم الرومي للإنسان ولأسباب الحديث عنه اليوم، وكسر الاهتمام به الذي وصل إلى حد الهوس، هذا في قسم الكتاب الأول الذي يدور حول حضور الرومي في الشرق. أما القسم الثاني من الكتاب فقد خصصه المؤلفان لنقل جزء من منتخب الكتابات الغربية عن الرومي، فمن يتابع سيرة الحضور المولوي في أوروبا سيندهش من الاهتمام البالغ بمولانا جلال الدين، جزء منه عشق وشغف وجزء منه معرفة، وجزء منه محاولة لتجديد الحياة عبر التقاط دروس إنسانية من كلمات ذلك الولي النوراني، وجزء منه استغلال لما قاله الرومي وتحويره. اختار المؤلفان أن يترجما لمن استفاد من دروس الرومي وفطن إلى حكمته، وذاق من مشربه، وقدما صورة عامة من رحلة الرومي عبر الإشارة إلى كتاب الباحثة الفرنسية ليلى أنفار. يوضح الكتاب أن الرومي قدم رقصاً لا يتلخص في كشف الجسد أو التركيز على إثارة الشهوات، بل نقل حركة الجسد من الانغماس في الطين والصورة إلى العلو والارتفاع عن هموم البشر والمساكين، فالدرويش الراقص في الأصل رقص وجداً وطرباً من ذكر المحبوب، دار أو سقط، وقف أو استمر، هو لا يدرك ما يفعل ولا يسأل عنه، كما كان بالأمس أثر الوجد والذوق كلما سمى بالشطح، أمسى أثر الوجد هنا حركة تؤدي إلى فقد الفائت وتلتحق بالحق.
مشاركة :