كلينتون وترامب: عروض لافتة شكلا خاوية مضمونا بقلم: محمد قواص

  • 10/25/2016
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

كلينتون وترامب: عروض لافتة شكلا خاوية مضمونا لا تعكس التغطيات الإعلامية لحملات الانتخابات الأميركية وما يرافقها من صخب بصورة حقيقية تعاطي الداخل الأميركي مع ضجيج الانتخابات، فهو مثلا في هذه الفترة يولي تحضيرات عيد الهالوين أهمية أكبر بكثير من متابعة أحدث استطلاعات الانتخابات وقد يكون مردّ ذلك أن هؤلاء الناخبين مطمئنون إلى أن أعضاء المجمع الانتخابي، الذين انتخبوهم ليمثلوا ولاياتهم، في تقرير اسم رئيس الولايات المتحدة الأميركية، أدرى بمن سيكون الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة. العربمحمد قواص [نُشرفي2016/10/25، العدد: 10435، ص(7)] من المخيف أكثر واشنطن – لا تبدو أحياء واشنطن معنية مباشرة بضجيج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. وقد لا يظهر ذلك في أي حي من أحياء البلاد، ذلك أن الأمر يجري وفق إيقاعات يهتم لها الإعلام الدولي والمحلي بصفته مناسبة فوق العادة لمتابعة الجدل حول هوية من بإمكانه إدارة الدفة في البيت الأبيض، وبالتالي الإطلالة على شؤون العالم. لكن الناخب الأميركي يتعرض هذه المرة لضغوط لم تشهدها الحملات الانتخابية السابقة، على نحو يجعله متابعا بشغف لشكل حملات المرشحين أكثر من مضمونها. وفي الجدل الذي يتطرق إليه مرتادو المطاعم والحانات في العاصمة ما يدور حول ظاهرة المرشح الجمهوري دونالد ترامب، ليس بالأفكار التي يحملها ولا بالخطط التي يعدّها لإدارة بلاده في حال الفوز، بل بذلك الأداء اللافت في خروجه عن أي نمط وأي نص، فيما يبقى أداء المنافسة الديمقراطية هيلاري كلينتون تقليديا معروفا نمطيا، رغم محاولتها التفوّق في لعب أدوار على مسرح المبارزات تفرضُها ندا في مقارعة أداء دونالد المسرحي. لا تبدو المنافسة جارية بين مرشح الحزب الديمقراطي ومرشح الحزب الجمهوري. تطل المعركة هذه المرة بين رجل وامرأة، بين التقليد السياسي والتمرد عليه، بين حكم الاستمرار ومنطق القطيعة معه، بين مقاربتين متناقضتين في الشكل والأسلوب والمضمون. هكذا هي صورة المشهد المحتدم بين هيلاري ودونالد. عراك شخوص وطباع تستخدم في سبيله كل ما توفّر في أي عراك شوارع من سباب وشتائم. على أي حال يُحسم أمر الرئاسة بالكيفية التي سيتشكل فيها الرأي العام الأميركي من الآن حتى موعد الانتخابات التي تجري في 8 نوفمبر المقبل. سينتخب الأميركيون رئيسهم الـخامس والأربعين وفق نظام انتخابي ما برح يثير، في تعقّده وتفصيلاته، انتباه المراقبين للانتخابات كل أربع سنوات. الناخبون السود في الانتخابات الرئاسية الأميركية ذلك أن تأملا لهذا النظام يختصر حكاية الولايات المتحدة وقصة علاقة ولاياتها بعضها ببعض ثم علاقتها جميعا بالمركزي الفيدرالي في واشنطن. صحيح أن الانتخابات عامة، لكنها غير مباشرة في تقرير اسم الرئيس الفائز، فذلك منوط بكبار الناخبين الذين يختارهم الناخبون في كل ولاية. بعملية حسابية ﻳﺘﻜﻮﻥ ما يطلق عليه بالمجمع ﺍﻻﻧﺘﺨﺎﺑﻲ ﻣﻦ 538 ناخبا (مندوبا) كبيرا ﻳﺼﻮﺗﻮﻥ رﺳﻤﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ وﻧﺎﺋﺒﻪ. ويساوي ﻋﺪﺩ ﺍﻟﻤﻨﺪﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺨﺼﺺ ﻟﻜﻞ ﻭﻻﻳﺔ ﻋﺪﺩ ﺃﻋﻀﺎﺀ ﺍﻟﻜﻮﻧﻐﺮﺱ ﻟﻜﻞ ولاية ﺇﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ مندوبين ﻟﻤﻘﺎﻃﻌﺔ ﻛﻮﻟﻮﻣﺒﻴﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻀﻢ ﻭﺍﺷﻨﻄﻦ ﺍﻟﻌﺎﺻﻤﺔ. وفي النهاية فإن ﺍﻟﻤﺮﺷﺢ الفائز هو ذلك ﺍﻟﺬﻱ ﻳحظى بـ270 ﺻﻮﺗﺎ ﻣﻦ ﺃﺻﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻻﻧﺘﺨﺎﺑﻲ، أي ﻧﺼﻒ ﺃﺻﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻻﻧﺘﺨﺎﺑﻲ ﺯﺍﺋﺪا ﻭﺍﺣﺪا. لكن الأمر ليس حسابيا بسيطا في الولايات المتحدة؛ فلكل ولاية خصوصية ديمغرافية واجتماعية واقتصادية وثقافية تجعل التعامل معها انتخابيا مختلفا وفق الوزن الانتخابي وتعقّد النسيج المكوّن لها. فبعض الولايات، التي تعرف بالمتأرجحة، تحظى بعناية ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺃي اﻧﺘﺨــﺎﺑﺎﺕ رﺋﺎﺳﻴﺔ، ذلك ﺃﻧﻬﺎ ﺗرجح بمستويات وﺍﺿﺤﺔ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺍﻟﻨﻬﺎﺋﻴﺔ ﻟﻠﺴﺒﺎﻕ، الأمر الذي توليه الحملة الانتخابية لأي مرشح للرئاسة عناية واهتماما لجذب تلك الولايات وتجنّب سقوطها لصالح المرشح المنافس. وأشهر تلك الولايات التي بات العالم يعرفها هي تلك المتأرجحة، أي غير المحسومة لأي من الحزبين الكبيرين، ويتبدل مزاجها من انتخابات رئاسية إلى أخرى، ما يجعلها “بيضة قبان” المعارك الانتخابية في الطريق إلى البيت الأبيض. في تعقّد القانون الانتخابي في الولايات المتحدة تفاصيل تؤشر على أن ﺍﻟﻤﺮﺷﺢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺼﺪ ﻏﺎﻟﺒﻴﺔ ﺍﻷﺻﻮﺍﺕ ﻓﻲ إحدى اﻟﻮﻻﻳﺎﺕ ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺃﺻﻮﺍﺕ ﺍﻟﻨﺎﺧﺒﻴﻦ ﺍﻟﻜﺒﺎر ﺑﻬﺎ، وهذا أمر منطقي، إلا في ولايتي ﻣﺎﻳﻦ ﻭﻧﺒﺮﺍﺳﻜﺎ، ﺣﻴﺚ ﻳُﻌﺘﻤﺪ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻨﺴﺒﻲ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻱ. أما عدد الناخبين الكبار فهو متفاوت حسب عدد سكان الولاية، ولهذا فإن المرشحين في حملاتهم لا يتوجهون إلى الأميركيين بصفتهم مادة واحدة تجوز عليها كل الوصفات، بل بصفتهم “سكان ولايات” وجب التعامل معها بمضامين مختلفة ووفق وجبات وإيقاعات خاصة، ناهيك عن أن الولايات الكبرى تحظى بأكبر حصة من جهد الحملات واستثماراتها. في التقليد السياسي الأميركي ولايات محسومة لأحد الحزبين، كاليفورنيا مثلا تميل دائما صوب الديمقراطيين، فيما تميل أوكلاهوما صوب الجمهوريين. والأنظار تتجه نحو الولايات الضبابية كفلوريدا (29 ناخبا كبيرا) أو بنسلفانيا (20 ناخبا) أو أوهايو (18 ناخبا) أو كارولينا الشمالية (15 ناخبا). لكن المنازلة التقليدية الكبرى تجري وفق المناخ الانتخابي لفلوريدا وأوهايو. تتأرجح الولايتان دون كلل بين الجمهوريين والديمقراطيين، ولهما تاريخ لئيم في تحديد نزيل البيت الأبيض في الانتخابات التي جرت في العقود الأخيرة. ففلوريدا هي ﺛﺎﻟﺚ ﺃﻛﺒﺮ ﻭﻻﻳﺔ ﺃﻣﻴﺮﻛﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻋﺪﺩ ﻛﺒﺎﺭ ﺍﻟﻨﺎﺧﺒﻴﻦ (29 ناخبا) ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻻﻧﺘﺨﺎﺑﻲ، وكثيرا ما كان الفارق بسيطا بين المرشحين (في ﺍﻧﺘﺨﺎﺑﺎﺕ 2012، ﻓﺎﺯ باراك ﺃﻭﺑﺎﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻴﺖ رومني ﺑﻔﺎﺭﻕ 0.9 بالمئة). بالمقابل فإن الإحصاءات تكشف أن ما من رئيس دخل البيت الأبيض منذ عام 1960 دون الفوز في أوهايو، فالولاية متأرجحة (18 ناخبا) يحدد الحسم فيها مسار الانتخابات برمتها. لكن أمر التأرجح لا يقف عند حدود الولايتين الشهيرتين، بل إن لولايات كارولينا الشمالية وأريزونا وجورجيا وميزوري وكولورادو ونيفادا وفرجينيا حكايات أخرى تتعلق بالتحوّلات الديمغرافية فيها، كما بتفاصيل التعدد العرقي والثقافي واللغوي والإثني الذي بات يزنُ كثيرا داخل مزاج الكتل الناخبة وميولها لحظة الاقتراع. يتحدث أحد المتخصصين في عمل الحملات الانتخابية عن شيء جديد في إدارة تلك الحملات في السعي لإقناع الناخبين. يقول إن عدّة الشغل تبدّلت منذ أن أصبح أسلوب ترامب الاستفزازي هو المعيار والحكم في ترتيب استراتيجيات حملة كلينتون، وإن الحملتين تلهثان وراء جذب استعراضي شكلي يتجاوز مصداقية أي مضمون، وإن الأمر بات لا يعدو كونه مباراة للإضحاك والإفحام وتسجيل النقاط التي لا تختلف عن نصوص الاسكتشات الضاحكة التي تقتات من إبهار سريع لا يترك للعقل مكانا رحبا في تقرير من هو الرئيس الأفضل الذي سيرث 8 سنوات من حكم الرئيس باراك أوباما. والأدهى أن استطلاعات الرأي التي اكتشفت في آخر نسخاتها تقلّص الفارق بين المرشحيْن، الذي يبقى مرجحا لفوز كلينتون، لم تعد مرجعا يتأسس عليه أي استشراف لهذه الانتخابات. فها هي واشنطن بوست تنضم إلى صحف أخرى، في تمرين يخرج عن التقليد، في دعم كلينتون، ذلك أن مؤسسات أميركا تخشى، على ما يبدو، تسونامي مفاجئا يحسم حراك الولايات المتأرجحة لصالح نزق مما هو رتيب يأتي بدونالد ترامب رئيسا. ورغم الزخم الانتخابي الذي تضجّ به وسائل الإعلام، فإن أحياء جورج تاون وأدامز مورغان ودوبون سيركيل وبقية زوايا العاصمة، مشغولة بحدث من الواضح أنه أهم في حياة الأميركيين من جلبة الحزبين والمرشحين: الهالوين على الأبواب وطقوس الوجوه التي تفرضها المناسبة تطغى على وجوه دونالد وهيلاري التي تتبدل وتتغير وفق ما تتطلبه سيناريوهات العرض. كاتب سياسي لبناني :: اقرأ أيضاً أوروبا لا تحب المهاجرين لكنها تحتاج إليهم هل أنعش الكمبيوتر الخط العربي أم حوله إلى جثة مشوهة الحرب على الإرهاب في سيناء تراوح مكانها

مشاركة :