اليوم لم يتغير العربي في مناكفته لشقيقه العربي وذلك بناءا على موقف كل نظام من النظام الآخر، وبهذا انخرطت الشعوب في تلك المتاهة المفضية إلى الصراع. العربطاهر علوان [نُشرفي2016/10/25، العدد: 10435، ص(18)] منذ زمن اعتاد النظام العربي على الخصومة، لم تمض حقبة الخمسينات وما تليها إبّان صعود المدّ القومي واليساري والبعثي إلا وكانت دول عربية يكره بعضها بعضا. كانت الإذاعات هي الأذرع الإعلامية الضاربة للدول وموجات الأثير واللواقط الهوائية كانت هي علاماتها الفارقة. قلّما كان الجمهور طرفا في تلك المناكفات المواكبة للثورات أو للحروب العربية مع إسرائيل، فيما كانت الحملات الإعلامية برسم الحكومات. اليوم لم يتغير العربي في مناكفته لشقيقه العربي وذلك بناءا على موقف كل نظام من النظام الآخر، وبهذا انخرطت الشعوب في تلك المتاهة المفضية إلى الصراع. اليوم حلّ العالم الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي الميسّرة والمجانية ودخل إلى كل دار، لكنه حلّ على العرب فيما هم ماضون في خوض صراعاتهم المضنية التي لا تريد أن تنتهي. العرب صاروا في طليعة منتجي (الهاشتاغ) وبضاعتهم تتفوق على ما عداهم و(التراند) الذي ينحتونه لا يهدأ، لا في ليل ولا في نهار. المغرّدون العرب بعضهم أمره عجب فعدد التغريدات يصل إلى العشرات والمئات من الألوف وعندما تستعرضها زمنيا تجدها متدفقة على مدار الساعة حتى تحسب ذلك المواطن المغرّد لا شغل عنده سوى التغريد. والمغردون العرب قادرون على تمثّل أسلوب الطيور والعصافير، إذ سرعان ما يجمعهم الهاشتاغ ولا تفرّقهم حمّى الوطيس. فما إن ينطلق الهاشتاغ الإشكالي ومنه مثلا تحرير الموصل أو رسائل إلى الموصل حتى يتدفق المحبّون والكارهون على السواء. أنصار الدواعش قلقون من احتمال انقراض دولة الخرافة، ولهذا يتشبثون بأي أخبار صادقة أو كاذبة لمهاجمة الخصوم ووصمهم بأفضع الصفات والنعوت. العرب يتصارعون بالهاشتاغ والتريند والتغريدات تتحول إلى صراخ وشتائم ولكمات وتهديد ووعيد، ولست أظن شعوبا أخرى عندها مثل هذا الهوس في الهاشتاغ والتغريد القائم على الكراهية وبمثل تلك الحدّة بسبب حالة الاستقطاب المأساوية وغير المسبوقة التي تضرب العالم العربي. لا يكفي أن نتحدّث عن انقسامات مجتمعية خطيرة، فتلك في حكم البديهيات ولا يكفي أن نقول إن العقل الذي يستخدم التكنولوجيا في بعض الأحيان لم يرتق بعد إلى مستواها ومازال كما كان يهدد تارة بالخنجر وأخرى بالسيف وثالثة بالعصا، ولكن في صيغة تغريدات شتائمية وهاشتاغ مؤجج للصراعات، إنه زمن المغرّدين المصارعين والملاكمين. إدارة تويتر داخت بقصة العرب باعتبارهم أكثر الأمم تغريدا، سبحان الله بعضهم يتمثل صفات العنادل المغرّدة منذ الصباح الباكر، لكن المشكل في الكم الهائل من الشكاوى التي تتلقاها تويتر من جراء خصومات العرب وصراعهم مع بعضهم البعض. المغردون المتصارعون كلهم جميعا واثقون من حتمية النصر على بعضهم البعض، ولهذا فهم مولعون بالتغريد والتحشيد بانتظار تلك اللحظة الحاسمة عندما يتحقق النصر ويمحق الخصم، لكن لا أحد يتنبّه إلى حقيقة أن التغريدات المحتقنة سرعان ما تختفي، تنسخها تغريدات جديدة أخرى وعلى المتصارعين في حلبة تويتر أن يستجمعوا المزيد من قواهم للمضي في حلقات جديدة من الصراع والسجال الذي لا ينتهي. كاتب عراقي طاهر علوان :: مقالات أخرى لـ طاهر علوان زمن المغرّدين المصارعين, 2016/10/25 آخر سفينة فضائية صراع البقاء يؤمنه كوكب افتراضي, 2016/10/24 إعلاميون تحت المظلة , 2016/10/21 وظيفة النسيان الصحافي , 2016/10/18 زائر الليل يعود بشخصيات مأزومة وقدرات خارقة, 2016/10/17 أرشيف الكاتب
مشاركة :