متى يكتب الكتاب وكيف يقيمون طقوسهم الأدبية بقلم: ممدوح فرّاج النّابي

  • 10/25/2016
  • 00:00
  • 25
  • 0
  • 0
news-picture

متى يكتب الكتاب وكيف يقيمون طقوسهم الأدبية تمثل الحوارات الأدبية واحدة من أهم الأساليب التي تعدّ بمثابة مناوشة فكرية، فالكثير منها يجنح إلى سبر أغوار المؤلف حتى تغدو الحوارات أشبه بنبش للذات بهدف إنهاضها للاعتراف بجوانب قوتها أو ضعفها، كما تعد أيضا نصوصا موازية تكشف عن جوهر العمل الإبداعي وظروف كتابته وطقوسه، لذا فالحوارات أشبه ببوح يفضي إلى معرفة المؤثرات الفكرية والفلسفية للمبدع وعلاقته بالسلطة ومقاومتها عبر الكتابة. العربممدوح فرّاج النّابي [نُشرفي2016/10/25، العدد: 10435، ص(14)] طرق مختلفة في الكتابة (لوحة للفنان العالمي بول غيراغوسيان) لكي تخرج الحوارات خبايا الضيف يجب أن يكون المُحاور بارعا ولديه دراية كاملة بعالم ضيفه الذي يجلس لمحاورته ليستخرج مكنونه. ويصف الروائي الياباني كنزا بورو بعد سؤال وجهته مجلة “دي باريس ريفيو” عمّا إذا كان محاورا جيدا؟، وهو الذي أجرى في شبابه عددا من الحوارات مع شخصيات هامة على غرار الزعيم الصيني ماو والفيلسوف الفرنسي سارتر، بعد جوابه بالرفض ثلاث مرات، حيث قال “لا، لا، لا. المحاور الجيد هو الذي يكشف عن شيء لم يسبق أن قاله ضيفه من قبل”. إضمامة عولمية في ظل هذه التأكيدات لقيمة الحوارات، تأتي أهمية هذا الكتاب الذي ترجمته وأعدته الكاتبة العراقية لطفية الدليمي بعنوان “فيزياء الرواية وموسيقى الفلسفة: حوارات مختارة مع روائيات وروائيين”. والكتاب الصادر عن دار المدى للإعلام والثقافة 2016، هو بمثابة مختارات لحوارات مع نخبة معاصرة من أهمّ الروائيين والروائيات في الشرق والغرب، من جغرافيات مختلفة وتقاليد ثقافية متباينة، بدءا باليابان وأستراليا وماليزيا وسنغافورة والهند وروسيا مرورا بأفغانستان وتركيا ونيجيريا وروديسيا وبريطانيا وإيطاليا والبرتغال وصولا إلى تخوم الأوروغواي وفنزويلا والمكسيك والولايات المتحدة. ولم تضع الكاتبة في أثناء الانتخاب عامل العابر أو الحوارات المرحليّة ذات الطابع الآني أو تلك التي ارتبطت بحدث لحظوي، ومن ثمّ عرجت إلى مجلة باريس ريفيو العالمية والصحف العالمية الراسخة والمجلات ذات المستوى الثقافي. كما اقتصرت في الاختيار على فقرات تتميّز بثراء ثقافي وفكري، متجنبة الفقرات ذات الطابع المحلي، فالحوارات مجمَّعة من أكثر من مصدر وليست مقتصرة على مصدر واحد، ومن ثمّ غدت هذه الحوارات بمثابة “إضمامة عولمية تجتمع فيها الرؤى المختلفة والتلاوين الفكرية ومصادر الإلهام اللامحدودة التي تجعل من الرواية موسوعة العصر الثقافية والشكل الإبداعي المتغيّر الذي يبقى في حالة صيرورة دائمة وحركية مفعمة بالحيوية والطموح والقدرة على بعث الإلهام”، كما ذكرت في المقدمة. وتكشف هذه الحوارات المشارب المختلفة للكتّاب من الجنسين ومفاهيمهم حول جنس الرواية، فتتباين مواقفهم بشأن جوهر العمل الأدبي ودوافعه ومحفزاته، مثلما تتباين أساليبهم التي تتجاوز في تجريبيتها مختلف النظريات المعروفة. وتتصل هذه الحوارات في أحد جوانبها بالعملية الإبداعية، وهو ما يعني دحضا لنظريات البنيوية التي كانت تدعو وتنادي بموت المؤلف وعزل الكتابة عما يحيط بها، حيث أن هذه الحوارات بمثابة فرصة سانحة للكشف عن الموضوعات التي كانت مصدر إلهام. فالنص قد يأتي من صورة أو فكرة أو مشهد ليتحوّل إلى عمل روائي مكتمل. رؤى الكتاب تختلف عما يشغلها أثناء الكتابة، فثمة من يبحث عن إيقاع الكلمات، وثمة من يبحث عن الشغف بالعملية الإبداعية ومن الجوانب الفلسفيّة في هذه الحوارات أنها تكشف عن المؤثرات الفكرية والفلسفية التي شكلت شخصياتهم وتركت آثارها على نضجهم الوجداني، وكذلك علاقات التأثر والتأثير، بالإضافة إلى أنها تكشف الكثير من حياة الشعوب وأساليب عيشها، وتعاملات مع معضلات الوجود الأساسيّة كالحب والجمال والموت والحياة والشغف واليأس والصِّراع من أجل البقاء، وهناك من لجأ إلى الكتابة كبديل مقاوم للوحدة، وعدم قدرته على التعايش مع من حوله، وثمة نوع آخر اتّخذ الكتابة وسيلة للردّ على المستعمر كما فعل شينو أتشيبي الروائي النيجيري، حيث قال “إذا لم يكن للأسود مؤرخوها فإن تأريخ الصيد سيُمجّد للصيّاد وحده فحسب”. وهناك من يعتبر الكتابة ومقابلها القراءة من قبل القارئ وسيلة يمكن أن تغيِّر العالم كما هو التساؤل الذي طرحه ألبرتو مانغويل في كتابه “مدينة الكلمات”. تبرهن هذه الحوارات على فوارق كبرى بين توجهات مبدعي الشرق والغرب والشمال والجنوب، وتباين مواقفهم بين ما هو ذاتي وما هو اجتماعيّ، فكما ترى المترجمة طغيان الفردانيّة والذاتية المفرطة والنزعات الإبيقورية لدى الغربيين وانكفاءهم على المشكلات الفردية المتأتيّة من ضغوط المجتمع التنافسي والإحلالات القيميّة، فإنّ الشرقيين كذلك هم عموما يشتركون في مضامين تتبنى الهموم الجمعيّة والمعضلات العامة والتوق الإنسانيّ إلى الحرية والكرامة واشتراطات حياة فضلى وإغفال لما هو شخصيّ وذاتيّ غالبا. ورغم هذا الاختلاف، إلا أن ثمّة رابطا يجمع بين جميع الكُتّاب، حيث أنهم لا يتفقون على أساليب سردية واحدة، فهناك من يميل إلى التقاليد الكلاسيكية، فيما يتمرد آخرون على هذه التقاليد عبر أساليب سردية مبتكرة، وهناك فريق ثالث يجنح إلى الكتابات اللامجنّسة، كما هو الحال عند الكاتب إدوارد غاليانو والإيطالي إيتاليو كالفينو. جولة تجتمع فيها الرؤى المختلفة إيقاع الرواية تختلف رؤى الكتاب والكاتبات في ما يشغلهم أثناء الكتابة، فثمّة مَن يبحث عن إيقاع الكلمات وإيقاع الحياة، وثمة فريق آخر يبحث عن الشغف بالعملية الإبداعية كما هو الحال عند التركية أليف شفق، فهي ترى أنّ أهم اشتراطات تقديم عمل أدبي وثقافي مميّز هو أن يكون الكاتب مسكونا بشغف جامح وقدرة على التخييل وإحساس عال بإيقاع اللغة وموسيقاها الداخليّة، إضافة إلى موسوعيته الثقافية وامتلاكه موقفا فلسفيّا من الحياة والأفكار، وهناك مَن يبحث عن ملامح الهوية الذاتيّة والثقافية للإنسان الأسود وسط مجتمع تميِّزه اللاعدالة والعنف كما هو حال الكاتبة توني موريسون، أما الإيطالية أنطونيا سوزان بيات فتعمل على إشاعة رومانسية المعرفة في رواياتها الخلابة أو في أعمالها النقدية الرصينة. أما في حالة الكُتَّاب الأفارقة فالأمر مُختلف تماما، فتهيمن على حواراتهم كنوز ثرّة من المعلومات الأنتروبولوجية والالتزام الاجتماعي والدأب المتواصل على التعلّم وتجاوز الأوضاع المزرية عبر الإبداع الروائي. ونفس هذا القدر والاهتمام نراه عند أدباء الهند، الذين جعلوا من أعمالهم صرخات احتجاج للشعب الهندي ضدّ الظلم والتهميش واللاعدالة واللاإنسانيّة التي يعاني منها الإنسان الهندي، حيث الاستبداد والفورقات الطبقية والزيف أو كما أسماها أرافيند أديغا صاحب رواية النمر الأبيض “النور مقابل الظلمة والأغنياء في مقابل الفقراء”. وما يجمع معظم الكُتَّاب والكاتبات في الحوارات أنّهم أثناء الاشتغال على إعداد عمل جديد ينهمكون في قراءة الوثائق والكتب والمذكرات وكل ما يتصل بموضوعاتهم. ويتضمن الكتاب طقوس وعادات الأدباء أثناء عملية الكتابة والأدوات التي يستخدمونها، وكل منها يعكس مزاجا متقلبا، فلا يوجد فرق بين أدباء الشرق والغرب أو الشمال والجنوب الكل على حد سواء، وهو عالم خاص يمارس غواية الكتابة وكأنها هواية خاصة يتبع فيها شرائط مختلفة، لكن أهم ما فيها هو المتعة التي تتحقّق أثناء عملية الكتاب مع اختلاف أدواتها المستخدمة، سواء الكتابة بواسطة الكراس والقلم أو الكتابة على الكمبيوتر أو في أوقاتها صباحا أو بعد الظهر أو مساء، أو حالتها أيضا واقفا، مثل إرنست همينغوي، أو نائما أو على مكتب الكتابة. :: اقرأ أيضاً من يخلف الشاعرالتونسي محمد الصغير أولاد أحمد كاتب عماني يوظف الرواية للبحث في التاريخ البحري أسئلة الحرب والمنفى تضيء قصائد الشاعر رائد وحش زياد الرحباني يذهب بمسريحة فيلم أميركي طويل إلى السينما

مشاركة :