يمكن قياس مزاج الشارع العربي من مستوى السباب والشتائم البذيئة التي يطلقها السائقون على بعضهم في طرقات لا قيمة لأولوية السير فيها وفي زمن ساخن وطقس ملتبس وطرقات لم تعد مستقيمة وأشخاص صاروا يعرّفون أنفسهم بما يكرهون. لو جمعنا الشتائم التي يطلقها سائقو سيارات الأجرة وحدهم في شوارع البلدان العربية، خلال ساعة واحدة لاكتشفنا هذا المزاج السيء دون لبس. وهو في واقع الأمر مقياس عام لمزاج الأسرة العربية. فهذه الأسرة لم تعد تؤمن بأن للجدران آذانا، وبأن رجال الأمن يترصدون وقع كلامها على الأبواب كما كان يحدث من قبل، لأن الأمن العربي لم يعد قائما أصلا، فكيف لرجاله التلصص على العوائل المستاءة من أوضاع البلاد. الحديث في السياسة صار وجبة دائمة في البيوت العربية وخيم التشرد والتهجير، سواء بين وجبات الطعام “إن توفرت” أو خلالها، ذلك الحديث صار كالطعام لا يمكن التخلي عنه، وصار بمقدور العجائز والرجال المسنين في مغرب الوطن العربي تحليل الأوضاع الداعشية في مشرقه، بأفضل مما يظهره المحللون على القنوات التلفزيونية من أفكار مكررة وكلام لا جديد فيه غير الظهور الممل على الشاشات! إذا كانت الخلافات الأسرية من تشق آصرة الأسر العربية من قبل، فإن الخلافات السياسية صارت سببا آخر للشقاق، أذهلني الخلاف داخل أسرة تونسية على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وليس على رئيسهم! وانبهرت من كلام مسنة مغربية في صحراء الداخلة بأقصى جنوب البلاد، وهي تتحدث عن داعش في الفلوجة والموصل وسرت! أليس ذلك مقياسا لمزاج عربي مختلفا كليا عما كان عليه، على الأقل قبل “الربيع العربي”، مزاج أقل ما يوصف به بالسيء والمتشنج والمصاب بالمرارة الدائمة. الأسرة العربية تلتقي اليوم على مائدة الطعام أو أمام شاشة التلفزيون من أجل أن تعبّر عن مزاجها السيء وتختلف في ما بين أفرادها، بعدما وهن سمع آذان الجدران مثلما وهن الأمن وأصيب الاستقرار في عالمنا العربي بالارتخاء. كرم نعمة karam@alarab.co.uk
مشاركة :