«مراجعة القرار أو إعادة الاختبار» هي كلمات كتبها العشرات من التلاميذ ممن تم إقصاؤهم من شهادة البكالوريا لعام 2013 في الجزائر ولمدة خمس سنوات بالنسبة إلى التلاميذ النظاميين و10 سنوات بالنسبة للمترشحين الأحرار والسبب هو الغش في امتحان الفلسفة وبث الفوضى يوم الامتحان، الأمر الذي أسال حبراً كثيراً في الصحافة الجزائرية. مسلسل امتحان شهادة البكالوريا لم ينته بحلقة أخيرة عن إعلان النتائج نهاية الأسبوع الماضي، بل انطلق مباشرة مسلسل احتجاجات عارمة شهدتها العاصمة الجزائرية وكانت ساحة «موريس أودان» مسرحاً لها. أما الأبطال فتلاميذ، سنهم لا تتجاوز الثامنة عشرة، والسبب إقصائهم من الامتحان من دون تصحيح أوراقهم وتأكيد عدم النجاح بمعدل صفر من عشرين. الغاضبون حملوا لافتات كتبت عليها شعارات تطالب بإعادة النظر وإلغاء قرار الإقصاء وإعادة تصحيح الأوراق. ومن بين الشعارات «نريد مراجعة القرار» أو «إعادة الاختبار» وهي أصبحت عنواناً عريضاً للاحتجاجات التي قادها أكثر من 700 تلميذ وجابوا بها شوارع العاصمة فكانت قوات مكافحة الشغب لهم بالمرصاد. هو إذاً مشهد آخر من مشاهد الاحتجاجات التي اجتاحت الجزائر منذ ثلاث سنوات أي في الفترة نفسها التي عصفت رياح الربيع العربي بالعديد من الدول العربية. لكن المشهد هذه المرة يختلف في الجزائر عن سابقيه، فمنذ أن عرف الشارع الجزائري احتجاجات واعتصامات من سنة 1988 إلى غاية نهاية التسعينات من القرن العشرين ثم احتجاجات الزيت والسكر في 2011 واحتجاجات السكن والشغل في2013، جاءت هذه التظاهرات مختلفة جداً وغير متطلبة بالمعنى التقليدي. قضية امتحان الفلسفة في بكالوريا 2013 أخذت أبعاداً أخرى، خصوصا أنها كانت القطرة التي أفاضت الكأس في الامتحان منذ استقلال البلاد. فقد خرج العشرات من المترشحين للامتحان بحجة أن الأسئلة لم تكن من ضمن المقرر الدراسي لهذه السنة، فيما انتهز الممتحنون الآخرون فرصة الغش في الإجابة. وعليه تم إقصاء ومعاقبة أكثر من ثلاثة آلاف تلميذ من قبل وزارة التربية وعدم تصحيح أوراقهم بسبب مقاطعتهم للامتحانات التي كانت في نظرهم «صعبة». وطالب التلاميذ الوزراة المعنية بإعادة تصحيح أوراق امتحانات شعبة «الآداب والفلسفة» والتراجع عن قرار اقصاء 5 سنوات في البكالوريا. وقال مدير الديوان الوطني للامتحانات والمسابقات علي صالحي لـ «الحياة»، إن «القانون أخذ مجراه» في هذه القضية، وإن عملية إقصاء التلاميذ الغشاشين البالغ عددهم 3180 تلميذاً كانت «بناء على تحقيقات أجرتها مصالحه بالاعتماد على التقارير المقدمة من طرف حراس مركز الامتحانات». ووصف رئيس الديوان تراجع نسبة النجاح في امتحان البكالوريا بالأمر «العادي»، مؤكداً أن هناك لجنة مكلفة بدراسة أسباب هذا التراجع وأن نسبة الغش المقدرة بصفر فاصل خمسة بالمئة ليست السبب الرئيس في تراجع نسبة النجاح. ولفت الخبراء في قطاع التربية إلى أنها المرة الأولى في الجزائر التي تشهد امتحانات السنة النهائية للثانويات (البكالوريا) مثل هذا الإقصاء منذ استقلال الجزائر. ومن جهة أخرى، وصفت النقابة الوطنية لعمال التربية عقوبة الإقصاء بـ «الخطوة الإيجابية»، وقال رئيس النقابة عبد الكريم بوجناح لـ «الحياة» إن ذلك من شأنه إعادة الصدقية لشهادة البكالوريا، لكنها في المقابل «قاسية». وانتقد بوجناح وزارة التربية على ما أسماه «تقصيرها» في معاقبة المتسببين في فضيحة البكالوريا، مضيفاً أن الوزارة مطالبة بمعاقبة بعض الأساتذة الحراس لأن النقابة تمتلك «أدلة تثبت تورط الأستاذة الحراس أيام الامتحان في العديد من المراكز على مستوى أحد عشر مركز امتحان». وترى نقابة اتحاد أولياء التلاميذ أن العقوبات قاسية جداً في حق التلاميذ، ودعت بلسان رئيسها أحمد خالد وزير التربية الوطنية في الجزائر إلى التعامل مع «الغشاشين» بلين ومعالجة كل ملف على حدة وحالة بحالة، خصوصاً أن الإقصاء يعني «ضياع مستقبل التلاميذ». ويرى المختص في علم الاجتماع السياسي الدكتور لعضايمية مراد من جامعة مستغانم «أن هناك تطور في لغة الاحتجاجات لدى الشباب الجزائري، والتي أصبح فيها الشارع وسيلة لإسماع أصواتهم. ففي السابق كان المحتجون، وبخاصة الشباب، يحملون شعارات اجتماعية واقتصادية اليوم أصبح الاحتجاجات لها أبطال وهم «تلاميذ الثانويات» . احتجاجات تلاميذ الثانويات المقصيين من البكالوريا ستدفع، وفق نقابات التربية في الجزائر، وزارة التربية لمراجعة قرار الإقصاء، كمحاولة منها لاحتواء الوضع قبل الانفجار، خصوصاً أن التلاميذ المقصيين هددوا عبر صفحات التواصل الاجتماعي بالانتحار الجماعي إن لم تتم إعادة تصحيح الأوراق جميع المواد ومراجعة العقوبات.
مشاركة :