الكراهية والحقد والكذب والانتهازية والنفاق والخديعة باتت تسيطر على من يعتبرون أنفسهم سفراء الآخرة في الحياة الدنيا. العربالحبيب الأسود [نُشرفي2016/10/26، العدد: 10436، ص(24)] بعد آلاف السنين، صرنا نحتاج إلى النظر بعمق إلى ريشة ماعت، إلهة الخلق الطيب، واهبة العدل والحق والنظام الكوني لدى المصريين القدامى، فقبل آلاف السنين، تحدث كتاب الموتى عن طقوس في الآخرة لوزن قلب حنوفر حيث يستعمل الإله أنوبيس ريشة ماعت ويقوم الإله تحوت برصد النتائج: فإذا كان قلب الميت أخفّ من الريشة سمح له بالحياة في الآخرة، أما إذا كان أثقل منها فيحكم عليه بالفناء الأبدي بعد أن يلتهمه الوحش الخرافي عمعميت الذي يحمل رأس تمساح وجسم أسد ومؤخرة فرس النهر، فثقل القلب في ميزان الآخرة يعني أن صاحبه كان قاسيا، متحجرا، وحاقدا في الحياة الدنيا. المصريون القدامى صوروا مشهد يوم الحساب بأن يأخذ الإله أنوبيس الميت المحنّط بعد بعثه إلى قاعة المحكمة، حيث يبدأ القضاة بالتحقيق معه في ما فعله في حياته، ويتركون له فرصة الدفاع عن نفسه، وفي ما إذا كان انصاع لقوانين ماعت وعددها 42 قانونا، وحفظ أسماء الآلهة، ثم يقاد إلى غرفة الميزان، حيث يوزن قلبه أمام ريشة ماعت ليصدر فيه الحكم، فإذا أفلح قيل إنه صادق القول، وأعيد قلبه إلى جسمه المحنط، وألبسوه ثيابا بيضاء، وفتحوا أمامه أبواب الجنّة، ثم ألحقوا به زوجته، وخصصوا له خدما، وإن فشل في الاختبار رمي به إلى الوحش عمعميت ليلتهمه. وكان من عادات المصريين أن يضعوا كتاب الموتى إلى جانب الميت في قبره حتى يراجعه ويحفظ أسماء الآلهة الواردة فيه، كما عليه أن يحفظ شريعة ماعت ببنودها التي يبلغ عددها 42 بندا، والتي تمثل قيما أخلاقية وإنسانية واجتماعية عظيمة، كأن يقول الميت يوم الحساب: أنا لم أرتكب خطيئة، أنا لم أسلب الآخرين ممتلكاتهم بالإكراه، أنا لم أسرق، أنا لم أقتل، أنا لم أكذب، أنا لم أغلق أذنيّ عن سماع كلمات الحق، أنا لم أتسبب في بكاء الآخرين، أنا لم أعتدِ على أحد، أنا لم أغتصب أرض أحد، أنا لم ألفق تهمة لأحد، أنا لم أعمل على إغواء زوجة أحد، أنا لم أقم بإرهاب أحد، أنا لم أخالف القانون، أنا لم أستخدم العنف ضد أحد، أنا لم أهدد السلام، أنا لم أتدخل فيما لا يعنيني، أنا لم أنبش القبور ولم أسئ إلى الموتى، أنا لم أخطف لقمة من فم طفل. هذه الاعترافات كانت توجد في كتاب الموتى الذي يوضع إلى جانب جثمان الميت في قبره حتى يراجعها استعدادا ليوم الحساب، وقد سبقت كل الديانات السماوية بقرون عدة، وتم العثور عليها في كتاب “الخروج إلى النهار” قبل ألفي عام من ظهور وصايا موسى. أعتقد أن البشرية لا تزال تحتاج إلى حكمة المصريين القدامى، وأن أغلب الناس بحاجة اليوم إلى ريشة ماعت لوزن قلوبهم، بعد أن باتت الكراهية والحقد والكذب والانتهازية والنفاق والخديعة تسيطر على من يعتبرون أنفسهم سفراء الآخرة في الحياة الدنيا. الحبيب الأسود :: مقالات أخرى لـ الحبيب الأسود ريشة ماعت , 2016/10/26 غضب واسترضاء, 2016/10/19 اكتشفنا أميركا , 2016/10/12 صفعة على خد مسؤول, 2016/10/05 زمن المسدسات , 2016/09/28 أرشيف الكاتب
مشاركة :