بينما كان المصمّم جورجيو أرماني (82 عاماً) ينظّم عرضه في العاصمة الفرنسية، تحدّث عن الموضة ومعنى العصرنة وتجربته في باريس. مقابلة أجرتها مجلّة «إيل» الفرنسية مع مصمّم كلاسيكي بامتياز. لماذا اخترتَ تنظيم العرض في باريس؟ أردتُ في البداية أن أحتفل بإعادة افتتاح متجري «أمبوريو أرماني» ومطعمي في جادة «سان جيرمان». كان الموقعان يحتاجان إلى التجديد. لكن يحمل السبب الآخر طابعاً عاطفياً. في عام 1998، ألغت شرطة باريس عرضاً لي في «سان سولبيس» لأسباب أمنية. اخترتُ هذه المرة حلبة «أكور هوتيلز» لأنني معتاد على المساحات الشاسعة حين أقدّم عروضي في ميلان. كما أنني أحب هندسة هذا المكان وتتماشى الخطوط الدقيقة فيه مع أسلوبي. ماذا تعني لك باريس؟ تختلف المناطق في هذه المدينة بشدة ولا شك في أنها تلهمني كثيراً. باريس مدينة معاصرة لكن لا يتغير سحرها مطلقاً. لا يمكن أن نضجر فيها. آتي إليها بشكل أساسي كي أقدّم عروضي. لكن بما أنني أملك شقة هنا، فوق متجري في «سان جيرمان» مباشرةً، يسهل أن أُخرِج الجانب الباريسي في داخلي خلال لحظات معينة. ما الذي تحبّ فعله هنا؟ حين آتي من أجل العمل، لا أجد الوقت للقيام بنشاطات كثيرة: بعد تمضية يومي في تنظيم العرض المرتقب، أذهب لتناول العشاء مساءً في مطعمي. آكل أطباقاً بسيطة دوماً مثل المعكرونة والطماطم لأن كبدي يمنعني من أكل البروتينات. ثم أعود إلى منزلي وأشاهد فيلماً إيطالياً. أحب البقاء في حي «سان جيرمان ديبريه». يبقى هذا الحي ساحراً مع أن الكثيرين يتذمرون من نشوء متاجر الموضة مكان المكتبات. أتناول فطوري أحياناً في «كافيه دي فلور» مقابل منزلي. وفي أوقات فراغي، قد أذهب لمشاهدة عروض تصوير. يبقى برج إيفل مكاناً مرجعياً طبعاً. حين أنظر إليه، أشعر بطاقة المدينة الإيجابية. إنها الطاقة التي نجدها في الأفلام التي تشمل ديكورات مستوحاة من العاصمة مثل Moulin Rouge للمخرج باز لورمان. هل تختلف المرأة الباريسية عن المرأة في ميلانو؟ تحصر المرأة في ميلانو نفسها في مظهرٍ لا يحمل أي مجازفة: إما أن ترتدي ملابس تقليدية موجودة أصلاً في خزانتها أو تختار ملابس جديدة تفتقر إلى التميّز. المرأة الباريسية أكثر جرأة ولديها هامش أوسع من الحرية. لكنها لا تختار مظهراً معقداً مثل الأسلوب الشائع في كل مكان، من لندن إلى لوس أنجلوس. بشكل عام، تختار المرأة الباريسية أسلوباً بسيطاً لكنه يشمل دوماً ميزة خاصة مع مكياج وقبعة وحقيبة... باختصار، يعطيها هذا التفصيل الإضافي شكلاً من التميّز. كما أنها لا تتردد في خلط قطع الملابس والألوان وهذا ما يزيد سحرها. ما الذي يعطي المرأة نفحة من السحر؟ بعد سنوات من الخبرة في هذا المجال، لا أركز اليوم على جمال المرأة الأخّاذ. ينطبق هذا المبدأ أيضاً على عارضات الأزياء. تعني الحرية الحقيقية أن تقدّر المرأة شخصيتها. إذا كانت تريد أن تطمس آثار الزمن، قد تنجح في تحقيق غايتها خلال سنة ثم يبدأ الرعب الحقيقي. من خلال التمتع بروح حيوية، يمكن أن تبطل المرأة مفعول الشيخوخة. يجب أن تتقبّل تجاعيدها! ألا تعتبر خط الأزياء في «أمبوريو أرماني» معاصراً؟ أشعر أحياناً بأن الفرنسيين لم يفهموا خط «أمبوريو أرماني» بالشكل الصحيح. أو ربما لم أكن واضحاً بما يكفي. في آسيا مثلاً، تحمل الماركة صورة قوية بقدر ما كانت عليه عند انطلاقتها. حين بدأتُ مشروع «أمبوريو أرماني» في عام 1981، ابتكرتُ أزياءً رجالية مناسبة للنساء. لكن سرعان ما تغيّر الوضع. بين عمر الخامسة والعشرين والأربعين، تنتظر مني المرأة المزيد. تحب هذه الأخيرة الملابس المبتكرة كي تواكب آخر صيحات الموضة لكنها لا تحبذ العناصر الغريبة بشكلٍ مفرط. حين أرسم معالم ماركة «جورجيو أرماني»، أسعى إلى الحفاظ على أناقة المرأة التي تعيش حياة مترفة. تحمل هذه الماركة أسلوبها الخاص. لكن مع ماركة «أمبوريو» التي تتّسم بأسعار معقولة، أريد أن يفهم الجميع أنني أهتم بما يحصل حول العالم وأطّلع على النزعات الرائجة في عروض الأزياء. من واجبي أن أواكب العصر لكن بطريقتي الخاصة. ما هو المفهوم الطاغي في متجرك الجديد؟ في المقام الأول أريد التركيز على الملابس بحد ذاتها من دون تقديم «تجربة تسوّق» ممتعة بأي ثمن. يجب أن تشاهد المرأة الملابس من دون الحاجة إلى عرض معقّد لجذب الأنظار إليها. نشعر اليوم بأن الموضة تهدف إلى مفاجأة الناس. بالنسبة إليّ، يجب أن تكون الأزياء متناسقة وتتألف من قطع بسيطة تشجّع النساء على ارتدائها. حين أحضّر التصاميم للمتاجر، أحرص على احترام أسلوب المبنى. عندما افتتحتُ متجر «أمبوريو أرماني» في عام 1998، نصحني الجميع بوضع لافتات كبرى تحمل اسمي على جميع الواجهات. لكني لم أطبّق هذه النصيحة بل أردتُ الحفاظ على بساطة الواجهة. قد لا يكون المبنى مميزاً لكنه جزء من الموقع الذي يشمل «كافيه دي فلور» وكنيسة «سان جيرمان» وأنا أحترم ذلك. لا يمكن أن أفتح متجراً مبهرجاً في هذا المكان. هل تهتم بوسائل الاتصال الرقمية؟ لم أدخل إلى هذا العالم بعد لكن أصبحت هذه الخطوة قريبة. منذ عشر سنوات، يسألونك دوماً عن هوية من سيخلفك مع أنك تتمتع بالحيوية اللازمة لإدارة دار الأزياء. ماذا فعلتَ بهذا الخصوص؟ أنشأتُ حديثاً مؤسسة ستسمح لورثتي، بمساعدة بعض المستشارين، بتحديد مستقبل دار الأزياء. بانتظار حصول ذلك، قررتُ متابعة العمل بشكلٍ أساسي من أجل جميع الأشخاص الذين يعملون لديّ. تحدث أرماني عن أحدث المزايا في مجموعة «أمبوريو أرماني» لموسم ربيع وصيف 2017، وقال: «لتنظيم هذا العرض الباريسي، شاهدتُ أرشيف «أمبوريو» واخترتُ لكل مجموعة قطعة مميزة أساؤوا فهمها عند إطلاقها. كان الناس يظنون أنني لا أجيد إلا رسم سترات الرجال كي ترتديها النساء. لكن تطوّر أسلوبي وأصبحت النواحي الأنثوية أساسية في خياراتي. لم أعد أحصر نفسي في البذلات الرسمية. في هذه المجموعة الصيفية، جمعتُ مختلف أفكاري من السنوات الأخيرة. ثمة تميّز في الألوان ومصادر الوحي ومستوى الأناقة. لم أكن أتوقع هذه النتيجة لكني أحب فكرة أن تتماشى سترة عمرها سنتين مع تنورة معاصرة ومصنوعة من نسيج الساتان. لا شك في أن المرأة بين عامَي 2016 و2017 ستكون قوية وتحب لفت الأنظار. لكن في مجموعة خريف وشتاء 2017، تبرز القطع التي تتّسم بميزة صغيرة مثل السترات المخططة التي تحمل أشكالاً هندسية مبهرجة».
مشاركة :