«حين يصبح الفن حرية... السورياليون المصريون»

  • 10/27/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

في ثلاثينات القرن العشرين، هبَّت مجموعة من المستنيرين المصريين للدفاع عن الفن الحديث ضد السياسات الفاشية والنازية التي ظهرت في أوروبا في ذلك الوقت، رافضين العودة إلى عصور الظلام أو «القرون الوسطى»، كما جاء في بيانهم المعنون بـ «يحيا الفن المنحطّ». كان من أبرز موقّعي هذا البيان جورج حنين وكامل التلمساني ورمسيس يونان وفؤاد كامل. ودشَّن البيان لمجموعة من الممارسات الحداثية المرتبطة بواحدة من أهم المدارس والاتجاهات الفنية التي ظهرت خلال النصف الأول من القرن العشرين وهي المدرسة السوريالية، كما أسّس واحدة من أهم الحركات أو الجماعات الفنية التي ظهرت في مصر، هي جماعة «الفن والحرية».   ثورة على القواعد ساهمت السوريالية كغيرها من المدارس الفنية التي ظهرت خلال القرن العشرين وما قبله في إزاحة الجدار الخانق الذي كان محيطاً بالممارسة الفنية بأن ألحقت به صور العقل الباطن والأحلام وربما الهلوسات أيضاً اعتماداً على النظريات النفسية لسيغموند فرويد وغيرها من الدراسات النفسية التي لفتت الانتباه إلى دور العقل الباطن كدافع للسلوك الإنساني، ما أضاف إلى الصورة الفنية ألقاً خيالياً جديداً ومثيراً إبداعياً للتعبير البصري. كانت السوريالية أشبه بثورة على القواعد والقوالب التقليدية، وصرخة في وجه السائد والتقليدي، وتأثر بها مبدعون كثر حول العالم، وتأثر بها العرب والمصريون كما تأثروا بغيرها من المدارس والاتجاهات الفنية الأخرى التي ظهرت في الغرب بممارساتها المختلفة. ربما حظيت السوريالية بنصيب أوفر من الانتشار بين العامة مقارنةً بغيرها من المدارس والاتجاهات الفنية، ما ساهم في إضفاء شيء من الالتباس على مفهومها، فقد ارتبط اسمها في أذهان غير المتخصصين بكونها رمزاً للتحريف أو الشطط في تناول الأعمال الفنية. فتجد أحدهم يصف فناناً ما بأنه «سوريالي» لأنه لمس في أعماله بعض التحريف أو التناول الحر للأشكال الطبيعية. وهو توصيف غير دقيق بالطبع لما يتسم به من تعميم، فليس كل ما شابه بعض التحريف من الأعمال الفنية ينتمي إلى السوريالية. عن جماعة السورياليين المصريين نظمت مؤسسة الشارقة للفنون بالتعاون مع وزارة الثـــقافة المصرية والجامعة الأميركية في القاهرة أخيراً، معرضاً ضخماً ضمَّ عدداً وافراً من الأعمال الفنية لفنانين مصريين. وأقيم المعرض في «قصر الفنون» في القاهرة تحت عنوان «حين يصبح الفن حرية - السورياليون المصريون». ومن المقرر أن ينتقل للعرض في الإمارات. عند زيارتك المعرض ربما يتبادر إلى ذهنك هذا التوصيف غير الدقيق للسوريالية حين تكتشف أن جانباً كبيراً من الأعمال المعروضة لا يمت إلى السوريالية بصلة. هذا قبل أن تدرك أن منظمي المعرض بدلاً من التركيز على الممارسات التي تأثَّرت مباشرة بالسوريالية، قد أضافوا تجارب أخرى لفنانين معاصرين أو لاحقين لجماعة «الفن والحرية» وتأثروا، كما يقول البيان المصاحب للمعرض، بأهداف السوريالية أو فناني جماعة «الفن والحرية» التي تبنت أهدافها.   التأثر بالسوريالية؟ المعرض يبدو مربكاً لاتساع رقعة تناوله للسوريالية وأثرها على أعمال الفنانين المصريين من ناحية، واعتماده على حشد أكبر مقدار ممكن من الأعمال الفنية من دون التركيز على التجارب التي تُحقق المعنى والهدف المرجو من مفهوم العرض الذي يشير إليه العنوان، من ناحية أخرى. فعليك أن تبحث كزائر عن ملامح هذا التأثر بمستوياته المختلفة، كأثر السوريالية على أعمال عبدالهادي الجزار ومحمود سعيد على سبيل المثال، أو أعمال حامد ندا بمعالجاتها المستوحاة من الحارة المصرية. ففي أعمال هؤلاء لا يختلف أثر السوريالية عن غيره من تأثيرات المدارس الأخرى التي ساهمت في الخروج باللوحة أو العمل الفني من دائرة الحصار الكلاسيكي في التناول. في معرض «السورياليون المصريون» يدفعنا المنظمون إلى البحث عن هذا الأثر الغائم أو التائه بين العديد من التأثيرات الأخرى في أعمال الفنانين المصريين. وهو بحث ينطوي على مشقة والتباس لدى المتخصص، فما بالك بغير المتخصص الذي قد يقع في متاهة من التخمينات والتهويمات والتصورات المرتبكة التي ترسخ لهذا المفهوم المغلوط عن هذه المدرسة. فهل كان اتساع رقعة المعرض على هذا النحو هو نوع من ليّ ذراع المفهوم، للخروج بعرض ضخم ومثير من حيث الكم ومن حيث نوعية الأعمال النادرة التي يضمها؟ وماذا يحدث إذا غيّرنا كلمة «السورياليون» واستبدلناها على سبيل المثال بالتعبيريين أو التأثيريين؟ ونزعت الكلمة نفسها حتى من الفقرات التنظيرية لبيان المعرض المعلق على جدران القصر واستبدلناها بأي مدرسة من المدارس الحداثية الأخرى؟ المعرض بالفعل مثَّل فرصة لرؤية العديد من الأعمال التي لم يكن متاحاً رؤيتها لولا تنظيم هذا المعرض، منها ما هو مُخزَّن داخل متاحف الدولة، ومنها ما هو ملكية خاصة لأفراد. ولكن ما يهمني كمتلقٍ في عرض يحتفي بالسورياليين المصريين هو الخروج برصيد بصري ومعرفي يطرح تساؤلات جديدة أو حتى قديمة حول هذا الاتجاه والدوافع التي استلهمت منها هذه الممارسات في مصر. غير أن اتساع رقعة العرض على هذا النحو أوجد نوعاً من التشتّت والارتباك، في ما عدا تسليط الضوء على تجارب بعينها، كتجربة المصور فان ليو على سبيل المثال. ومن أكثر الأشياء اللافتة كذلك في هذا المعرض هو خلوه من أي مطبوعة تتيح الاطلاع على دوافع المشروع أو النقاشات التي واكبت الإعداد له، خصوصاً أن مؤتمراً خاصاً بالعرض نُظّم العام الماضي في الجامعة الأميركية في القاهرة، وعرضت خلاله مجموعة من الأوراق البحثية لفنانين ونقاد مصريين وغير مصريين.

مشاركة :