حذيفة بن اليمان.. صاحب سر رسول الله

  • 10/28/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

محمد حماد ‮هنالك‮ ابتلي‮ المؤمنون‮ ‬وزلزلوا‮ ‬زلزالاً‮ ‬شديداً، (الأحزاب‮: ‬11‮)‬ في‮ ‬غزوة الخندق، ‬حيث كانت أحزاب المشركين‮ تحاصر المدينة، ‬أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن‮ ‬يعلم أخبارهم، ‬فانتدب لتلك المهمة حذيفة بن اليمان، رضي الله عنه، ‬ويروي‮ ‬حذيفة القصة فيقول‮: ‬لقد رأيتنا ليلة الأحزاب، ‬ونحن صافون قعود، ‬وأبو سفيان ومن معه من الأحزاب فوقنا، ‮‬وقريظة اليهود أسفل نخافهم على ذرارينا، ‬وما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة، ‬ولا أشد ريحاً‮ ‬منها، ‬أصوات ريحها أمثال الصواعق، ‬وهي‮ ‬ظلمة ما‮ ‬يرى أحد منا أصبعه، ‬فجعل المنافقون‮ ‬يستأذنون النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم ويقولون‮: (‬إن بيوتنا عورة وما هي‮ ‬بعورة‮) ‬فما‮ ‬يستأذنه أحد منهم إلا أذن له، ‬يتسللون ونحن ثلاثمئة أو نحو ذلك، ‬إذ استقبلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا‮ ‬رجلا‮ ‬حتى مر علي، ‬وما علي جنة من العدو، ‬ولا من البرد إلا مرط لامرأتي، ‬ما‮ ‬يجاوز ركبتي، ‬فأتاني‮ ‬وأنا جاث على ركبتي‮ ‬فقال‮: ‬من هذا؟، ‬قلت‮: ‬حذيفة، ‬فتقاصرت إلى الأرض، ‬فقلت‮: ‬بلى‮ ‬يا رسول الله، ‬كراهية أن أقوم، ‬فقال‮: ‬قم‮. ‬فقمت، ‬فقال‮: ‬إنه كان في‮ ‬القوم خبر، ‬فأتني‮ ‬بخبر القوم، ‬قال‮: ‬وأنا من أشد الناس فزعاً، ‬وأشدهم قرا، ‬فخرجت، ‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‮: ‬اللهم احفظه من بين‮ ‬يديه، ‬ومن خلفه، ‬وعن‮ ‬يمينه، ‬وعن شماله، ‬ومن فوقه، ‬ومن تحته، ‬قال‮: ‬فو الله ما خلق الله فزعا‮ ‬ولا قرا‮ ‬في‮ ‬جوف إلا خرج من جوفي، ‬فما أجد منه شيئا، ‬فلما وليت قال‮: ‬يا حذيفة لا تحدث في‮ ‬القوم شيئا‮ ‬حتى تأتيني، ‬فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم، ‬نظرت في‮ ‬ضوء نار لهم توقد، ‬وإذا برجل أدهم ضخم‮ ‬يقول بيده على النار، ‬ويمسح خاصرته ويقول‮: ‬الرحيل‮.. ‬الرحيل‮.. ‬ثم دخل العسكر فإذا في‮ ‬الناس رجال من بني‮ ‬عامر‮ ‬يقولون‮: ‬الرحيل‮.. ‬الرحيل‮ ‬يا آل عامر لا مقام لكم، ‬وإذا الرحيل في‮ ‬عسكرهم ما‮ ‬يجاوز عسكرهم شبرا‮ ‬فوالله أني‮ ‬لأسمع صوت الحجارة في‮ ‬رحالهم، ‬ومن بينهم الريح‮ ‬يضربهم بها، ‬ثم خرجت نحو النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم، ‬فلما انتصفت في‮ ‬الطريق أو نحو ذلك، ‬إذا أنا بنحو من عشرين فارسا‮ ‬متعممين، ‬فقالوا‮: أخبر صاحبك أن الله كفاه القوم، ‬فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو‮ ‬يشتمل في‮ ‬شملة‮ ‬يصلي، ‬وكان إذا حزبه أمر صلى، ‬فأخبرته خبر القوم أني‮ ‬تركتهم‮ ‬يرتحلون‮. ‬فأنزل الله عز وجل‮: يا أيها‮ ‬الذين‮ ‬آمنوا‮ ‬اذكروا‮ ‬نعمة‮ ‬الله‮ ‬عليكم‮ ‬إذ‮ ‬جاءتكم‮ ‬جنود‮ ‬فأرسلنا عليهم‮ ‬ريحا‮ً ‬وجنودا‮ً ‬لم‮ ‬تروها وكان‮ ‬الله‮ ‬بما تعملون‮ ‬بصيرا‮ً* ‬إذ‮ ‬جاؤوكم‮ ‬من فوقكم‮ ‬ومن‮ ‬أسفل‮ ‬منكم‮ ‬وإذ‮ ‬زاغت‮ ‬الأبصار‮ ‬وبلغت‮ ‬القلوب‮ الحناجر‮ ‬وتظنون‮ ‬بالله‮ ‬الظنونا‮* ‬هنالك‮ ‬ابتلي‮ ‬المؤمنون‮ ‬وزلزلوا‮ ‬زلزالا‮ً ‬شديدا‮ً، (الأحزاب‮: ( ‬9‮ ‬ 11‮).‬ مهمة صعبة وروى مسلم بسنده عن إبراهيم التيمي‮ ‬عن‮ ‬أبيه‮ ‬قال: ‬كنا عند‮ ‬حذيفة‮ ‬فقال‮ ‬رجل: لو‮ ‬أدركت‮ ‬رسول‮ ‬الله صلى الله عليه وسلم قاتلت‮ ‬معه‮ ‬وأبليت‮ ‬فقال‮ ‬حذيفة:‮ ‬أنت‮ ‬كنت‮ ‬تفعل‮ ‬ذلك‮ ‬لقد‮ ‬رأيتنا مع‮ ‬رسول‮ ‬الله‮ ‬صلى الله‮ ‬عليه‮ ‬وسلم‮ ‬ليلة‮ ‬الأحزاب‮ ‬وأخذتنا ريح‮ ‬شديدة‮ ‬وقر‮ ‬فقال‮ ‬رسول‮ ‬الله صلى الله عليه وسلم ألا رجل‮ ‬يأتيني‮ ‬بخبر‮ ‬القوم‮ ‬جعله‮ ‬الله‮ ‬معي‮ ‬يوم‮ ‬القيامة‮ ‬فسكتنا فلم‮ ‬يجبه‮ ‬منا أحد ثم‮ ‬قال‮ ‬ألا رجل‮ ‬يأتينا بخبر‮ ‬القوم‮ ‬جعله‮ ‬الله‮ ‬معي‮ ‬يوم‮ ‬القيامة‮ ‬فسكتنا فلم‮ ‬يجبه‮ ‬منا أحد، ‬ثم‮ ‬قال‮ ‬ألا رجل‮ ‬يأتينا بخبر‮ ‬القوم‮ ‬جعله‮ ‬الله‮ ‬معي‮ ‬يوم‮ ‬القيامة، ‬فسكتنا فلم‮ ‬يجبه‮ ‬منا أحد، ‬فقال‮: ‬قم‮ ‬يا حذيفة‮ ‬فأتنا بخبر‮ ‬القوم، ‬فلم‮ ‬أجد‮ ‬بدا إذ‮ ‬دعاني‮ ‬باسمي‮ ‬أن‮ ‬أقوم، ‬قال‮: ‬اذهب‮ ‬فأتني‮ ‬بخبر‮ ‬القوم، ‬ولا تذعرهم‮ ‬علي، ‬فلما وليت‮ ‬من‮ ‬عنده‮ ‬جعلت‮ ‬كأنما أمشي‮ ‬في‮ ‬حمام‮ ‬حتى أتيتهم، ‬فرأيت‮ ‬أبا سفيان‮ ‬يصلي‮ ‬ظهره‮ ‬بالنار، ‬فوضعت‮ ‬سهما في‮ ‬كبد‮ ‬القوس‮ ‬فأردت‮ ‬أن‮ ‬أرميه، ‬فذكرت‮ ‬قول‮ ‬رسول‮ ‬الله‮ ‬صلى الله عليه وسلم ولا تذعرهم‮ ‬علي، ‬ولو‮ ‬رميته‮ ‬لأصبته، ‬فرجعت‮ ‬وأنا أمشي‮ ‬في‮ ‬مثل‮ ‬الحمام، ‬فلما أتيته‮ ‬فأخبرته‮ ‬بخبر‮ ‬القوم‮ ‬وفرغت‮ ‬قررت، ‬فألبسني‮ ‬رسول‮ ‬الله صلى الله عليه وسلم من‮ ‬فضل‮ ‬عباءة‮ ‬كانت‮ ‬عليه‮ ‬يصلي‮ ‬فيها، ‬فلم‮ ‬أزل‮ ‬نائما حتى أصبحت، ‬فلما أصبحت‮ ‬قال‮: ‬قم‮ ‬يا نومان‮.‬ قبلها كان حذيفة رضي‮ ‬الله عنه قد شارك وأبوه في‮ ‬غزوة أحد، ‬وأثناء القتال، ‬نظر حذيفة إلى أبيه فرآه وهو تتناوشه سيوف المسلمين ظنا‮ ‬منهم أنه من المشركين، ‬فنادى‮: ‬أي‮ ‬عباد الله، ‬أبي‮ ‬أبي، ‬فلم‮ ‬يفهموا قوله، ‬وما احتجزوا حتى قتلوه، ‬وحين علم المسلمون تولاهم الحزن والوجوم، ‬فقال حذيفة‮: ‬يغفر الله لكم، ‬وهو أرحم الراحمين، ‬وانطلق‮ ‬يؤدي‮ ‬واجبه، ‬وتنتهي‮ ‬المعركة، ‬ويبلغ‮ ‬الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر بالدية عن والد حذيفة، ‬ولكنه‮ ‬يتصدق بها على المسلمين، ‬فيزداد الرسول حبا له وتقديرا، ‬يقول عروة بن الزبير‮: ‬فوالله ما زالت في‮ ‬حذيفة منها بقية خير حتى لقي‮ ‬الله عز وجل. أسماء المنافقين ويروي‮ ‬حذيفة رضي الله عنه فيقول‮: ‬بينا النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم سائر إلى تبوك نزل عن راحلته ليوحى إليه وأناخها النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم فنهضت الناقة تجر زمامها منطلقة، ‬حتى لقيها حذيفة بن اليمان فأخذ بزمامها‮ ‬يقودها، ‬حتى رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا‮ً ‬فأناخها، ‬ثم جلس عندها حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ‬فأتاه فقال‮: ‬من هذا؟، ‬فقال‮: ‬حذيفة بن اليمان، ‬فقال النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم‮: ‬فإني‮ ‬مسر إليك سرا‮ ‬لا تحدثن به أحدا‮ ‬أبدا، ‬إني‮ ‬نهيت‮ ‬أن أصلي‮ ‬على فلان وفلان‮: (‬رهط من المنافقين‮)‬، ‬فلم‮ ‬يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرهم لأحد‮ ‬غير حذيفة بن اليمان، ‬فلما توفي‮ ‬رسول الله صلى الله عليه وسلم، ‬كان حذيفة‮ ‬يقول‮: ‬إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم، ‬كانوا‮ ‬يومئذ‮ ‬يسرون واليوم‮ ‬يجهرون‮.‬ ‮ ‬ولما استخلف عمر رضي‮ ‬الله عنه، ‬كان إذا مات الرجل ممن‮ ‬يظن عمر أنه من أولئك الرهط، ‬الذين أبلغ‮ ‬عنهم النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم حذيفة، ‬أخذ بيده فقاده، ‬فإن مشى معه صلى عليه، ‬وإن انتزع حذيفة‮ ‬يده فأبى أن‮ ‬يمشي، ‬انصرف معه، ‬ويأمر من‮ ‬يصلي‮ ‬عليه‮.‬ وفي‮ ‬مرض النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم الذي‮ ‬توفاه الله فيه، ‬دخل حذيفة عليه فقال‮: ‬يا رسول الله، ‬كيف أصبحت بأبي‮ ‬أنت وأمي؟ ‬يقول حذيفة‮: ‬فرد‮ ‬علي بما شاء الله، ‬ثم قال‮: ‬يا حذيفة ادن‮ ‬مني، ‬فدنوت‮ ‬من تلقاء وجهه، ‬قال‮: ‬يا حذيفة إنه من ختم الله به بصوم‮ ‬يوم، ‬أراد‮ ‬به الله تعالى أدخله‮ ‬الله الجنة، ‬ومن أطعم جائعا‮ً ‬أراد به الله، ‬أدخله الله الجنة، ‬ومن كسا عاريا‮ ‬أراد به الله، ‬أدخله الله الجنة قلت‮: ‬يا رسول الله، ‬أسر‮ ‬هذا الحديث أم أعلنه؟، ‬قال‮: ‬بل‮ ‬أعلنه، ‬يقول حذيفة‮: ‬فهذا آخر شيء‮ ‬سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم‮. مرحباً بالموت كان الناس‮ ‬يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وهو واضح كالشمس، ‬ولكن حذيفة‮ ‬يسأله عن الشر، ‬ويروي البخاري‮ ‬أنه قال‮: ‬كان الناس‮ ‬يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، ‬وكنت أسأله عن الشر مخافة أن‮ ‬يدركني، ‬فقلت‮: ‬يا رسول الله، ‬إنا كنا في‮ ‬الجاهلية وشر، ‬فجاءنا الله بهذا الخير، ‬فهل بعد هذا الخير من شر؟، ‬قال‮: ‬نعم، ‬قلت‮: ‬وهل بعد ذلك الشر من خير؟، ‬قال‮: ‬نعم وفيه دخن، ‬قلت‮: ‬وما دخنه؟، ‬قال‮: ‬قوم‮ ‬يهدون بغير هديي، ‬تعرف منهم وتنكر، ‬قلت‮: ‬فهل بعد ذلك الخير من شر؟، ‬قال‮: ‬نعم، ‬دعاة إلى أبواب جهنم، ‬من أجابهم إليها قذفوه فيها، ‬قلت‮: ‬يا رسول الله صفهم لنا، ‬فقال‮: ‬هم من جلدتنا، ‬ويتكلمون بألسنتنا، ‬قلت‮: ‬فما تأمرني‮ ‬إن أدركني‮ ‬ذلك؟، ‬قال‮: ‬تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، ‬قلت‮: ‬فإن لم‮ ‬يكن لهم جماعة ولا إمام؟، ‬قال‮: ‬فاعتزل تلك الفرق كلها، ‬ولو أن تعض بأصل شجرة، ‬حتى‮ ‬يدركك الموت وأنت على ذلك‮. ‬ وكان حذيفة رضي‮ ‬الله عنه‮ ‬يحب العزلة ويقول‮: ‬لوددت أن لي‮ ‬من‮ ‬يصلح من مالي، ‬وأغلق بابي‮ ‬فلا‮ ‬يدخل علي أحد، ‬ولا أخرج إليهم حتى ألحق بالله، ‬ولما نزل بحذيفة الموت دخل عليه بعض أصحابه فسألهم‮: ‬أجئتم معكم بأكفان؟، ‬قالوا‮: ‬نعم، ‬قال‮: ‬أرونيها، ‬فوجدها جديدة فارهة، ‬فابتسم وقال لهم‮: ‬ما هذا لي‮ ‬بكفن، ‬إنما‮ ‬يكفيني‮ ‬لفافتان بيضاوان ليس معهما قميص، ‬فإني‮ ‬لن أترك في‮ ‬القبر إلا قليلاً، ‬حتى أبدل خيرا‮ ‬منهما، ‬أو شرا‮ ‬منهما، ‬ثم تمتم بكلمات‮: ‬مرحبا بالموت، ‬حبيب جاء على شوق، ‬لا أفلح من ندم، ‬وأسلم الروح الطاهرة لبارئها، ‬ولم‮ ‬يكن قد مضى على مقتل‮ ‬أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي‮ ‬الله عنه أربعون ليلة‮.‬

مشاركة :