أمير تاج السر طبيب سوداني يقيم في الدوحة، وأديب عربي شهير فرض مكانته في الساحة الأدبية بأعماله الروائية التي وصل أحدها للقائمة القصيرة للبوكر العربي عام 2011 وترجمت بعض أعماله للإنجليزية والفرنسية والإيطالية. كان لنا معه هذا اللقاء: ،، أمير تاج السر بدأ شاعراً ثم تحول إلى الرواية. هل كان الشعر قيداً، والسرد فضاء حلق فيه تاج السر كما يريد؟ - الأمر ليس كذلك بكل تأكيد، فأنا كنت أكتب الشعر منذ عهد الطفولة، أي منذ أن تعلمت القراءة والكتابة، وكنت أشارك بقصائدي في المدرسة، في تلك الحصص التي تعنى بالأدب والمطالعة، ثم أصبحت أكتب أغنيات في المرحلة الإعدادية، وتغنى مطربون بأغنياتي من دون أن أهتم كثيراً، أي أن أكتفي بمرحلة الشاعر الغنائي، كنت أحب الحكي وأقرأ كثيراً، واكتشفت أن الشعر برغم ما قدمت فيه، إلا أنني من الممكن أن أستفيد منه في كتابة سرد، وهذا ما حدث في نهاية ثمانينيات القرن الماضي حين كتبت أول رواية وأنا في مصر، ثم أعقبتها بثانية بعد نحو سبع سنوات، واستمررت بعد ذلك كاتباً، إلا أنني أحتفي باللغة الشاعرة وأوظفها في كل أعمالي وأحياناً أكتب قصائد، إن اقتضى الأمر، كما فعلت في رواية زحف النمل، حين كتبت أغنيات المغني أحمد ذهب، وتلك أعادتني لذكريات جميلة مع الشعر الغنائي. ،، طبيب وكاتب، هل تتعارض فكرة رومانسية الكتابة مع فكرة قسوة الطب والأطباء؟ - ليس بالضرورة أن تكون الكتابة مسالمة، أو الطب قاسياً، أعتقد أن الجمع بين مسارين مختلفين، ممكن جداً، بالعكس يمكن الاستفادة من كلا المسارين، بمعنى أن الطب يهب للكتابة حكايات كثيرة، وأشخاصاً ووجوهاً، وذلك بشكل يومي، والكتابة تعلم الطبيب الصبر، وهكذا. وطوال عملي وما زلت أعمل طبيباً، لم أحس بعبء المهنة على مساري الأدبي، أو العكس، فقط في البداية، كان الأمر شاقاً قليلاً، ثم توصلت إلى صيغة جيدة، بعد تنظيم وقتي وأصبحت أكتب نهاراً، وأعمل مساء، حين تكون لدي فكرة، وانغمست بالفعل في كتابتها، ولحسن الحظ لا أكتب طوال العام، وإنما فترة محدودة في السنة، فقط تأتي تبعات الكتابة من كتابة زوايا للصحف، والسفر، وكتابة المحاضرات، وقراءة مخطوطات للأصدقاء وإبداء الرأي، هكذا، وهذا ما يبدو لي متعباً، لكن في النهاية، تعودت على حياتي هكذا. ،، وصلت روايتكم «صائد اليرقات» للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية عام 2011. هل للجوائز قيمة مضافة تذكر للأديب العربي وما تقييمكم لتباين الآراء الذي يحدث حول أحقية الجوائز والفائزين بها من عام لآخر؟ - أكثر من ذلك، حصلت على جائزة كتارا برواية 366، ووصلت روايتي العطر الفرنسي للقائمة الطويلة، للجائزة العالمية للأدب المترجم للإنجليزية. نعم الجوائز مهمة للمبدعين الذين قد لا يحصلون من نشر إبداعهم على شيء، وكلما زاد عددها زادت فرص أن يحصل مبدع على شيء إيجابي يشجعه، سعيد بانتشار جوائز الكتابة وأتمنى أن يزداد عددها. تقنيات الكتابة لدى أمير تاج السر ،،يميل أمير تاج السر إلى كتابة الرواية الموازية. ما أفضل التقنيات في كتابة الرواية فيما يتعلق بصوت الراوي وشخصيات الرواية خاصة تلك التي يمتزج فيها الخيال بالواقع؟ - كتبت بتقنيات كثيرة ومتعددة، ومزجت تقنيات منع بعضها، وخرجت بصيغة تميز كتابتي عن كتابة الآخرين، منذ روايتي مهر الصياح 2002، ما زلت أكتب بتلك الصيغة وأطور داخلها، وطبعاً كل التقنيات مشروعة لكتابة الرواية، وكل كاتب أمضى زمناً، له بصمة خاصة بكل تأكيد. بالنسبة لي، أفضل الكتابة بصوت الراوي، ذلك يحصر الأحداث ويكثف النص، وفي الغالب أستخدم ذلك الصوت، ولا مانع أن أكتب بصيغة الراوي العليم، حتى إن كنت لا أفضلها. المهم أن يكون النص جيداً في النهاية، ويقتنع الكاتب به قبل أن ينشره للقراء، ولي طريقتي في ذلك، حيث أراجع النص بعد كتابته، مرتين أو ثلاث، وحين أحس بأنه بات سلساً بالنسبة لي، أنشره، ولا أقرأه مرة أخرى أبداً، إلا حين أضطر لذلك، مثل أن أقرأ فصلاً من رواية، في ندوة عامة. ،، من الذي يحدد مصير وسير الأحداث في العمل الروائي لدى تاج السر، هل هو مزاج الكاتب أم اتجاه النص؟ وكيف يستطيع الكاتب أن يكون محايداً ولا ينحاز لشخصية معينة ضد أخرى؟ باختصار رغم بدائية السؤال: من هو المسيطر في الرواية؟ - في الحقيقة، لا أخطط للكتابة مطلقاً، ولا أكتب إلا بعد فكرة قوية وبداية أحسها مناسبة، لذلك لا أتدخل مطلقاً في سير الأحداث وأتركها هكذا تمضي إلى النهاية، وفي مرات كثيرة، أحسست بالأسى تجاه شخصيات معينة، وحاولت تعديل مصائرها، ولم أستطع، كان النص يمضي في اتجاه مخالف لأمنياتي، شخصية الرزينة نظر في مهر الصياح، شخصية نديمة مشغول في توترات القبطي، وشخصية تينا أزاقوري في إيبولا 76، تلك شخصيات، كنت أريدها أن تستمر في النص ولم يرد النص ذلك، ولعلي نجحت في مرات قليلة، مثل موت النبوي في رواية العطر الفرنسي، حيث كان ضرورة قصوى، غيرت بعدها من بعض أحداث النص، ليتقبل فكرة أن تموت شخصية رئيسة. تنوع البلاد وتنوع الإبداع ،، عشر سنوات كانت فترة لتوقف تاج السر عن الكتابة في فترة من فترات حياته. هل كانت هذه السنوات العشر لالتقاط الأنفاس بعيداً عن الشعر والرواية؟، أم كانت لترتيب الأوراق لتعقبها الانطلاقة الأرحب في فضاء كتابة الرواية؟ - أبداً، هي نحو سبع أو ثماني سنوات بعد تخرجي من مصر وعودتي للسودان، حيث انغمست في العمل الطبي لبناء مستقبل مهني ولم يكن هناك أي وقت للقراءة أو الكتابة، ثم سافرت إلى دولة قطر، ومكثت سنوات أيضاً، أقرأ فيها فقط، لأبدأ تدريجيا في استعادة قدراتي الكتابية، بعد الزواج والاستقرار المهني، وحقيقة، وجودي في قطر، منحني حياة عظيمة، حيث توافرت لي المناخات اللازمة للكتابة، وفرصة السفر ورؤية العالم، وفرصة النشر، والعثور على وقت أكتب فيه، لذلك لا بد من ذكر فضل هذه البلاد علي كطبيب وكاتب. ،، السودان، مصر ، وقطر. ثلاث دول عاش بينها أمير تاج السر. ما الذي تركته كل واحدة من هذه الدول في شخصية تاج السر وفي اتجاهه الكتابي؟ - السودان، تكويني ونشأتي بالطبع، وتلك البيئة التي رضعتها ولم تفارقني حتى الآن، فما زلت كاتباً محلياً، من ناحية الاهتمام ببيئة السودان، والسعي كل عام لمتابعة التغيرات، وبالتالي كتابة نص مختلف، بالنسبة لمصر التي درست فيها، وعرفت فيها كشاعر، فقد كانت المكان الذي عثرت فيه على الكتب والثقافة، والأصدقاء المبدعين، وما زال جميع من بدأت معهم أو عرفته في البدايات، أصدقاء أعزاء، ألتقيهم كلما ذهبت. قطر منحتني الوقت والكتابة، وما حققته من نجاح، كما ذكرت لك، فهي بلاد تحتفي بالإبداع والمبدعين، تسعى لتطويرهم أيضاً، ولعل جائزة كتارا التي أنشئت مؤخراً، من أكبر الحوافز الداعمة للإبداع عربياً. إفريقيا قارة الإبداع والإلهام ،، «وحشيتان عيناك - يا إفريقيا - وحزينتان، كالحب المفاجئ كالبراءة حين تفترع البراءة» محمود درويش. إفريقيا عامة والسودان خاصة، هل أنصفها الكتاب العرب شعراً ورواية؟ وما حلم تاج السر نحوها أدبياً؟ - إفريقيا قارة ملهمة ومبدعة، وشعوبها بسطاء ولكنهم يلهمون القصائد والروايات، والذي يقرأ لشعراء وروائيي إفريقيا العظماء، من أمثال سنجور، وتشينيا تشيبي، ووولي سوينكا، وأما عطا وغيرهم، يدرك كم كانت هذه القارة وما تزال مظلومة، من كل النواحي. أنا أحب أجواء الكتابة الإفريقية، وقطعاً في بلادي شيء من تلك الأجواء، وقد كتبت عشاتر الجنوب، وإيبولا 76 وكانتا روايتين تلائمان تلك الأجواء وتأخذان منها. أعتقد أن إفريقيا ليست بحاجة للشعر والرواية بقدر حاجتها للدعم في كل المجالات، مما ينهض بها. ،، يخبرنا ميشيل فوكو أن لا معزل عن الثقافة وقيم الديموقراطية وحقوق الإنسان. المثقف العربي اليوم ربما يعيش أصعب أيامه بسبب ما يحدث حوله من صخب سياسي وتغييرات جذرية في منظومات عربية. كيف تقيم الموقف من زاويتك كمثقف ومطلع على ما يجري في العالم العربي خاصة، وكيف ترى دور المثقفين العرب في خدمة قضايا حقوق الإنسان؟ وهل الأديب ملزم باتخاذ موقف من الأحداث السياسية حوله؟ - أنا من الذين كونوا رأياً في مسألة الثقافة والشعوب، ورأيي الذي أردده دائماً، أن الأمر لم يعد يلائم النخب المثقفة، بمعنى أن ما يحدث من اضطراب في كل مكان، بات خارج قاعدة التنوير، وأفق المثقف، لذلك نحن نراقب الأمور ونحاول تغيير المفاهيم نظرياً عبر الروايات فقط. ما عاد ثمة مثقف فاعل عملياً، في الزخم السياسي.
مشاركة :