الكلام الأخير \ بقلم: عبدالمجيد الزهراني \ هذا البيت لايكتبه سوى أمير

  • 10/28/2016
  • 00:00
  • 52
  • 0
  • 0
news-picture

2016/10/27 « ياحظ من لاعرْف منهو ولاشيف إن طاب يُحمد وان تردّى بكيفه» هذا البيت الشعري العجيب الغريب، رغم كلاسيكيته اللفظية، إذا ما قيست بشاعره الحداثي جداً، الأمير بدر بن عبدالمحسن، يتضمن بُعداً نفسياً في غاية الجمال والدهشة والتأمل. هذا البيت الرائع، ورد ضمن قصيدة عمودية للأمير بدر نشرتها المختلف قبل سنوات طويلة، لكنه ما زال يرن في أذني، وأذن الزمن، رغم كل هذه السنوات التي مرت على نشره، والشعر ما الشعر، سوى ماحفظته ذاكرة الناس، قبل أن تحفظه فايلات الأرشيف الصحفي، في المجلات والجرائد: في دربكم يا راحلينٍ ٍ مناكيف تالي ليالي القيظ وأول خريفه ردّوا سلام أهل القلوب المواليف على الوليف اللي نشد عن وليفه ردّوه لعذوق النخيل المهانيف وعلى القصور اللي بوادي حنيفه دارٍٍ لها بالقلب عشق وتكاليف ياعل عينٍ ما هوتها كفيفه طبنا وشبنا وأتعبتنا المشاريف والمرقب العالي هبوبه عنيفه يا واردين العد.. كفّوا المغاريف اللي بقى دمعٍ هماجٍٍ ذريفه والله لو دمّي يغيث الملاهيف قطعت عرقي لين يصفى نزيفه ويا حظ من لا عرف منهو ولا شيف إن طاب.. يحمد وإن تردّى.. بكيفه وحنا ورثنا العز عظم وغضاريف لا ما ورثنا العز تاج وقطيفة البيت يقول باختصار طويل، وانهمار ظليل: أن المحظوظ في هذه الدنيا هو من لا يعرفه الناس أو يرونه من الأساس، ويبرر هذا الحظ ويفلسفه بدر، بسبب وجيه، وتعليل شاعري جميل، إذ يرى أن السبب في كون ذلك الشخص غير المعروف محظوظاً، لأنه في الحالتين لن يخسر شيئاً، فإن كان شخصاً طيّب الذكر فسيحمده الناس على ذلك، وأن كان سيئاً فهو حُرّ ولن يجد ملامة المجتمع، لأنه أصلاً شخص غير معروف. هذا البيت الشعري لو قاله شاعر مواطن وليس أميراً، لما كان له التأثير والقيمة الجمالية نفسها، ذلك أن الشاعر المواطن مهما كان، لن يكون تحت دائرة الضوء، مثل الأمير، الذي هو في دائرة حرّية اجتماعيّة ضيّقة، وستُحسب عليه حركاته وسكناته، وبالتالي ستتسع دائرة لومه وانتقاده، بعكس الشخص العادي في المجتمع. لفت نظري في هذا البيت قيمة الصدق العالية فيه، فشخصية الأمير بدر عبدالمحسن، كشاعر ومبدع كبير، هي شخصية فنان في النهاية، والفنان يحب التمرد على كل القيود مهما كانت، وأولها القيود الاجتماعية، وهذا كان واضحاً في البيت أعلاه، إذ يشكو من قيد المكانة الأميرية في المجتمع من جهة، وتمرّد روح الفنان المبدع داخله. بدر في هذا البيت، كان في قمة الصدق الواقعي، رغم أن أغلب قصائده ملأى بالخيالات التي لاتتواءم مع نظرية الصدق الواقعي في الشعر، ولهذا رأيت وجه بدر في هذا البيت، وجهاً جديداً، يُطلّ. لم تمنع بدر كل المباني الشعرية الحداثية الشاهقة التي بناها، عن أن يطل علينا من نافذة كلاسيكية هذه المرة، بواحد من أجمل أبيات الشعر العامي الكلاسيكي. هل قلت شيئاً جديداً، بدر كلّه جميل.

مشاركة :