معركة الموصل:حسابات ما بعد «داعش»

  • 10/28/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

2016/10/27 تستمر معركة الموصل، بأكثر من مائة ألف مقاتل من القوات العراقية المُشكّلة من جيش وشرطة وبشمركة وقوات مكافحة إرهاب، وبشعار ملحمي برّاق « قادمون يا نينوى» من ناحية تبدو معركة الموصل هي معركة وطن يبحث عن خلاصه من براثن الإرهاب، معركة أمة أرهقها التمزق لكن بواطن الأمور تعكس خلاف ذلك تماماً، فالعناوين والشعارات الطائفية والخضوع للنفوذ الإيراني المتبوع بتدخل واسع وخبيث للحرس الثوري الإيراني في العراق، يجعل منها معركة غامضة، معركة تتضمن أهدافاً خفية يسعى كل طرف مشارك فيها إلى تحقيق مطامعه. قبل أن تُدَق طبول معركة الموصل لمقاتلة داعش لم يستطع أياً من المشاركين أن يخفي نزعته حول المشاركة، ومطامعه حول ما بعد داعش، ففي اليوم الأول. بدأت سيول من التصريحات للقادة، سواء من مكاتبهم المحصنة أو على جبهات القتال، الجميع يتبادل الاتهامات والشكوك في نوايا بعضهم البعض، وفي الإطار يبقى التنسيق الميداني ضعيفاً بين البشمركة وقوات الجيش العراقي، مع تصريحات عنيفة واتهامات بين حيدر العبادي والقادة الأتراك حول رغبة تركيا في المشاركة، وإصرار الميليشيات الشيعية والحشد الشعبي على أن يكون لهم دور فيما يحدث! وزير الدفاع الأمريكي «آشتون كارتر» قام برحلة مكوكية إلى أنقرة ثم إلى بغداد لتهدئة الأجواء المحتقنة بين تركيا والعراق، على خلفية إصرار تركيا المشاركة في معركة تحرير الموصل ومعارضة العراق لذلك، مع مطالبته لتركيا بسحب قواتها الموجودة في «بعشيقة» قرب الموصل، لكن يبدو أن «كارتر» لم ينجح في مهمته، فرئيس الوزراء العراقي «حيدر العبادي» رفض العرض التركي للمساعدة في معركة الموصل، وقال العبادي للصحافيين المرافقين ل «كارتر» إنه يعرف أن الأتراك يريدون المشاركة، لكنه يقول لهم «شكراً، فهذا أمر سيتعامل معه العراقيون وإذا كانت هناك حاجة للمساعدة فالعراق سيطلبها من تركيا أو دول أخرى في المنطقة». على الجهة الأخرى، انتقد رئيس الوزراء التركي «بن علي يلدريم» القيادة العراقية قائلاً: «إن تصريحات العبادي الأخيرة استفزازية»، مؤكداً على أن أنقرة ستستمر في وجودها في العراق، أما وزير داخلية إقليم كردستان العراق «كريم سنجاري» شدد على أن المعركة مع تنظيم الدولة لن تنتهي قريباً، حيث أكد «سنجاري» على أن مقاتلي تنظيم الدولة المقدر عددهم بما بين أربعة آلاف وثمانية آلاف يبدون مقاومة شرسة بسبب أهمية الموصل مركز محافظة نينوى، وهي أكبر مدينة ما تزال متبقية بيده في العراق. العميد محسن راشد، الخبير العسكري، يرى أن «مقاومة تنظيم داعش للقوات العراقية ستكون مقاومة مستميتة، فالهزيمة تعني خسارة التنظيم لواحدة من أهم مدينتين في حوذته، الموصل العراقية والرقة السورية»، فيما يخص ظروف معركة الموصل يرى «راشد»: «أن المعركة في الموصل القديمة ستكون هي الأصعب والأكثر تعقيداً، فالطرق ضيقة جداً، ولا يمكن للمركبات أو الدبابات السير فيها بسهولة، وستكون أشبه بحروب الشوارع أو بالأحرى معركة بين مقاتل ومقاتل، وفي هذه الحالة ما لم تكن القوات العراقية على دراية وتدريب بهذا النوع من القتال، فإن التنظيم الداعشي سيكون أكفأ وأكثر قدرة على إلحاق الخسائر بالقوات العراقية». ليس ببعيد عن غبار المعارك، تعرض عشرات من نازحي الموصل للقتل والتعذيب على أيدي عناصر الميليشيات الشيعية أثناء محاولتهم الهروب من المدينة جراء القصف المتواصل على مدار اليوم والاشتباكات التي لا تهدأ، رئيس لجنة المهجرين في البرلمان العراقي «رعد الدهلكي» أشار إلى أنه «بمجرد بدء عمليات النزوح للمدنيين إلى مواقع وجود القوات العراقية، استقبلتهم عناصر مسيئة، حيث أظهرت الصور أنهم قاموا بتعذيب النازحين، واعتقال البعض منهم كصورة مكررة لما حدث قبل أشهر في مدينة الفلوجة والصقلاوية والكرمة»، مضيفاً أنه يتوقع وصول أعداد النازحين من الموصل إلى أرقام تتعدى المليون وثلاثمائة ألف نازح، ما لم تعالج الحكومة المركزية ذلك.على مواقع التواصل الاجتماعي نشر بعض النشطاء صوراً ومقاطع فيديو لعناصر تابعة للميليشيات الشيعية وهم يعذبون أطفالاً بشكل وحشي، ومقاطع أخرى تظهرهم وهم يقومون بضرب مواطنين بمطارق حديدية على رؤوسهم في قرية عين اللزاكة جنوب كركوك، ومناطق جنوب الموصل ويتلفظون بعبارات طائفية، ومن المعروف وباعتراف الحكومة المركزية العراقية أن الميليشيات الشيعية لها تاريخ سيئ في القتل والتعذيب والإجرام بحق المدنيين، خاصة من غير الشيعة. من جهته أبدى المتحدث باسم هيئة علماء المسلمين في العراق، يحيى الطائي، استغرابه من أن ميليشيات الحشد الشعبي، التي مُنعت من المشاركة فى المعركة، تشارك وهي ترتدي ملابس الجيش وترتكب الفظائع والجرائم بحق المدنيين، مضيفاً: «جدل مشاركة الحشد الشعبي في معركة الموصل، تم حلها بأن ألبست هذه الميليشيات ملابس الجيش، وهي صاحبة القرار في البلاد، ومن المعروف أن هذه الميليشيات قد ادعت قبل سنتين تحريرها منطقة جرف الصخر، ولكن منذ ذلك التاريخ لم يسمح لأهلها بالعودة إليها»، مؤكداً: أن «قادة هذه الميليشيات صرحوا بالثأر في إطار معركة الموصل، لكن ممن الثأر يكون؟ من النساء والأطفال والشيوخ!، فأهل الموصل أيضاً كانوا ضحية لقوات وميليشيات طائفية من قبل». مواجهة تركية إيرانية الدور الإيراني الخبيث في العراق لا يخفى على أحد، فإن لم تكن الدلائل شاهدة مثل: مقتل عشرات المقاتلين والمستشاريين العسكريين، وأبرزهم الجنرال «حميد تقوي» الذي قُتِلَ في سامراء قبل عامين، أو حتى الصور التي يلتقطها قاسم سليماني في جهات ومناطق مختلفة بالعراق، فإن تصريحات الساسة الإيرانيين ليست خافية، ولم يعد لديهم حرج في الخوض فى أحاديث السيطرة والنفوذ والإمبراطورية الفارسية على الملأ وفي وسائل الإعلام، مؤخراً صرح عضو لجنة الأمن القومي «حشمت الله فلاحت» أن لإيران حضوراً واسعاً في العراق سواءٌ في معركة الموصل أم غيرها، وذلك عبر وجود المستشارين العسكريين، مؤكداً: «سنستمر في هذه السياسة فلدينا إرادةٌ جدية لتطهير العراق من داعش». وتريد تركيا المشاركة في المعركة، حيث تعتبر الموصل في نطاق نفوذها، كما أنها تسعى لمنع إيران من إكمال مشروع طريقها البري الذي تسعى إيران لإنجازه الذي سيوصلها بالبحر الأبيض المتوسط، هذا بخلاف فرض نفسها كقوة إقليمية لا يمكن تجاوزها، علاوةً على سعيها لحفظ حدودها والدفاع عن حلفائها، وتأمين حدودها من جهة كردستان العراق من هجمات حزب العمال الكردستاني، جديرٌ بالذكر أن مدينة الموصل بالنسبة لتركيا لها أهمية رمزية أولًا ومن ثمَّ أهمية جغرافية وإقليمية، تسعى تركيا للحفاظ عليها مهما كلفها الأمر، الرئيس التركي «رجب طيب إردوغان» صرح قائلاً: «بعض الجهلة يأتون ويقولون ‹ما هي الصلة التي يمكن أن تكون لنا بالعراق؟›، هذه الجغرافيا التي نتحدث عنها الآن جزء من روحنا، حتى إذا كانت ثقيلة على قلوبنا». د.مصطفى علوي، أستاذ العلوم السياسية، يقول: «معركة الموصل تعتبر جزءاً من عملية نزاع ناعم بين أنقرة وطهران، نزاع على تقاسم للنفوذ في سوريا والعراق بين البلدين، حيث كلتا الدولتين ترى فى نفسها قوة إقليمية جديرة بالسيطرة على أوضاع المنطقة، وللأسف هذا تصور خاطئ، على الرغم مما تمتلكه كل منهما»، ويضيف «علوي»: «الملاحظ الآن أن إيران أكثر حدة في مواجهة أي تدخل تركي في معركة الموصل، على الرغم من أنها هي ذاتها التي باركت تدخل تركيا في شمال سوريا في أغسطس الماضي لمحاربة داعش، الفارق هنا هي أن المصلحة الإيرانية لا تقتضي تدخل شريك آخر ينغص عليها مكاسبها التي ستجنيها بعد سقوط داعش بالموصل، كما أن طهران باتت تعتبر العراق أرض نفوذ خاصة بها وأن الثروات العراقية جزء مكمل لثرواتها»، وفيما يخص حدوث مواجهة مباشرة بين الدولتين، فإن «علوي» يستبعد حدوثها، لكن على الأقل لن تصفو العلاقات الإيرانية التركية، ولن تهدأ التصريحات المتناقضة بين قادة البلدين بخصوص العراق وسوريا.

مشاركة :