معركة سرت تجدد جدل القواعد الأميركية في تونس عاد ملف القواعد العسكرية الأجنبية في التراب التونسي، وخاصة منها الأميركية، ليطفو من جديد على سطح الأحداث والاهتمامات السياسية، وسط تساؤلات ازدحمت بها القراءات الأمنية والعسكرية التونسية لأبعاد هذه العودة، ومغزى توقيتها، وتأثيرات ذلك على علاقات تونس بدول الجوار. العربالجمعي قاسمي [نُشرفي2016/10/28، العدد: 10438، ص(4)] التعاون العسكري التونسي - الأميركي في تصاعد تونس - الحديث عن وجود قواعد عسكرية أجنبية في تونس، هو جدل قديم جديد، كثيرا ما تخللته تأكيدات إعلامية تونسية وعربية وغربية، واجهتها السلطات الرسمية ببيانات النفي، لكن رغم ذلك فإن هذه العودة التي بدأت تتسلل من خلف غبار المعركة الجارية في سرت ضد تنظيم داعش، استطاعت فرض حضورها من جديد في أعقاب ما ذكرته صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية بهذا الشأن. وأكدت هذه الصحيفة نقلا عن مصادر حكومية لم تذكرها بالاسم، أن الولايات المتحدة الأميركية “تستخدم حاليا قاعدة جوية في تونس للقيام بعمليات ضد تنظيم ‘داعش’ في ليبيا بواسطة طائرات دون طيار”. وأشارت إلى أنه تم في وقت سابق “رصد طائرات أميركية دون طيار، وعسكريين أميركيين في قاعدة جوية بتونس في يونيو الماضي”، واعتبرت أن ذلك “يأتي كجزء من الاستراتيجية الأميركية لنشر طائرات دون طيار في منشآت عسكرية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالقرب من المناطق الخطيرة، للقيام بعمليات ضد من يشكل خطرا على الولايات المتحدة وحلفائها”. وسارعت وزارة الدفاع التونسية إلى نفي ما ذكرته الصحيفة الأميركية، حيث اعتبرت في بيان وزعته الخميس، أن ما تداولته وسائل الإعلام الأجنبية بخصوص وجود قواعد أميركية في تونس، واستعمال التراب التونسي لضرب أهداف بليبيا “لا أساس له من الصحة”. وقبل ذلك، نفى العقيد بلحسن الوسلاتي الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع التونسية صحة تلك التقارير الإعلامية، ولكن ذلك لم يُبدد الشكوك التي مازالت تُحيط بهذا الملف، لا سيما وأن النفي الرسمي التونسي جاء فيما أقر وزير الدفاع التونسي فرحات الحرشاني ضمنيا بوجود قواعد عسكرية في بلاده، وذلك في تصريحات سبقت الكشف عن القاعدة العسكرية في جنوب البلاد. وكان الحرشاني قد أكد قبل يومين أن بلاده حصلت من أميركا على طائرات استطلاع، ومنظومة طائرات دون طيار، تم تسليمها لسلاح الجو، لاستعمالها في مراقبة حدود البلاد الجنوبية. ولم يذكر وزير الدفاع التونسي في تصريحاته التي نُشرت الأربعاء، تاريخ تسلم بلاده تلك الطائرات، واكتفى بالقول إن تعاون بلاده مع أميركا “يأتي في إطار نقل المعرفة والتكنولوجيا، وعزم تونس على اقتناء معدات مماثلة (منظومة طائرات دون طيار) لدعم عمل الوحدات البرية والبحرية في مجال مراقبة الحدود ومقاومة الإرهاب”. بدرة قعلول: إثارة ملف القواعد العسكرية الأميركية في تونس في هذا التوقيت ليست بريئة وربط مراقبون بين تصريحات الحرشاني وما ذهبت إليه صحيفة “واشنطن بوست”، خاصة وأن تونس سبق لها أن أعلنت رسميا في منتصف شهر مايو الماضي عن حصولها على 12 طائرة عسكرية أميركية منها طائرات دون طيار، ومع ذلك، أثار توقيت الكشف عن وجود قاعدة عسكرية أميركية في جنوب تونس هواجس لدى البعض من الخبراء الأمنيين والعسكريين الذين اعتبروا أن هذا التوقيت ليس بريئا، وينم عن وجود طبخة ما بدأت رائحتها تعم تونس وبقية دول الجوار. وفي هذا السياق، قالت بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية الأمنية والعسكرية لـ”العرب”، إن إثارة ملف القواعد العسكرية الأميركية في تونس في هذا الوقت تحمل علامات استفهام كبيرة. واعتبرت أن العودة إلى هذا الملف ليست بريئة، وتحمل بين طياتها أجندة إستراتيجية تتجاوز الجغرافيا التونسية لتشمل دول المنطقة، وخاصة منها الجزائر التي لا تُخفي توجسها من احتمال أن تكون تونس قد منحت قواعد لأميركا تحت عناوين مختلفة، قد تضر بأمنها الإستراتيجي. وذهبت بدرة قعلول في تصريحها لـ“العرب” إلى حد القول إن إثارة هذا الموضوع الآن “ليست صدفة، وقد تكون مقدمة لإرباك العلاقات التونسية-الجزائرية، وليس مع ليبيا بالنظر إلى تطابق وجهات النظر في ما يتعلق بمحاربة تنظيم داعش”. ولم يستبعد البعض من المراقبين هذه الفرضية، وربطوا ذلك بالتقارير الأميركية التي أشارت في بداية الأسبوع الجاري إلى أن الجزائر باتت مُهددة بموجة ثانية بما يوصف بالربيع العربي. وفيما بدأت هذه الفرضية تتفاعل إعلاميا داخل تونس وكذلك في الجزائر وسط تحذيرات متصاعدة، رأى متابعون لهذه التطورات أن ملف القواعد العسكرية الأميركية في تونس سيكون عنوان المرحلة القادمة لجهة الاعتراف الفعلي والعلني بها، باعتبار أن أميركا باتت بحاجة إلى ذلك حتى تتمكن من التحرك بحرية في تونس استعدادا للمتغيرات القادمة على صعيد الحدود الجنوبية التونسية مع ليبيا، أو الغربية مع الجزائر. ولا تُخفي الإدارة الأميركية سعيها للحصول على قواعد عسكرية في منطقة شمال أفريقيا، تُسيّر منها الطائرات دون طيار، وذلك لمساعدة أجهزتها الأمنية والعسكرية على سد النقص في قدرتها على معرفة ما يدور في المناطق الخاضعة لنفوذ تنظيم داعش، باعتبار أن طلعات تلك الطائرات ستُمكن القوات العسكرية ووكالات المخابرات الأميركية من معلومات مباشرة حول نشاط داعش في ليبيا. وبين هذا الرأي، وتلك القراءة، ثمة شبه إجماع على أن أميركا حصلت على تواجد عسكري في تونس، وأن القاعدة التي يُعتقد أن الطائرات دون طيار انطلقت منها لضرب تنظيم داعش في ليبيا، توجد في منطقة “الفوار” بأقصى الجنوب الشرقي التونسي، وهي منطقة صحراوية قليلة السكان أقامت فيها وزارة الدفاع الأميركية منشآت سكنية وبنى تحتية خلال فترة حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة الإسلامية، قيل وقتها إنها منشآت صحية قادرة على استيعاب اكثر من 600 حالة في اليوم، وهو ما عمّق الشكوك حولها. :: اقرأ أيضاً واشنطن تطوق قانون جاستا لأجل مصالحها في الخليج السعودية تدعم اتفاق عون والحريري خطوط الطيران الخليجية في انتظار خارطة طريق بين القطرية وأوروبا تركيا مستعدة لتحمل أعباء معركة الرقة مقابل إقصاء الأكراد
مشاركة :