حين احتل داعش الموصل كان نوري المالكي، باعتباره واحدا من أهم دعاة العراق الطائفي، قد أطلق رصاصة الخلاص على وحدة العراق التي صارت أمرا منسيا. العربفاروق يوسف [نُشرفي2016/10/28، العدد: 10438، ص(9)] “إما السلم الأهلي وإما وحدة العراق”، هذه هي الفكرة التي يحاول سياسيو العراق الجديد تسويقها شعارا لمرحلة ما بعد معركة الموصل التي لن تكون حرب استعادة، بقدر ما هي حرب لتقرير مصير العراق الذي لا تزال صورته الأخيرة غامضة. فشلُ أولئك السياسيين في الحفاظ على وحدة العراق عبر كل المراحل التي تلت الاحتلال الأميركي كان بيناً ولا يحتاج إلى جهد للكشف عنه. غير أن ذلك الفشل لم يكن مفاجئا أو يقع خارج نطاق ما كان متوقعا. كان ذلك الفشل مطلوبا لكي يمهد لمرحلة، تكون فيها وحدة العراق هي الثمن الذي يقدمه العراقيون مقابل تفادي الهلاك. كان نظام المحاصصة الطائفية والعرقية، الذي تقول غير جهة أميركية إنه كان مطلب المعارضة العراقية قبل إسقاط الدولة العراقية، هو الأساس في كل ما شهده العراق من تمزق وانهيارات على مختلف الأصعدة، وبالأخص الاجتماعي منها. لقد أسس ذلك النظام لمبدأ تقاسم الغنائم بين الأحزاب السياسية والكيانات الدينية التي فرضها المحتل أطرافا وحيدة لإدارة الحكم في بلد كانت فيه الحياة السياسية قد غيبت تماما، منذ الإطاحة بالنظام الملكي عام 1958. ومن الطبيعي ألّا تُولي تلك الأحزاب والكيانات التي استلمت الحكم بالصدفة ولم تنطو برامجها الاستثمارية على شيء يمت بصلة إلى المشروع الوطني أي اهتمام لوحدة العراق، بدءا من وحدة مجتمعه وانتهاء بوحدة أراضيه. ما فعلته تلك الأحزاب التي يدين عدد منها بالولاء إلى قوى إقليمية كان قد فضح رغبتها في أن يستمر المجتمع العراقي في انهياره، وصولا إلى اللحظة التي يعلن فيها العراقيون بأنفسهم أن أحدا منهم لم يعد قادرا على تحمل الأطراف الأخرى. وهو ما يعني الفراق بإحسان، بدلا من الاستمرار في العيش المرير. ولأن العلاقات بين الطوائف والقوميات في العراق كانت مبنية على مبدأ التراضي والعيش المشترك ولم ينجح العراقيون في التوصل إلى أسس قانونية لضبطها، في ظل غياب مبدأ المواطنة فقد كان ضروريا بالنسبة لأولئك السياسيين أن يضربوا الثقة التي كانت ميزان العراقيين في تعاملاتهم. كانت قسوة مبالغا فيها تلك التي لجأ إليها السياسيون من أجل الوصول إلى هدفهم. لقد عاشت البلاد حربا أهلية (2006 – 2007) راح ضحيّتها مئات الآلاف من الأبرياء، وهو ما قاد إلى إنتاج فرق الموت التي تحولت إلى ميليشيات رسمية، الكثير منها يتم تمويله من دول إقليمية وتتم إدارته من قبل أجهزة مخابرات دولية. لم يكن تنظيم داعش سوى آخر فصول سنة القسوة الطويلة. كانت الطبخة قد أعدت ولم يكن ينقصها سوى توابل داعش. حين احتل داعش الموصل عام 2014 كان نوري المالكي، باعتباره واحدا من أهم دعاة العراق الطائفي، قد أطلق رصاصة الخلاص على وحدة العراق التي صارت أمرا منسيا في مواجهة تهديدات المصير البشري. أنهى داعش حلم العراقيين بالتمسك بعراق عربي موحد. صارت الموصل عقدة العراقيين. هناك مَن يفكر في استقلالها تخلصا من هيمنة الميليشيات الشيعية التي صار اسمها الحشد الشعبي. هناك مَن يفكر في التخلص منها لأنها لم تعد صالحة لأن تكون جزءا من العراق الذي ارتضى بالهيمنة الإيرانية. هناك في المقابل مَن لا يرضى بضياع الموصل لأن في ضياعها ضياع للعراق. الولايات المتحدة وهي راعية الحل في الموصل يقوم رأيها على أساس أن الموصل بعد تحريرها ستكون قاعدة لقيام العراق الجديد. العراق الذي بشرت به نظريا منذ اليوم الأول للاحتلال وهو العراق الفيدرالي الذي تدير فيه أقاليمه ظهورها بعضها للبعض الآخر، وليس لحكومة بغداد من ذكر إلا حين يحل موعد تقاسم الغنائم. عقدة الموصل العراقية هي مطلب أميركي أولا وأخيرا. كاتب عراقي فاروق يوسف :: مقالات أخرى لـ فاروق يوسف عقدة الموصل ووحدة العراق, 2016/10/28 الدمشقي البرليني الكوني مروان قصاب باشي يغيب, 2016/10/26 أيها الجمال جددنا , 2016/10/24 محجوب بن بله رسام الجمل الهذيانية, 2016/10/23 الأبراج في مواجهة الإنسان: الدوحة نموذجا , 2016/10/21 أرشيف الكاتب
مشاركة :