السعادة.. هل من مزيد؟!

  • 10/29/2016
  • 00:00
  • 23
  • 0
  • 0
news-picture

ما دعاني للكتابة عن موضوع السعادة أمران مهمان، الأول منهما هو ما نمر به هذه الأيام من قضايا وأزمات مختلفة ما بين سياسية واقتصادية وحتى اجتماعية. حيث طغت الأخبار والأحاديث التي تنبعث منها روح التشاؤم واليأس عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي حتى ضاقت منها الأنفس. والسبب الآخر هو أن إحدى الأخوات أرسلت لي رسالة عن طريق موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) تقول فيما معناه: بما أنك تحدثت في كتابك عن بعض جوانب وقضايا التطوير والتنمية الذاتية، والأهداف وقصص النجاح، فلماذا لا تؤلف كتابا عن السعادة؟! ولا أخفيكم سرا أني أولا تفاجأت من نوعية الطلب حيث ان البحث في موضوع السعادة هو مفهوم ذو شأن كبير على كاتب مثلي يلملم شعاث نفسه بين الفينة والأخرى!. بل، استوقفني أكثر أن قضية التحدث عنها ومسبباتها ليس بالأمر الهين كما يعتقد كثير من الناس. وذلك لعدة أسباب منها أنك تجد كثيرا من الفلاسفة والأدباء وغيرهم كانوا ولا زالوا يبحثون عن سرها طوال حياتهم. ألم يقل أرسطو يوما: ان السعادة هي غاية كل البشر. وقال العقاد عنها: «السعيد من لا يتفكر في السعادة»!!. وقال عنها أيضا الشيخ علي الطنطاوي: «لماذا لا نرى السعادة إلا إذا ابتعدت عنا، ولا نبصرها إلا غارقة في ظلام الماضي أو متشحة (مغطاة) بضباب المستقبل»؟!. ومن الأسباب أيضا أن المتحدث عنها لابد أن يفهمها ويدركها حتى يصفها حقا، بل لابد أن تكون قد لامست قلبه وشعر بها بجوارحه، وفهمها بعقله حتى يعرف كنهها. ولكني سأحاول وأنا المقصر فيها والباحث عنها كأي إنسان مثلكم يحاول أن يحوم حول حمى السعادة لعله يقع فيها ويتمرغ بها! بداية لابد أن نفهم أن كل ما نقوم به من أقوال وأفعال (خيرها وشرها) غايته في النهاية هو البحث عن الراحة والسعادة. والأمر الآخر أنها شيء محسوس لا ملموس. فهي ليست وجبة تأكلها في الصباح ثم تمدك بالطاقة طول النهار، أو تتعشى بها ليلا لتصحو سعيدا. وهي ليست وصفة طبية تصرف من الصيدلية كلما احتجت لها. وهي أيضا ليست أمرا ماديا تشتريه وقتما تشاء وتهبه بعد ذلك لمن تشاء. وهي أبعد ما تكون عن الماديات وأقرب ما تكون موجودة بين خلجات النفس. أضف إلى ذلك أنها ليست شعورا ملازما في كل الأوقات، فالإنسان يتقلب في احاسيسه ومشاعره كتقلب الليل والنهار وهو جانب من طبيعته وفطرته. السعادة هي محور رئيسي في حياتنا حتى وإن لم يع البعض منا ذلك. هي منتشرة في أجزاء كثيرة من حياتنا وتمر علينا كالومضات وقد لا نشعر بها أو ربما نتغافل عنها، والسبب أن نمط الحياة المادي والمتسارع بقوة يجذبنا بعيدا عنها. نحن كالملهوف بلا وعي ولا شعور نجري وراء سراب لا نهاية له تحت غطاء دعائي إعلامي عالمي متغلغل في فئات المجتمع المختلفة، ويحمل شعارا هو: «أنا استهلك أنا موجود»!! السعادة أخي القارئ قد نجدها في أشياء بسيطة نقوم بها ولكنها تترك أثرا عميقا في دواخلنا لا يُمحى. قد تكون من سجدة في خلوة، أو لحظة تجل في عزلة أو عطاء بلا منة. وهي قد تكون في ابتسامة من ثغر طفل يلعب بين يديك، وربما تكون من نظرة الرضا بين قسمات وجه أمك. ولعل من مسبباتها هو فن التعامل مع الأحداث من حولنا بعين الرضا من غير تكاسل ولا وهن (والكلام سهل والفعل هو المقياس الحقيقي). ومن الإشراقات النبوية في هذا الباب هو قوله عليه الصلاة والسلام: «من أصبح آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها». بعد هذه العجالة وبما يسمح به المقام والمقال، أتمنى أن أكون قد كشفت ولوعن جزء يسير من وجه السعادة البراق المضيء. ومن يدري قد يكون هذا المقال بوابة وبداية لمشروع كتاب اتشرف بالتحدث عنه بعمق أكثر، ولكن بعد أن ألمسها وأحضنها كل ليلة وأقول لها: هل من مزيد؟!.

مشاركة :