تعهد روبرتو أزيفيدو، المدير العام لمنظمة التجارة العالمية لبريطانيا أمس بضمان عدم مواجهتها "فراغ تجاري"، مهما كانت صعوبة خروجها من الاتحاد الأوروبي، حتى لو اختارت خروجا صعبا. وقال أزيفيدو، في جنيف أمس إنه لا يعتقد أن التصويت لمصلحة بريكست "مضاد للتجارة" ونفى المخاوف بشأن معاناة بريطانيا المحتملة من الفوضى المفاجئة في التجارة أثناء أو بعد مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي. وأوضح أزيفيدو، أن التجارة بين بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي لن تتوقف، بل ستستمر، متعهدا بمساعدة لندن لتأمين طلاق سريع وسلس من التكتل الذي يضم 28 دولة. وكشف أزيفيدو، عن حاجة بريطانيا إلى إعادة التفاوض بشأن عضويتها في منظمة التجارة بعد رحيلها من الاتحاد الأوروبي، معتبرا أن هذه العملية معقدة نسبيا، لكنه قال: "سأعمل جاهدا وبشكل مكثف للغاية لضمان أن يتم هذا الانتقال بسرعة وعلى نحو سلس". وفسر معنيون بمنظمة التجارة هذا التصريح بأنه لطمأنة المخاوف بشأن فشل الوزراء في التوصل إلى اتفاق حول علاقة بريطانيا التجارية مع الاتحاد الأوروبي ضمن مهلة سنتين من مفاوضات "بريكست" التي طلبتها تيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية. وتعتزم ماي عند بدء مفاوضات الخروج نهاية آذار (مارس) المقبل الاستناد إلى المادة 50 من معاهدة لشبونة وهذا يعني عمليا أن لندن ستقطع روابطها مع بروكسل رسميا بحدود نيسان (أبريل) 2019. ونصت معاهدات الاتحاد الأوروبي على آلية قانونية تنظم انسحاب أعضائه منه، وأدرجتها في "بند الانسحاب" من المادة 50 في معاهدة لشبونة التي وقع عليها قادة الاتحاد الأوروبي يوم 19 تشرين الأول (أكتوبر) 2007 بالعاصمة البرتغالية لشبونة، ودخلت حيز التنفيذ في 1 كانون الأول (ديسمبر) 2009. وتحدد المادة 50 من معاهدة لشبونة سبل انسحاب إحدى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشكل طوعي ومن طرف واحد وفقا للمتطلبات الدستورية الخاصة بها، وهو حق للأعضاء لا يتطلب استخدامه تقديم أي تبرير له، كما هو الحال بالنسبة لبريطانيا التي قررت - بناء على استفتاء شعبي نظمته يوم 23 حزيران (يونيو)- الانسحاب من التكتل. وأشار أزيفيدو، إلى أنه كلما كان الانفصال أقل اضطرابا كان ذلك أفضل، على أساس أن الاقتصاد العالمي اليوم ليس في أفضل حالاته وبالتالي ينبغي عدم الدخول في مزيد من الاضطرابات. وحول عملية الخروج، وعما إذا كانت صعبة بشكل يعطل انسيابية عمل الشركات في المملكة المتحدة، والأسر التي تعتمد في معيشتها على التجارة داخل وخارج الموانئ البريطانية، قال أزيفيدو: "أنا لا أقول إنه سيكون هناك فراغ. بريطانيا عضو في منظمة التجارة اليوم، وستظل عضوا غدا. ولن يكون هناك انقطاع في العضوية. لكن ينبغي لبريطانيا إعادة التفاوض بشأن شروط العضوية بعد خروجها من التكتل الأوروبي، لكن هذا لا يعني أنها ليست عضوا في المنظمة". وذكر أزيفيدو، أن التجارة ستستمر ولن تتوقف، والأعضاء يتفاوضون حول الأساس القانوني الذي سيحدد كيف ستمضي التجارة. لكن ذلك لا يعني أنه سيكون هناك فراغ أو خلل. وبهذه التصريحات يبدو أن هناك تغيرا كاملا في لهجة المنظمة تجاه القضية برمتها، فالمنظمة التي تعد الحارس الأول على تنفيذ القواعد التجارية في جميع أنحاء العالم كانت قد حذرت مرارا وتكرارا قبل التصويت، على لسان مديرها العام من الصعوبات التي ستواجهها بريطانيا إذا انفصلت عن الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك إثارته بعض الأسئلة حول عضويتها في المنظمة وقدرتها على التفاوض بشأن العديد من الاتفاقات التجارية التي وقعها التكتل سابقا باسمها. بيد أن المدير العام لمنظمة التجارة أشار إلى أنه من الصعب التكهن بكم الوقت الذى تحتاج إليه بريطانيا للتفاوض بشأن ترتيباتها التجارية الجديدة، مضيفا أنه من الصعب جدا التنبؤ لكن ما أفهمه أن الحكومة البريطانية على وعي تام بجميع تلك المصاعب التي نتحدث عنها، لأنهم يعرفون هذه التعقيدات، ويحاولون التعامل معها بأفضل طريقة يقدرون عليها. ونوه أزيفيدو، إلى أنه قال لوزير التجارة البريطاني، ليام فوكس: "أنا نفسي والأمانة العامة للمنظمة سنكون متاحين لجعل الانتقال سلسا قدر الإمكان"، وبعد ذلك بقينا على اتصال دائم، ليس كل يوم، ولكن من الواضح ستكون هناك علاقة حيوية جدا في المستقبل بين بريطانيا الجديدة خارج الاتحاد الأوروبي والمنظمة. وعما إذا كان يشعر بأن بريطانيا وضعت خطة شاملة للخروج، أوضح أزيفيدو، أنه يعتقد أن هناك استراتيجية رئيسة، فمنذ التصويت هناك والكثير من الخبراء الاقتصاديين اللامعين قضوا أياما طويلة يفكرون في هذا الأمر، وطرح البدائل والخطط. ويعتقد كثير من المراقبين أن إقامة علاقات تجارية جديدة بين بريطانيا والاتحاد ستستغرق وقتا أطول، ويخشون أن يشوب التعقيد ترتيب هذه العلاقات ما سيعطل ملفات الاقتصاد والشؤون الأوروبية على مختلف الأصعدة. وفي حين يريد كثيرون - داخل بريطانيا والاتحاد على السواء - انفصالا سريعا بين الطرفين خلال عامين أو أقل؛ رأت الحكومة البريطانية في دراسة رفعتها إلى برلمانها في شباط (فبراير) 2016 أنه "من المرجح أن يستغرق الأمر وقتا طويلا، أولا للتفاوض بشأن انسحابنا من الاتحاد، ثم بشأن ترتيباتنا المستقبلية مع بروكسل، وأخيرا اتفاقاتنا التجارية مع الدول خارج التكتل". وتحدثت هذه الدراسة عن فترة تصل إلى عقد من الغموض ستنعكس على الأسواق المالية وكذلك على قيمة الجنيه الاسترليني، وينبغي للطرفين أن يتفاوضا بشأن وضع نحو مليوني بريطاني يقيمون أو يعملون في دول الاتحاد، ولا سيما حقوقهم في التقاعد وحصولهم على الخدمات الصحية في هذه الدول. وتقول الحكومة البريطانية إن التفاوض بشأن هذه الحقوق سيتم على قاعدة المعاملة بالمثل لرعايا الاتحاد الأوروبي في بريطانيا، أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فإنه يحتاج إلى المسارعة بسد فجوة حجمها سبعة مليارات يورو في ميزانيته السنوية البالغة 145 مليار يورو حتى عام 2020.
مشاركة :