الدول العظمى ومراهقة الإرهاب النووي بقلم: حامد الكيلاني

  • 10/29/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

الخوف والرعب هذه المرة يأتيان من روسيا الدولة التي تمتلك أكبر قوة نووية في العالم، ويفترض أنها موقعة وملتزمة بكل الاتفاقيات الخاصة بنزع الأسلحة النووية والحد منها وضمان سلامة تخزينها. العربحامد الكيلاني [نُشرفي2016/10/29، العدد: 10439، ص(8)] الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعلن أن التفاهمات بينه وبين الرئيس الأميركي باراك أوباما بخصوص الشأن السوري انتهت بالفشل، ويأتي ذلك في سياق التصعيد أو بداية المجاهرة بالقطيعة في ما يخص التوجهات التي استغرقت قرابة خمس سنوات من المشاورات والمباحثات والاقتراحات والمفاوضات والمشاريع ورحلات مكوكية لوزيري خارجية الدولتين ولقاءات ثنائية بين الرئيسين، لكن كل تلك الدبلوماسية لم تؤدّ إلى حل كان يفترض أن يرضي كل الأطراف قاعدته قرارات مؤتمر جنيف 1. الفشل، هل هو بداية لواقع دولي جديد ملامحه إصرار روسيا على دعم حليفيها النظام السوري والنظام الإيراني، في حلف ثلاثي يمضي بمنهجية متقاربة في التصريح والإعلان عن الأهداف دون خشية من تأويلات أو ردود فعل سياسية أو عسكرية دولية، تصل أحيانا إلى تجاوز الأعراف في العلاقات الدولية وترتقي إلى الإفصاح عن النيات وتطبيقاتها في التوسع والاستحواذ على مصير شعوب وخرق سيادة دول؟ بعض ما في إشارة قطع الشك باليقين في فشل التفاهمات بين روسيا وأميركا، يعني أن سوريا تذهب إلى اختيار الجحيم الروسي الإيراني وجنون النظام الحاكم دون أي منطقة وسطى بين الجنة والنار مع نهاية الفترة الرئاسية لأوباما بانتظار الإدارة الجديدة للبيت الأبيض وما سيطرأ على السياسة الأميركية من تغيير حتمي في التعامل مع روسيا بالتحديد، ليس فقط في حدود دورها الشائن بسوريا، وإنما في ما يتعلق بأبعاد طموحاتها الاستراتيجية في فرض واقع دولي جديد يتجه نحو المحاذير من صراع يتعدى حدود العودة إلى أعوام الحرب الباردة بين القطبين العالميين. قبل أيام تناولت وسـائل الإعـلام الأوروبية حالة حاملة الطائرات الروسية الأميرال كوزنستوف التي يتصاعد منها دخان كثيف يؤكد الخبراء العسكريون أنه دلالة على تقادم الأسطول الروسي وقلة إجراءات الصيانة بما يبعث على القلق من إجراءات الوقاية والسلامة النووية، واحتمال تعرض تلك القطع البحرية إلى أعطاب تقنية في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط. في ميناء سبتة الأسباني الذي يقع بمدخل الشمال الأفريقي للبحر المتوسط توقفت ثلاث قطع بحرية من الأسطول الروسي للتموين بالوقود، وتبعت كل ذلك الإجراءات المعتادة، لكن هذه المرة استدعت وزارة الخارجية الأسبانية السفير الروسي في مدريد وأبلغته استياءها من المهمة الحربية لهذه القطع البحرية المتوجهة إلى الشواطئ السورية للمساهمة في أعمال عسكرية حاسمة في حلب وغيرها من المدن المستهدفة. أسبانيا عضو في حلف الشمال الأطلسي “الناتو” واستجابتها طبيعية لضغوط الحلف. روسيا سحبت طلب توقف بوارجها الثلاث لتفادي أي تصعيد آخر، مع احتمال أن تتزود بالوقود من مالطا أو اليونان أو من منصة وقود متنقلة. من جهته أعلن الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، في ختام اجتماع وزراء دفاع الحلف عن استعداداتهم لمواجهة أي اعتداء على الدول الأعضاء، وزيادة التواجد برا وبحرا وجوا في البحر الأسود والاعتماد على الدفاع الإلكتروني، وتوفير الموارد لمجابهة التحديات الأمنية المضطربة ودعم القادة الاستراتيجيين لضمان الرد السريع واتخاذ القرارات المهمة. النموذج الإيراني للسلاح النووي أدى بعد سنوات من المفاوضات إلى التسليم بالدور الإيراني في المنطقة، وتقديم العراق هدية إلى الملالي في انسحاب مشبوه للاحتلال الأميركي الشعور السائد -كما يبدو- في اجتماع وزراء دفاع الناتو تلخصه إدانة جرائم الحرب التي ترتكبها روسيا في سوريا ودعمها للانفصاليين في أوكرانيا وانسحـابها من اتفـاقية خاصة بالبلـوتونيوم النووي مع أميركا وتجاوزها الأخير الذي أعلنته بنشر صواريخ عابرة للقارات في مواجهة حلف الناتو ومنها 16 صاروخا محملا برؤوس نووية في منطقة كالينغراد. ما كشفت عنه تقارير الإعلام الروسي من تطوير الأسلحة الاستراتيجية في الآونة الأخيرة يحمل رسائل مزدوجة سياسية وعسكرية، بعد تلك الإدانات الساخنة في مجلس الأمن لدور روسيا في الإبادة التي تتعرض لها حلب. روسيا كشفت عن صور صاروخها النووي الذي يطلق عليه الناتو اسم “2 SATAN”، وهي صور مرعبة تضمنت إشارة من شبكة إخبارية روسية تابعة لوزارة الدفاع الروسية إلى إمكانية تدمير الصاروخ لدولة مثل فرنسا أو ولاية تكساس في أميركا (وردت الأسماء نصا) ووصفت طاقته التدميرية بما يعادل 2000 مرة قدرة القنبلة في كارثة الضربة النووية لمدينتيْ هيروشيما وناكازاكي. كل الدلائل تؤكد أننا في مواجهة عالم مختلف، لا يمكن أن يستمر في فرض الإرهاب وعنف السلطات التقليدية وتنمّر زعماء دول يثيرون الرعب ويبعثونه في أوصال العالم القلق من حماقات غير محسوبة. النموذج الإيراني للسلاح النووي أدى بعد سنوات من المفاوضات مع الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن زائدا ألمانيا إلى التسليم بالدور الإيراني في المنطقة، وتقديم العراق هدية إلى الملالي في صفقة انسحاب مشبوه للاحتلال الأميركي. المثال الآخر المثير للجدل والخوف هو نزوع كوريا الشمالية لتحدي جيرانها والعالم واستمرار تجاربها النووية وكأنها في محاولة لضغط الزناد على أعصاب قادة لا يحتاجون لمن يحفزهم على العنف. وقائع سرد نووية ومشكلات دول متجاورة ومتلهفة لامتلاك السلاح النووي أو التهديد به، ورغم كل المواثيق والاتفاقيات والمنظمات المختصة، يبدو العالم منشغلا بتحديد قدرات الدول الناشئة نوويا أو الفتية غير المأمونة الجانب لانفلات مستوى الاحترازات والسلامة والثقة في وجود دولة عميقة لا تقوم على الهواجس والاندفاعات في ردود الفعل تجاه قضايا ربما تقع أحيانا في فصل الدفاع عن النفس أو الكرامة أو السيادة. والحال هـذه، كيف نُقَيّم الهتجـان الروسي والتصريح العملي للرغبة الروسية في حسم الصراع العسكري لصالح النظام السوري خاصة في ظل تواجد القطعات الروسية في قاعدتي حميميم وطرطوس، حيث تنتشر القطع البحـرية الـروسية وتتعـاظم باستمرار؟ وكيف نفسر التطرف الروسي في تداعيات شبه جزيرة القرم أو أوكرانيا والتلويح في أكثر من مناسبة بالسلاح النووي كجواب أحيانا لعقوبات سياسية أو اقتصادية والمـؤسف أنهـا أحيانا لمجرد إبْطال مفعول قنابل إعلامية لمؤسسات غربية أو لإسكات صوت دبلوماسي عالي النبرة يقف مع دماء الذين سقطوا ضحايا من الشعوب، وأصبحوا تدريجيا جزءا من المصالح والتسويات والنزاعات بين الدول العظمى؟ الخوف والرعب هذه المرة يأتيان من روسيا الدولة التي تمتلك أكبر قوة نووية في العالم، ويفترض أنها موقّعة وملتزمة بكل الاتفاقيات الخاصة بنزع الأسلحة النووية والحد منها وضمان سلامة تخزينها. الأخطاء تقع، لكن أخطاء نووية تعني خسائر فادحة للبشرية، وفي الذاكرة مأساة تشيرنوبيل وهي من ضمن الحماقات غير المتعمدة، فماذا سيكون عليه حال الدول الطامحة إلى امتلاك السلاح النووي وهي لا تحظى بثقة العالم وقد بلغت سن الرشد بوعيها بالقانون الدولي بما يؤدي إلى حماية ممتلكاتها فائقة التكنولوجيا لأغراض تدعيم السلم العالمي؟ الإرهاب النووي مرفوض حتى في المخيلة، كما حدث خلال شهر أكتوبر الجاري عندما ثارت حفيظة الإخوة من شعبنا الجزائري لمشاهد من مسلسل تلفزيوني أميركي عن الإرهاب، وفيه إطلاق صاروخ نووي على جنوب الجزائر. لا يمكن تصور عمق المأساة لتدهور لغة السياسة والحوار بين الدول العظمى إلى لغة تهديدات على خارطة أرض مصابة أصلا بالهستيريا. كاتب عراقي حامد الكيلاني :: مقالات أخرى لـ حامد الكيلاني الدول العظمى ومراهقة الإرهاب النووي, 2016/10/29 معركة الموصل وكوارث صحوة المالكي, 2016/10/26 أحفاد الطائفية لا يعترفون بالمزاج الباريسي في الموصل, 2016/10/22 توصية روسية لأميركا بالقصف الرحيم في الموصل, 2016/10/19 حلب.. قنبلة اليأس الدولي, 2016/10/15 أرشيف الكاتب

مشاركة :