تكتب غادة العبسي، الرواية والقصة القصيرة، بمزيج من الواقع والخيال والقصص الشعبية، وعبر لغة تجمع بين جزالة السرد وثورة الشعر. وفي حوار مع «الراي»، تؤكد الكاتبة المصرية، أن القصة القصيرة هي مشروعها المتجدد الذي لا تستطيع التخلّي عنه رغم كل الصعوبات التي تواجه القُصاص في نشر لون أدبي لا يقبل عليه القرّاء. وتوضح أنها اتجهت إلى الرواية حيث المتعة التي تنتقل بالكتابة بين جهود البحث وبين سعادة إيجاد ما تبحث عنه، مؤكدة أن «المولعين بالبناء يعرفون تلك اللذة ولا يبالون بالتعب والعمل لشهور ولسنوات طويلة». وتقول الروائية، التي تمتهن مهنة الطب ايضاً، أن «الروائي يحتاج إلى نفَس طويل وذهنية محقّق وقلب مؤلف موسيقي وأنف صانع عطور». وفي ما يأتي نص الحديث مع غادة العبسي: • حصلت روايتك «الإسكافي الأخضر» على جائزة أخبار الأدب، ومجموعتك القصصية «أولاد الحور» على جائزة المسابقة المركزية لهيئة قصور الثقافة. برأيك إلى مدى صارت الجوائز الأدبية حافز للمبدع ومعيار للنجاح؟ - كنتُ - بحمد لله - موفقة في أغلب المسابقات التي تقدّمتُ إليها بأعمال أدبية، سواء في القصة أو الرواية وعلى المستوى المحلي والعربي. ومنذ بداية مشواري القصير في عالم الكتابة، حرصتُ على عرض أعمالي على نخبة من المبدعين والأساتذة والنقاد المتخصصين، رغبة من تلميذة تعاني من هواجس جدوى الكتابة، في معرفة آرائهم في ما تقدم من أدب، وهل يصلح للنشر أم لا... • وكيف أفادك هذا في مسيرتك الأدبية؟ - لا شكّ كان هذا محفزاً كبيراً، ولكنه تحوّل مع الوقت إلى لعبة زمنية أستخدمها لكي أنجز عملاً من أجل تقديمه في مسابقةٍ ما، الأمر الذي لا يحدث دوماً، فبمجرد انتهائي من العمل المنجز أشعر بالظفر والإكتفاء والاستغناء الكامل. ربما حياتي كطبيبة والتي قضيتُ معظمها كطالبة اعتادت على خوض امتحانات والوقت لديها هو أثمن شيء وخط فاصل بين النجاح والفشل، كان وراء حرصي على خوض تجربة تنافسية، ولكنها بالأساس مع النفس وليس الآخرين. أما كمعيار للنجاح، فعلينا أولاً أن نعرّف النجاح، فقد يكون بالنسبة للبعض هو تفاعل قارئ واحد على الأقل بما كُتِب وقد يكون لدى آخرين هو مفهوم الـbest seller ولدى آخرين هو الحصول على جوائز هامة. في النهاية المعيار من وجهة نظري هو الأصالة، بقاء العمل بعد سنوات طويلة وإعادة قراءته مرات ومرات من دون ملل ودون اعتبار لاختلاف الأجيال. • من وجهة نظرك إلى أي مدى صار الأدب ملاذ من الواقع المؤلم الذي نعيشه؟ - أرى أن هناك عبئاً انسانيًّا يقع على كاهل الفنان بوجهٍ عام، المبدع مهموم بقضايا الإنسان والهوية والانتماء، يؤرخ للجمال والقبح معاً، يقول الكثيرون من الكُتّاب أنهم يهربون من الواقع المؤلم إلى فضاء الأدب الرحب ولكني على العكس أكتشف أنه كلما شرعتُ في الكتابة أكون بصدد مواجهة ما. أكتشف أنني أواجه مخاوفي وأحلامي وقناعاتي وسقطاتي وتكون الكلمة هنا لغةً وفكراً وسيلتي لفهم ما يحدث، وأحياناً تُلهَم إجابات لتساؤلات عديدة لم تجب عليها أعمقُ التجارب الانسانية. • الرواية بها مساحة كبيرة من التجريب على مستوى البناء واللغة والأحداث أي مدى تمثل لكِ الكتابة رحلة بحث واكتشاف لذاتك وللعالم؟ - «الإسكافي» تجربة مختلفة عن كل ما كتبت من قبل، كون الرواية عمل فانتازي، ولكنك سترى مع الوقت وأنت تقرأها أنها تتحدث عن واقع مرّ طوق النجاة الوحيد فيه هو الاختلاف، أن تكون لديك موهبة يوافقها العمل والإخلاص الكامل، وأن البذرة ما هي إلا حديقة كامنة. الرواية هي تجربتي الخاصة لبناء الإنسان بداية من قدميه وحتى المجرّات الكبرى البعيدة..في محاولة لاستعادة ما فقده الجنس البشري. وفتح بوابة خصبة من الخيال باختلاط عوالم الانسان والنبات والفلَك في خلقٍ واحد وذلك على خلفية موسيقية صادرة من داخل بطل الرواية. • بدأت مسيرتك بكتابة القصة القصيرة ثم انتقلت لعالم الرواية هل كانت كتابة القصة نوع من التدريب سعيًا لكتابة الرواية؟ - إذا كنتُ قد حاولتُ إعادة بناء الإنسان من خلال الرواية فأستطيع القول بأن القصة تتيح لي إعادة بناء العالم في كل مرة، لقد أنجزتُ حتى الآن خمس مجموعات أخرهم متالية قصصية بعنوان(مجموعة إنفلونزا)، القصة مشروعي المتجدد الذي لا أستطيع التخلّي عنه برغم كل الصعوبات التي تواجه القُصاص في نشر لون أدبي لا يقبل عليه القرّاء مثلما يقبلون على الرواية. • ما الذي وجدتيه في عالم الرواية ولم تجديه في عالم القصة والعكس ومن أبرز الكتاب الذين تركوا آثر في وعيك وكتاباتك؟ - الرواية عالم من العلوم المتداخلة المترابطة والتي تحتاج إلى جهدٍ يشبه ما كان يبذله العلماء الموسوعيين في الأزمنة الزاهرة العاطرة، في روايتي الأولى الفيشاوي الصادرة عن دار الساقي وهي رواية أجيال عكفتُ خلال كتابتها على البحث في أكثر من مئة عام من تاريخ مصر المعاصر. كانت محاولة للعودة إلى الجذور والتأكيد على الهوية المصرية الأصيلة، «الفيشاوي» عمل له بعد وطنيّ. وأعظم الروائيين على الإطلاق هو دوستويفسكي ثم يأتي بعده الجميع... وإذا أردنا أن نقول أعظم الروائيين قدرةً على التخيّل سنقول بلا تفكير مارسيل بروست. • اللغة في كتابتك بها قدر كبير من الشاعرية والخيال والمجاز كيف تتعاملي مع سؤال اللغة وكيف تختاري عنوانين روايتك ومجموعاتك القصصية؟ - أعترف أن اللغة شكّلت هاجساً كبيراً في البدء، بات الاهتمام بها طاغياً على المعنى في البدايات، ثم تحوّل الأمر بالتدريج إلى التصالح مع كونها وسيلة لإيصال فكرك ومشاعرك ووجدانك إلى القارئ، بما لا يتنافى مع ضرورة احترامها والتمكن من أدواتها. • خلال العامين الماضيين صدرت لك رواية ومجموعة قصصية وقريبًا تصدر روايتك الثانية ألا تعتقدي أن هناك قدر من الاستعجال في النشر؟ - قرأت ذات مرة عن أحد الروائيين أنه أفرغ كل منتجه الأدبي في أسبوع تقريبا، وكل ما كتب فيما بعد كان مجرد إعادة لكتابة هذا الأسبوع. لا قواعد ولا طقوس في الكتابة..الوقت اللازم لإعداد العمل مهم ويحسّن من جودة ما تعرض على القارئ إذا كنتَ تحترم عقليته، ولكن الوقت اللازم للكتابة لا يمكن أن تتكهن به، أو تضع له حدوداً... كل منا يكتب على طريقته الخاصة. • في السنوات الأخيرة، هناك جيل جديد من المبدعين والمبدعات الحاضرين بقوة في المشهد الثقافي المصري والعربي، إلى أي مدى تعتبرين جيلك رافعة لك؟ - هذا حقيقي، وبالتحديد منذ قيام ثورة 25 يناير وانفراجة الميدان التي فتحت أبواب الحرية في الفنون كافة، وهناك أسماء شابة مجتهدة طرقت أبواب الأدب بقوة، أحترم تجاربهم وأنظر إليها بإعجاب وفخورة بانتمائي لهذا الجيل المقاوم المحارب بحسه الوطني والانساني والذي يتقّد إبداعه كلما تأزمت الأمور فلم تفتر عزائمه ويصر على استكمال الطريق.
مشاركة :