دبي:محمد إبراهيم وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا.. هكذا قالها أمير الشعراء أحمد شوقي، فبالأخلاق ترتقي الأمم وتزدهر المجتمعات، واليوم يتعرض العالم لموجة جرائم أخلاقية متتابعة، ومشكلات اجتماعية شائكة، وممارسات وأنماط سلوكية تخرج عن المعتاد، مما سلب الأفراد والمجتمعات السعادة والأمن والاستقرار، وهدد العقول والاتجاهات الفكرية للأجيال. ولعل إعلان وزارة التربية والتعليم أمس، عن استكمال خطتها المشتركة مع ديوان ولي عهد أبوظبي، والمجالس والهيئات التعليمية، لإدراج مادة التربية الأخلاقية ضمن المناهج والمقررات الدراسية، استجابةً لتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، خطوة مهمة نحو بناء أجيال التسامح والسعادة وحسن الخُلق. في وقت تفاعل عدد من فئات الميدان والتربويين، مع قرار وزارة التربية، مؤكدين أهمية وجود تلك المادة في رحلة حياة الطلبة الدراسية وتعليمهم مفاهيمها ومساراتها وأهدافها، لما تحمله من آثار إيجابية على المخرجات وطرائق التفكير الطلابي، في ظل تقنيات الاتصال والعولمة، التي نشعر من خلالها بمعاناة المجتمعات، بسبب ما أفرزته من جرائم أخلاقية دخيلة على العادات والتقاليد، وتجاوزت كل الأعراف، وتهدد في محتواها مسيرة بناء الإنسان. الخليج التقت شرائح المجتمع، لترصد ردود فعل الميدان التربوي، وتكشف للقارئ دور مادة التربية الأخلاقية في بناء الأمم والنهوض بالمجتمعات، ومدى انعكاسها على إعداد أجيال، لاسيما أنه سيتم تطبيق المنهج الدراسي على عينة تجريبية من مدارس الدولة ابتداءً من شهر يناير/كانون الثاني المقبل، لرصد ملاحظات المعنيين على محتوى المقررات الدراسية المطورة، على أن يتم إدراج المادة بنسختها النهائية ضمن المقررات الدراسية ابتداءً من العام الدراسي المقبل 2017/ 2018.. التفاصيل في هذا التحقيق: البداية كانت مع حسين بن إبراهيم الحمادي وزير التربية والتعليم، إذ يرى أن المبادرة التي وجه بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة لإدخال مادة التربية الأخلاقية ضمن مناهج ومقررات وزارة التربية والتعليم، تعد خطوة ريادية هي الأولى من نوعها على مستوى المنطقة، وتهدف إلى ترسيخ قيم التسامح والاحترام وروح الانتماء وغيرها من المعايير السلوكية الحميدة لدى طلبة المدارس الحكومية والخاصة، في إطار حرص سموه على أن تكون دولة الإمارات سباقة في هذا المجال على المستوى العالمي. وأوضح أن خطة العمل اشتملت على مجموعة من المراحل المتسلسلة للتنفيذ، عبر فرق عمل مشتركة مع كافة الجهات ذات الصلة والتي تضم مجموعة من الخبراء في مجال التربية الأخلاقية وتطوير المناهج المدرسية، إذ تم الانتهاء من توصيف المساقات المرتبطة بالمادة، وتحديد المهارات السلوكية والأخلاقية المرتبطة بكل وحدة دراسية. فيما أوضحت جميلة بنت سالم المهيري وزيرة دولة لشؤون التعليم العام أنه تم الاستناد إلى مجموعة من التجارب العالمية الرائدة لتطوير مساقات التربية الأخلاقية. وأشارت إلى أن فريق العمل بصدد إعداد محتوى تدريبي لكافة معلمي المواد في مدارس الدولة، للعمل على غرس مبادئ التسامح والاحترام والمســـــؤوليـــــة في نفــــــــوس الهيئات الإدارية والتدريسية ضمــن بـــرامــج تدريبيـة تخصصية. عينة تجريبية من جهتها قالت الشيخة خلود صقر القاسمي الوكيل المساعد لقطاع الرقابة في وزارة التربية والتعليم، إنه من المقرر تطبيق المنهج الدراسي على عينة تجريبية من مدارس الدولة ابتداءً من شهر يناير المقبل، لتشمل 8 مدارس حكومية وخاصة في إمارة أبوظبي، و8 مدارس خاصة في إمارة دبي، و7 مدارس حكومية وخاصة في الإمارات الأخرى، بهدف رصد كافة ملاحظات المعنيين على محتوى المقررات الدراسية المطورة، على أن يتم إدراج المادة بنسختها النهائية ضمن المقررات الدراسية ابتداءً من العام الدراسي 2017/ 2018. وأضافت: سيتم إدراج حصة واحدة أسبوعياً لمادة التربية الأخلاقية لكافة المراحل والصفوف الدراسية من الصف الأول إلى الثاني عشر، إضافة إلى مرحلة رياض الأطفال، على أن تؤخذ تلك الحصة من مادة الدراسات الاجتماعية، بجانب السماح للمدارس الخاصة بتدريس المادة باللغتين العربية والإنجليزية. وأوضحت أن عملية تطوير استراتيجيات تدريس مادة التربية الأخلاقية استنـدت إلى خمـس مبادئ رئيسية، وهي تعزيز التعلـــم التفاعلـــي للطلبـــة عبـــر تطويــر استراتيجيات تعليمية للمادة تستند إلى تنفيذ التمارين والتجارب الجماعية للطلبة، والعمل ضمن فرق عمل، أما المبدأ الثاني، فهو التعلم عبر الربط بين الأحداث والتجارب الواقعية التي يمر بها الطلبة، بما يعزز من إدراك الطالب لمحتوى المادة وربطها مع أحداث حياته اليومية بعيداً عن أساليب التلقين التقليدية. وأضافت أن استراتيجيات التدريس المطورة ترتكز أيضاً على مبدأ التعلم الموجه نحو احتياجات الطلاب عبر تشجيعهم على المناقشة والتحليل أثناء الحصة الدراسية لإشباع حاجات الطلبة نحو التعلم وتوفير البيئة التعليمية المثلى لتطوير فكر وقناعات الطلبة، مروراً بالمبدأ الرابع الذي يستند إلى تشجيع الطلبة على التعلم الذاتي، والبحث المستمر عن المعرفة عبر ربط محتوى المادة الدراسية بمصادر المعرفة المتنوعة وتوجيه الطالب نحو الاستناد إلى عدة مراجع علمية واجتماعية للحصول على تلك المعارف، فيما يستند المبدأ الخامس إلى تعزيز مهارات وقدرات الطلبة على التفكير الناقد والعميق وحل المشاكل بالاعتماد على الذات. تعليم موجَّه وفي تواصل الخليج مع عناصر مختلفة في الميدان التربوي، أكدت سمر أبو مرسة، مدير مدرسة نبراس الإيمان بالشارقة، أن التربية الأخلاقية تعدّ تعليماً موجَّهاً نحو تقديم المعرفة والمهارات والاتجاهات اللازمة لاكتساب السلوكيات الحميدة. وأكد حميدان ماضي مدير مدرسة، أن التربية الأخلاقية تمتلك المقومات العالمية والأهداف السامية التي بتضمينها وتطبيقها في مناهجنا ومدارسنا وممارساتنا اليومية، تستقيم حياتنا وتسمو أخلاقنا وتقل المشكلات الأخلاقية، فضلاً عن وقاية المجتمع وحمايته من الجرائم الأخلاقية، والرقي به إلى أعلى المستويات في الأخلاق، ورسولنا- صلى الله عليه وسلم- يقول: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. وترى معلمة اللغة العربية إيمان الفخراني، أهمية دعم وتعميق المفاهيم الأخلاقية، من خلال إطلاق جوائز تشمل حلقات التعليم، وتضم إداريين ومعلمين ومتعلمين وأولياء أمور، ومؤسسات مجتمعية. عبر عدد من أولياء الأمور عن ارتياحهم لتدريس أبنائهم تلك المادة، حيث قال كل من حمدان محمد، وعبد الله حسين، وسارة آل علي، ومصطفى محمد، إن الأخلاق هي رافعة المجتمع، فحين تكون الأخلاق موجودة في سلوكيّات أيّ المجتمعات، فهذا يعني أنّ هذا المجتمع متحضّـر ومتمدّن ويسعى للتّقدم والرّفعة بين الأمم، فهي معيار بقاء للأمم والحضارات.
مشاركة :