حركت «المدينة» الماء الراكد وسلطت الضوء على حكاية ساكني الأرصفة أصحاب اللون الشاحب والملابس الرثة والشعور الكثيفة، الذين عانوا لسنوات من تبعات الإهمال والتجاهل وأحيت بتقريرها - الذي نشرته الأسبوع الماضي تحت عنوان «مرضى يتوسدون أرصفة البغدادية.. والاجتماعية ترفض التجاوب - الأمل في فتح صفحة حياة جديدة لم يكن يعرف الهائمون من قبل لها عنوانا ليس هذا فقط، بل حركت مسؤولي الاجتماعية للنزول - ميدانيا - للتعامل مع هذه الحالات وإيجاد حل سريع لمعاناتها.. ومع روعة سيناريو الانتقال من الرصيف إلى السرير ومن الإهمال إلى الاهتمام تبقى في حكاية « الهائمون « مشاهد تستحق التوقف أبرزها وجود مرضى آخرون على أرصفة جديدة ينتظرون زيارات مثيلة.. المدينة تستعيد مشاهد ما بعد «التقرير»، والتي انتهت بانتقال الحالات من الرصيف الخشن إلى أسرة مستشفى الملك عبدالعزيز بجدة. المشهد الأول انتقلت «المدينة» بكاميراتها مرة أخرى إلى حي البغدادية لرصد معاناة الحالات على رصيف الإهمال، وذلك بعد أن التقطت صورًا لأحد المرضى المقعدين من المصابين بمرض الدرن ونقص المناعة المكتسبة «ايدز» وفيروس C، والذي كان يتنقل من مكان إلى آخر في سبيل الابتعاد عن مضايقات المارة وعن أشعة الشمس.. ووقفت على طريقة تنقله، والتي تعتمد على طلبه المساعدة من المارة لينتقل من «البغدادية» إلى حي «الكندرة» بمساعدة 3 أشخاص في دفع كرسيه المتحرك عبر الأرصفة وبين مسارات المركبات بعد أن كاد يتعرض للدهس إثر انزلاق الكرسي من فوق أحد الأرصفة. وليستغرق وصوله إلى حي الكندرة 40 دقيقة قبل أن يستقر بأحد صفوف المصلين داخل الجامع.. ولتواصل عدسة «المدينة» جولتها في الأحياء المجاورة لتتمكن من رصد 3 حالات أخرى، إضافة إلى الحالتين السابقتين والتي اتخذت من المساحة الفارغة تحت جسر الستين أماكن لسكنها ونومها. المشهد الثاني قررت المدينة تبنّي إحدى الحالات التي سكنت أحد الأرصفة أسفل جسر الستين وتوجهت إلى م.م البالغ من العمر 42 سنة لتسأله عن حالته وعن سبب تواجده في مثل هذا المكان ليؤكد أن مدة إقامته في هذا المكان تجاوزت الـ10 سنوات ولدى سؤاله عن عمره وجنسيته أجاب بأن عمره 42 ربيعًا ليبادر بإخراج هويته الوطنية ليؤكد أنه سعودي الجنسية وأنه كان يعمل في أحد القطاعات العسكرية لمدة استمرت حتى 13 سنة ثم قام بعدها بترك العمل والتوجه للعمل مرة أخرى في أحد البنوك بوظيفة حارس أمن ليستمر فيها 9 أشهر قبل أن يقوم مجددًا بترك الوظيفة.. وعن سبب تواجده في مثل هذا المكان أجاب بأنه لا يوجد من يقوم برعايته بسبب انشغال أخيه بحياته الشخصية وظروف والدته، التي تقوم بإعالة 5 من إخوانه وعن كيفية حصوله على الطعام أجاب بأن هناك من يقوم بتزويده بالطعام والشراب من فاعلي الخير ومن المارة، الذين يشفقون على حالته، خصوصًا أنه لم يغادر المكان الذي يستطع من مغادرة المكان، الذي يجلس فيه بسبب معاناته من الروماتزم بحسب ما وصف استنادًا للكشف الطبي الذي قام به في أحد المستشفيات الحكومية. المشهد الثالث فُقدت «المدينة» حلقة الوصل بينها والمتحدث الإعلامي لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية خالد أبا الخيل، وعلى الفور قامت بالاتصال بمدير فرع الوزارة بمدينة جدة، عبدالله العليان، الذي تفاعل مع الحالة وطلب القيام بتزويد مدير العلاقات العامة والإعلام مشعل القرشي بالحالة الصحية للمواطن وموقعه وبعض المعلومات الأساسية للوصول إليه.. وفي اليوم الثاني توجهت «المدينة» لفرع الوزارة لتلتقي بمدير فرع الوزارة عبدالله العليان ومدير العلاقات العامة مشعل القرشي ومساعد المشرف العام على محافظة جدة فيحان السبيعي، والذين أشاروا إلى استعداد الفريق الميداني للخروج ومباشرة الحالة واتخاذ اللازم لينتهي الأمر بتوجيه فريق عمل ميداني إلى الموقع برفقة «المدينة» وعند الوصول إلى الموقع توجه الأخصائي النفسي بندر الجميعي إلى الحالة لأخذ معلوماتها ورصد حالتها، فيما كان في الجانب التمريضي عبدالعزيز الزهراني، والذي بادر بفحص العلامات الحيوية للحالة والتأكد من صحته النفسية.. وبعد الانتهاء من رصد الحالة قام فرع الوزارة ممثلًا في فريقه الميداني بنقل الحالة على الفور إلى مستشفى الملك عبدالعزيز بجدة، وذلك لاستكمال الإجراءات وعمل الفحوصات الشاملة للحالة ليتم التأكد من سلامته من الأمراض النفسية وأهليته لتلقي الخدمات التي تقدمها التنمية الاجتماعية فيما باشر الأخصائي الاجتماعي عبد العزيز القحطاني عمله، وذلك بأخذ صورة من الهوية الوطنية للحالة واستكمال بعض المعلومات، التي تُمكن من تسجيله في برنامج الضمان الاجتماعي، وذلك لتوفير مصروف شهري للحالة.. وفي الوقت الذي يقوم الكادر الطبي بمستشفى الملك عبدالعزيز بتقديم الخدمة والرعاية الصحية للحالة باشر مندوبو التنمية الاجتماعية استكمال الإجراءات لتوفير سكن ملائم للحالة في إحدى دور الإيواء. 6 غنائم جناها ساكن الرصيف 1 - نقل الحالات إلى مستشفى الملك عبد العزيز بجدة 2 - عمل الفحوصات الشاملة للحالة 3 - تسجيل الحالة برنامج الضمان الاجتماعي 4 - توفير مصروف شهري للحالة. 5 - تقديم الخدمة والرعاية الصحية 6 - استكمال الإجراءات لتوفير سكن ملائم الصحة النفسية: لجنة ثلاثية لمتابعة الحالات والتصدي لمعاناتها مدير الصحة النفسية بجدة الدكتور نواف الحارثي في حديثه لـ «المدينة» بأن مسؤولية رعاية تلك الحالات ممن يسكنون الحدائق والجسور هي مسؤولية مشتركة بين عدة جهات.. وعليه فقد تم تكوين لجنة ثلاثية، برئاسة مدير الصحة النفسية بجدة وهي الصحة النفسية والتنمية الاجتماعية ومكافحة المخدرات وذلك لمباشرة تلك الحالات. فيما قامت اللجنة بالاجتماع للاتفاق على آلية للعمل ومناقشة عدة جوانب من بينها هل ما إذا كان وجود مثل تلك الحالات في الشوارع مخالفًا للنظام، وفي تلك الحالة فإنه يتوجب تدخل الجهات الأمنية لتنتهي اللجنة برفع توصياتها ومرئياتها لتتم الموافقة على مشاركة مندوب من الجهات الأمنية للتحفظ على تلك الحالات.. بحيث تقوم الجهات الأمنية بالتأكد من حالته لإحالة ملفه إلى إحدى الجهات الثلاث الأخرى بحسب حالته.. مشيرًا إلى أنه فيما يتعلق بالجانب النفسي لساكني الطرقات فإن غالبيتهم ممن يتعلق علاجه بأخذ الأدوية اللازمة لكي تستقر حالته. وأشار أيضًا في حديثه إلى أن هنالك بعض الحالات التي قامت الصحة النفسية والتنمية الاجتماعية بمباشرتها لتقديم المساعدة ولكن تم رفض المساعدة وتفضيل البقاء على ضعه الحالي وهنا يأتي دور الجهات الأمنية في هل ما إذا كان هذا الأمر مخالفًا للنظام. موضحًا بأن هنالك عاملان لتصنيف الحالة كحالة خطرة وهي أن يقوم هذا الشخص بإيذاء نفسه أو إيذاء الآخرين وفي هذا يأتي دور الجهات الأمنية لمباشرة الحالة والتحقيق معها، بحيث أنه إذا كان مدركًا فإنه يحاسب نظاميًا وإذا كان مدمنًا أو مريضًا نفسيًا يتم تحويله إلى جهة الاختصاص لعلاجه.. مشيرًا إلى أن هنالك عاملا مشتركا بين تلك الحالات وهو عدم وجود الرعاية من جانب الأهل وفي حال أن هذا الشخص قد تم تحويله إلى إحدى الجهات من بينها الصحة النفسية فإنها تقوم برعايته وعلاجه حتى استقرار الحالة، والتي عادةً ما تكون مدة العلاج ما بين الـ4 أشهر وحتى الـ12 شهرًا.. وعند الانتهاء من علاج الحالة يتم التواصل مع أهله أو أقاربه لاستلامه، وفي حال تعذر الوصول لشخص يقوم برعايته فهنا يأتي دور التنمية الاجتماعية للتأكد من عدم وجود عائل له لتتكفل بتقديم الخدمات والرعاية.
مشاركة :