احتفلت تركيا بجميع مؤسساتها في 29 أكتوبر الجاري بالذكرى الـ93 لإعلان الجمهورية التركية، والانتقال من الدستور العثماني الإسلامي، إلى الجمهوري العلماني، وسط مرحلة حرجة تحمل الكثير من التهديدات لمبادئ العلمانية، التي يروج لها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. فما مصير علمانية تركيا في ظل حكم أردوغان وحكومة العدالة والتنمية؟ اختلفت الآراء كثيراً حول مفهوم وتعريف كلمة "العلمانية" ومبادئها، وفقاً لتوجهات ورؤى وبيئة مقدميها أو معارضيها. لكن اتفق الجميع على تعريف مختصر هو "فصل الدين عن السياسة وأمور الدولة". لم يختلف الأمر كثيراً بالنسبة إلى الرئيس التركي، الذي تناقضت تعريفاته لمفهوم العلمانية، مقدماً تعريفاً جديداً في كلمته اثناء لقاء تلفزيوني أجراه في مصر في سبتمبر 2011، قائلاً إن "رجب طيب أردوغان ليس علمانياً، فهو مسلم لكنه رئيس وزراء دولة علمانية". مشدداً على أن الإنسان يستحيل أن يكون علمانياً، لكن الدولة قد تكون كذلك. العلمانية في تركيا قد يبدو تاريخ العلمانية في تركيا جلياً مع إلغاء الدستور العثماني في الأول من نوفمبر 1922، مع استبدال قوانين الشريعة الإسلامية. وعام 1924 ألغي منصب الخليفة رسمياً من الدستور التركي، وأزيلت عبارة "دين الدولة هو الإسلام"، وبعض المواد الأساسية بهدف دعم مبادئ العلمانية. ومع تعديل الدستور التركي في 5 فبراير 1937، أضيفت كلمة "علمانية" في الدستور التركي للتعريف بصفة الدولة، التي ما زالت قائمة حتى الآن، في المادة الثانية من الدستور الراهن، الذي يسعى بعض المسؤولين والمقربين من أردوغان، إلى تعديله في نوفمبر المقبل، في محاولة لإضعاف علمانية الدولة، مستغلين فزاعة الانقلاب العسكري الأخير في 15 يوليو الماضي. وانسجاماً مع الدستور التركي، الذي يعتبره البعض معادياً نوعاً ما للإسلام، ألغيت القوانين المستمدة من الشريعة الإسلامية في قضايا الأحوال الشخصية. فمنع تعدد الزوجات، وأعطيت المرأة المسلمة حق الزواج من غير المسلم وسمح بتغيير الدين، وأقرّت المساواة بين الذكر والأنثى في الميراث، كما أعطت القوانين الجديدة للأب حق الاعتراف بطفله، الذي يولد نتيجة علاقة غير شرعية. وقال الكاتب الصحافي التركي إبراهيم قابان إن العلمانية في العالم نوعان، علمانية على الطراز البريطاني، وأخرى على الطراز الفرنسي. أما تركيا، فاختارت العلمانية البريطانية، التي تقر بمبدأ القومية، وأن الدولة بكل مؤسساتها ومدنها وولاياتها تتبع حكم الملك، ما يعكس النظام العثماني في السابق. وترغب الحكومة التركية حالياً في تقسيم الدولة إلى رئيس وخليفة. تناقضات أردوغان سجل أردوغان عبر تاريخه السياسي الكثير من التصريحات والقرارات المتناقضة بشأن مبادئ العلمانية، التي تبنتها تركيا خلال العقود التسعة الماضية، وعلاقتها بالإسلام. فأطلق عليها الكثير من التعريفات المتناقضة، التي تحير المتابعين له، وتزيد من الغموض المحيط بمصير العلمانية، في ظل حكمه الذي اشتد وتده عقب المعارك السياسية الأخيرة. وتتضح أبرز تناقضات أردوغان عبر قوله "لا يدّعي أحد أنه مسلم، ويقول في الوقت نفسه أنه علماني، فهذا غير ممكن"، في خطاب ألقاه عام 1997، حين كان رئيس بلدية إسطنبول. بينما تغنى بالعلمانية ومبادئها في سبتمبر عام 2011، خلال جولته في دول الربيع العربي، مناشداً مسؤوليها تبني الدستور العلماني التركي، مؤكدا أن "العلمانية لا تعني اللادينية". وتقول الكاتبة التركية دورجو جوفنتش إن أردوغان في حوار مع الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، أكد أنه يلزم بين 5 إلى 6 سنوات لهدم العلمانية"، بحسب زعم محمد عبدالمطلب المستشار السابق لسيف الإسلام القذافي. وفي أبريل الماضي، ودفاعاً عن علمانية دستور تركيا، قال أردوغان: "الواقع هو أن الدولة يجب أن تقف على مسافة متساوية من كل المعتقدات الدينية هذه هي العلمانية". أقوال جاهزة شارك غردما مصير علمانية تركيا في ظل حكم أردوغان وحكومة العدالة والتنمية؟ شارك غردعام 1924 ألغي منصب الخليفة رسمياً من الدستور التركي، وأزيلت عبارة "دين الدولة هو الإسلام"... هل يستمر الأمر على هذه الحال؟ وحول تناقض موقف الرئيس التركي إزاء العلمانية، صرح الكاتب والمحلل السياسي إسلام أوزكان أن أردوغان يتعامل مع مبدأ العلمانية "بطريقة براغماتية". فهناك تصريحات متناقضة له بشأن هذا الأمر، تارة "ينصح ويوصي" بالعلمانية، في جولاته بالشرق الأوسط، ثم يصدر تصريحات مخالفة. وعزا أوزكان ذلك إلى حرص أردوغان على الحفاظ على سلطته القوية وقاعدته الشعبية الداخلية، فضلاً عن محاولة "إحكام قبضته على الحكم مثل أتاتورك". دلالات مناهضة العلمانية تحمل السنوات الأخيرة لحكم أردوغان الكثير من الدلالات على مناهضة مبادئ العلمانية في بلاده، مثل إعلان المجلس العالي للتعليم عام 2014 خطة لإدخال مناهج لتعليم الإسلام السني في المدارس الحكومية. وتم تطبيق هذا القانون في ما بعد، بما يعد مخالفة للمبادئ العلمانية، وإصدار قانون تنظيم الكحول عام 2013، عندما كان رئيساً للحكومة. كما حظر أردوغان المساكن الطلابية المشتركة، قائلاً: "لم نسمح ولن نسمح باختلاط الفتيات والفتيان في مساكن الدولة". وأعقب هذا الحظر بإصدار قرار بإجازة ارتداء الفتيات الحجاب في المؤسسات العامة. وفرضت السلطات التركية إنشاء مساجد في الأماكن العامة، مثل مراكز التسوق، ومراكز بيع السيارات، وحتى القاعات المخصصة للمعارض الفنية. فضلاً عن تنظيم حلقة ذِكر في مسجد المجمع الرئاسي في أنقرة في 30 أغسطس الماضي. الدستور والعلمانية الدستور التركي والمحاولات الأخيرة لتغييره تعد فصلاً هاماً في رسم مصير العلمانية في عهد أردوغان، الذي طالما دعا إلى ضرورة تعديل الدستور، خصوصاً عقب محاولة الانقلاب الفاشلة الأخيرة. وصرح رئيس البرلمان التركي إسماعيل قهرمان في 25 أبريل الماضي، أن الدستور الجديد يجب ألا ينص على العلمانية، وينبغي أن يناقش الدين. ويجب عدم نزع الدين عنه، هذا الدستور الجديد يجب أن يكون دستوراً دينياً، وألا يتضمن تعريفاً للعلمانية التي يفسرها كل شخص على هواه كما هو الحال بالنسبة للدستور في فرنسا وإيرلندا وتركيا". وقال الجنرال المتقاعد عدنان تانريفردي، مستشار أردوغان، في لقاء تلفزيوني في أغسطس الماضي: "يجب ألا يتضمن الدستور إيديولوجية رسمية، وألا يشتمل على أي من المبادئ العلمانية". "علمانية" أردوغان اختلفت آراء الكتاب والمحللين العرب والأتراك حول حقيقة علمانية الرئيس التركي، وهل هو مرغم عليه أو يوظفها لأهداف شخصية. وفي هذا الإطار تساءل الكاتب المتخصص في الشأن الإسلامي عبد القادر أنيس في مقاله "أردوغان علماني رغم أنفه": "هل أردوغان علماني رغم أنفه فيتصرف، كشخص مغلوب على أمره وخاضع لدستور علماني لا يؤمن به أم هو يستغفل الداخل التركي كما رأى أحد القادة الإخوان، وهو، بهذا أيضاً، شخص منقوص الإسلام في نظر الإسلاميين الذين يرون أن الإسلام يؤخذ كله أو يترك كله؟". ووصف الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، نظام رجب طيب أردوغان، بالعلماني. مؤكداً أن "علمانية أردوغان، التي يقر بها ويدعو إليها أخف من علمانية أتباع أتاتورك". وأوضح الكاتب المخضرم ومراسل صحيفة "الإندبندنت" البريطانية في الشرق الأوسط باتريك كوكبورن، أن أردوغان استغل الانقلاب العسكري الأخير كوسيلة للتخلص من حماة ومدافعي العلمانية في تركيا حتى المقربين منه. بينما اعتبر الكاتب التركي محمد علي جوللر في إحدى مدوناته أن الهدف الأساسي لأردوغان هو السلطنة، ما يهدد علمانية تركيا. مشدداً على أنه "إذا لم تكن العلمانية فليس هناك تركيا،.. فالعلمانية هي صلب وحدتنا الوطنية". وفي تصريح لرصيف22، قال رئيس تحرير صحيفة زمان التركية إسحق إنجي، إن العلمانية في الدستور التركي غير قابلة للتغيير، وكل محاولة لتغييرها من قبل الحزب الحاكم، تؤدي إلى إغلاق الحزب بأمر من المحكمة الدستورية العليا، كما هو الحال في إغلاق حزب الرفاه لأربكان، وأردوغان لم يتجرأ علناً على الدعوة إلى تغييرها حتى الآن. ونفى إنجي أن تكون لدى أردوغان نية لتغيير علمانية تركيا لخدمة الإسلام، مؤكداً أنه يستغلها لأغراض شخصية. وقال: "أردوغان هو مَن قام بتغيير قوانين لإباحة الزنا، ولم يغلق بيوت الدعارة ومحال الخمور حتى الآن. بل استغل الدين فوصل إلى سدة السلطة، واستغل العلمانية فمكث فترة طويلة في الحكم. ليس له هدف ديني، إنما يستغل كل شيء يساعد على بقائه في السلطة". مجدي سمير صحفي متخصص في شؤون الشرق الأوسط وتركيا، ومترجم لغة تركية معتمد، خبرة في مجال الترجمة والصحافة 11 عام.. عملت كمترجم في مصر وتركيا بعدد من المصانع والشركات التركية بالإضافة إلى عملي كصحفي متخصص بالشأن التركي كلمات مفتاحية تركيا التعليقات
مشاركة :