د. عبدالله السويجي ستشكل مادة التربية الأخلاقية التي وجه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بتضمينها المناهج التربوية، مفصلاً رئيسياً في تطوير العملية التعليمية التربوية في الإمارات، وستضع العملية التعليمية في الاتجاه الصحيح، بوصف تلك المادة الأساس الذي تُبنى عليه المجتمعات، للنهوض بالقيم وتعزيزها، ودفع العلاقات المجتمعية نحو تكريس الانسجام بين المعرفة والإخلاص، وبين المعلومة والسلوك. نفهم من تصريحات المهندس، حسين الحمادي، وزير التربية والتعليم، أنه سيتم إدخال المادة إلى المنهج التعليمي على مراحل، وكما قال في المؤتمر الصحفي الذي عقده بمشاركة رجال التعليم، إنه وقع الاختيار على 20 مدرسة على مستوى الدولة في المرحلة الأولى، من الحلقتين الأولى والثانية، وستشمل المرحلة الثانية مدارس الدولة في العام الدراسي المقبل 2017 /2018، من الصف الأول حتى الحادي عشر. ويبدو أنه تم وضع منهاج لهذه المادة، يشمل محاور عديدة، منها: محور الشخصية والأخلاق، وتركز على مجموعة من القيم، والأخلاق في سياق المجتمعات والأخلاق في سياق الدول، ومقدمة في الأخلاقيات العالمية، كما يضم المحور: الأخلاق والاقتصاد العالمي، ودراسات في السلام والصراع. وهناك محور الفرد والمجتمع، ويدور حول علاقة الفرد بأسرته ومجتمعه والعالم، إضافة إلى القيم ذات الصلة بالتعامل مع الغير، إضافة إلى مهارات اتخاذ القرارات والتحدي الرقمي، واحترام التنوع، ومفهوم المواطنة، وتوسيع الآفاق العالمية، وهناك محور الدراسات الثقافية، وتركز على التراث والثقافة الإماراتية. نحن نأمل أن تنجح وزارة التربية في تطبيق مادة التربية الأخلاقية في المدارس المختارة في المرحلة الأولى، كما نأمل في أن يزداد عزمها في العام المقبل، فتعمم المادة على المدارس والمراحل المتبقية، وأن يستطيع المدرسون توصيل مضمون المادة من خلال حصة واحدة في الأسبوع، لأن هذه المدة الزمنية تشكل تحدياً كبيراً للمدرس والمدرسة والأهل وخبراء التعليم والتربية. المسألة الأخرى التي نود التوقف عندها، هي ما جاء على لسان وزير التربية والتعليم، بأن مادة التربية الأخلاقية هي مادة شاملة، وهي في الأساس ثقافة، وبيئة مدرسية ومنزلية، ولا تُقاس بعدد الساعات. أمّا الدكتور علي راشد النعيمي، مدير عام مجلس أبوظبي للتعليم، فقد كان منطقياً وموضوعياً في التطرق إلى التحديات التي تواجه تعليم مادة التربية الأخلاقية، لأن مجتمع الإمارات، وفق رأيه، يواجه تحديات متعددة، وهو مجتمع مفتوح تداخلت فيه الثقافات، وأصبح بإمكان كل شخص الاطلاع على كم هائل من المعلومات والمعارف، وخلق علاقات خارج الحدود، قد تؤثر على هويته وخصوصيته، وانتمائه وأخلاقياته وسلوكياته. نريد مدرسة تبني الأخلاق، كما نريد أيضاً أن تشارك الأسرة في هذا البناء، ومن غير المنطقي أن نبني الأخلاق في المدرسة، ثم يأتي ولي الأمر أو المجتمع أو الخدم بسلوكيات تفسد تلك الأخلاق، وعلى الأسرة أن تتحمل دورها، وشدد على دور أولياء الأمور والمدرسة والأسرة. بينما قالت السيدة فاطمة المري، الرئيس التنفيذي لمؤسسة التعليم المدرسي في هيئة المعرفة والتنمية البشرية في دبي، إن هناك كثيرين يسهمون في تربية الأبناء، فإلى جانب المدرسة هناك الفضاء الخارجي والخدم والمجتمع، وأن دور المؤسسة يأتي مكملاً لدور البيت والمعلم.. وأن وعي وتفهم وتعاون ولي الأمر، سيؤدي إلى أن تؤتي المادة ثمارها. في الواقع، إن ما تفضل به النعيمي والسيدة المري، ينبئ بوجود تحديات حقيقية أمام الحصول على نتائج مرضية في المرحلة الأولى، وهناك إشارات في الحديث إلى أن أولياء الأمور في حاجة إلى مضاعفة الجهود، وتخصيص أوقات أكثر لأبنائهم، وعدم الاعتماد على الخادمة أو المربية، كما هناك إشارات إلى حاجة ملحة لإعادة النظر في التعامل مع الشبكات العالمية للمعلومات ووسائل الاتصال الاجتماعي، ودور وسائل الإعلام، وإعادة تصويب منظومة القيم وإحيائها خاصة في علاقة الفرد بالأسرة والمجتمع وعلاقته بالدولة، والنظام العام، وأهمية التثقيف السلوكي من خلال تطوير مفاهيم الشخصية الوطنية والانتباه إلى مكونات الهوية السلوكية والثقافية والتراثية واللغوية والانتماء. إن ما تم الإشارة إليه من تحديات ليس جديداً على الإطلاق، فقد تم تدبيج مقالات كثيرة وتنظيم محاضرات أكثر، حذرت من التغييرات التي تطرق باب مجتمع الإمارات على وجه الخصوص، والمجتمعات الخليجية والعربية بشكل عام، وهي نتاج الثقافة القادمة من الآخر، المحمولة عبر الفضاءات الافتراضية المفتوحة، وما تبثه من معلومات ومواد مصورة ومكتوبة ومسموعة، ناهيك عن الأعمال الدرامية في الفضائيات، والأفلام في الفضائيات ودور السينما، وقد كتبنا سابقاً عن توجه المراهقين نحو التقليد الأعمى للمجتمعات غير العربية، في الملبس والمأكل والمشرب، وفي اللغة والثقافة، والأخيرة تحمل في طياتها الأغنية والقصة والرواية، فالطالب في المدارس الخاصة على وجه الدقة مستعد لقراءة قصص عن السحر والشعوذة والخيال والفنتازيا تزيد صفحاتها على ثلاثمئة صفحة، بينما يتردد في قراءة قصة باللغة العربية، ويتلعثم بالقراءة. التربية الأخلاقية منظومة متكاملة، كما جاء على ألسنة التربويين في المؤتمر الصحفي، وهذه المنظومة تتقاطع فيما بينها، وتكمل بعضها بعضاً، وتتطلب نظاماً دقيقاً في المدارس، وآخر في البيت، وثالثاً في المجتمع، بحيث لا يحدث تناقضاً في ممارسة السلوك والتعاطي مع القيم، وبالتالي، إذا أردنا أن تنجح مادة التربية الأخلاقية، يجب أن يصاحبها منهاج خاص لأولياء الأمور، دورات وورش عمل ومحاضرات وغيرها، حتى يكون ولي الأمر شريكاً استراتيجياً حقيقياً في تعليم مادة التربية الأخلاقية. إن معلم هذه المادة، التي لن تزيد على حصة واحدة في الأسبوع، هو معلم ذو مواصفات استثنائية، في الأخلاق والسلوك واللغة والانتماء والخبرة والثقافة والانفتاح وتقبّل الآخر، معلم مدرك لأهمية الاختلافات العرقية والدينية والمذهبية، ومطلع على ثقافات الآخر أيضاً. كنا نتمنى أن تخضع الهيئتان التعليمية والإدارية لورش عملية لتتعرف على هذه المادة المهمة، لأن تعليم المادة لا يقتصر على مدرسها، بل إن كل مدرس، بغض النظر عن المادة التي يدرسها، هو معنيّ بشكل مباشر بتدريس محتوى المادة، وهذا ينطبق على الإداريين أيضاً. suwaiji@emirates.net.ae
مشاركة :