مشروع «سورية المفيدة» يشقّ طريقه - مقالات

  • 11/1/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يدلّ الهجوم المضاد الذي يشنّه الثوار في حلب من اجل فكّ الحصار الروسي ـ الايراني ـ الاسدي على مدينتهم الى ان المدينة لن ترضخ. اكثر من ذلك، يؤكّد هذا الهجوم انّ روسيا وايران لا تعرفان سورية والسوريين، اللهمّ الّا اذا كان هدفهما في نهاية المطاف تفتيت البلد في غياب القدرة على التحكّم به. وهذا ما نشهد حاليا فصلا من فصوله. لم يعد من خيار آخر غير خيار التفتيت يواجه سورية التي عرفناها والتي حاول شعبها التخلّص من نظام اقلّوي قضى عليه، كما قضى على البلد، شيئا فشيئا، خصوصا بعد تحولّه الى نظام حكم العائلة اثر حلول بشّار الأسد مكان والده. كان متوقّعا، في الحسابات الروسية والإيرانية استسلام حلب وذلك بعد تدمير القسم الأكبر من المدينة. لم يحصل الاستسلام رغم الزج بآلاف العناصر التابعة لميليشيات مذهبية لبنانية وعراقية في المعركة. استطاعت المدينة الصمود في وجه الغارات التي يشنها سلاح الجوّ الروسي وطائرات ما زال النظام قادرا على تحريكها لقصف المدارس والمستشفيات. استطاعت المدينة تأكيد انّ المدافعين عنها، ومعظمهم من أهلها، لن يستسلموا مهما بلغت الوحشية الروسية ومهما كانت درجة التواطؤ بين واشنطن وموسكو في عهد رئيس أميركي اسمه باراك أوباما يعتبر ان حماية الاتفاق في شأن الملف النووي الايراني اهمّ بكثير من حماية الشعب السوري. هناك عبرة واحدة يمكن استخلاصها من التطورات الأخيرة في حلب. تتمثل هذه العبرة في انّ الرهان على ان النظام الذي يقف على رأسه بشّار الأسد سيحكم كلّ سورية يوما لم يعد وارداً في ايّ شكل. هذا نظام انتهى. لن يستطيع هذا النظام عودة الى حكم سورية وذلك رغم امتلاكه قدرة كبيرة على التكيّف مع التغييرات الاقليمية والتعايش مع الاستعمارين الايراني والروسي وخلق شبكات تستفيد من كلّ أنواع عمليات التهريب ومن المساعدات الدولية. يظلّ الرهان على النظام رهاناً خاسراً سلفا، حتّى لو كان الهدف النهائي لإيران وروسيا الوصول الى «سورية المفيدة» التي عاصمتها دمشق. يفترض بـ«سورية المفيدة» ان تمتلك امتداداً في اتجاه مناطق لبنانية يسيطر عليها «حزب الله» من جهة وأخرى على طول الساحل السوري من جهة اخرى. وهذا يعني في طبيعة الحال تغيير جذري لطبيعة دمشق والمناطق المحيطة بها مباشرة وإقامة منطقة عازلة على طول الحدود اللبنانية ـ السورية ،وتأمين ممرّ آمن لمقاتلي «حزب الله» الى «سورية المفيدة» التي ستحتاج دائما الى من يقاتل من اجل حمايتها. ثمّة حاجة الى من يقاتل في «سورية المفيدة» من منطلق مذهبي قبل ايّ شيء آخر ،نظرا الى أنّ المطلوب ان تكون سورية هذه ملجأ للعلويين الذين سيتذرعون بالحاجة الى حماية انفسهم من انتقام اهل السنّة منهم، بعدما حكموا البلد بالحديد والنار منذ العام 1966 ،عندما انقلب العسكر على «البعث المدني» بقيادة ضباط علويين على رأسهم حافظ الأسد وصلاح جديد. مهّد ذلك الانقلاب لوصول حافظ الأسد الى السلطة في خريف العام 1970 وتفرّده بها بعد زجّ رفاقه في السجن. بقي صلاح جديد في السجن طويلا، الى ان تمكّن منه المرض. امّا محمد عمران، الضابط العلوي الآخر الذي بدأ يواجه مشاكل مع رفاقه منذ العام 1964، فقد لحقت به امرأة الى طرابلس، عاصمة شمال لبنان، لتغتاله في مارس من العام 1972. لم يكن حافظ الأسد يستطيع تحمّل أي وجود لمعارض له حتّى لو كان هذا المعارض في المنفى. تلك هي فلسفة تلك العائلة للسلطة... ولكيفية التعاطي مع الآخر. بعدما كشفت حلب حدود ما تستطيع ان تفعله روسيا، فضلا عن حدود ما تستطيع ان تفعله ايران، صار مشروع «سورية المفيدة» قادرا على شق طريقه بقوّة اكبر، خصوصا بعد فقدان أي امل في إعادة تأهيل بشّار الأسد خارج هذا الاطار. بكلام أوضح، دخلت عملية تقسيم سورية وتفتيتها مرحلة جديدة. لا يمكن تجاهل ان تركيا نفذت عمليات عسكرية في الداخل السوري تصب في حماية ما تعتبره مصلحة حيوية لها. استطاعت تركيا منع الاكراد السوريين من الربط بين مناطقهم. ستقدم على خطوات أخرى في المستقبل القريب مستفيدة من التفهم الروسي للمصلحة التركية ومن ان شهر العسل، بين فلاديمير بوتين ورجب طيب اردوغان، قد لا يستمرّ طويلاً. في ضوء انعدام أي خيار آخر، غير خيار «سورية المفيدة»، امام روسيا وايران، ثمة أسئلة كثيرة ستطرح نفسها في المستقبل القريب. من بين هذه الأسئلة ما الذي سيفعله رجب طيب اردوغان الذي يعتبر بلده الموصل وحلب مدينتين تركيتين؟ الى متى يستمر شهر العسل التركي ـ الروسي والتفاهمات القائمة بين انقرة وطهران؟ الاهمّ من ذلك كلّه، ما مستقبل العلاقات التركية ـ الاميركية، خصوصا بعد ان يغادر باراك أوباما البيت الأبيض في يناير المقبل؟ هناك دول أخرى معنية بالخوف من تفتيت سورية. من بين هذه الدول يأتي الأردن الذي لديه مصلحة كبيرة في عودة السوريين اللاجئين اليه الى بلدهم. كذلك، لا يمكن تجاهل التداخل والصلات بين العشائر والعائلات الأردنية والسورية على طول الحدود بين البلدين. من المفيد، في طبيعة الحال، التساؤل ما الذي تريده إسرائيل؟ كيف ستضمن تكريسها لاحتلال الجولان وإقامة منطقة عازلة تمكنها من التفرّج على مشهد تفكيك سورية على يد الروسي والإيراني والميليشيات المذهبية التي أتت بها طهران الى مناطق عدّة، خصوصا الى محيط دمشق؟ لا شكّ ان التنسيق الروسي ـ الإسرائيلي، الذي جعل بوتين يستقوي على الإدارة الاميركية وسيرغي لافروف يتعاطى بفوقية مع جون كيري، يخفي أمورا كثيرة من بينها الضمانات التي ستحصل عليها إسرائيل في سورية، وما يتجاوز سورية، أي في لبنان حيث القرار 1701 الصادر في العام 2006 صامد الى حد كبير. ليس مستبعدا ان يكون ثمن «سورية المفيدة» وقبول إسرائيل بها، تطوير للقرار 1701، بما يغلق نهائياً ملفّ المتاجرة بجنوب لبنان... يشقّ مشروع «سورية المفيدة» طريقه فيما تزداد الأسئلة المطروحة، على رأسها كيف ربط سورية هذه بالعراق الذي وقع تحت السيطرة الايرانية؟ انّها بالفعل ايّام مثيرة يعيشها الشرق الاوسط الذي عاش قرنا كاملا على ايقاعات سايكس ـ بيكو. كان اجتياح العراق في العام 2003، وهو اجتياح أميركي بالتنسيق الكامل مع ايران نقطة الانطلاق لـ«اعادة تشكيل المنطقة». هذه العبارة استخدمها كولن بأول وزير الخارجية الاميركي في سياق التمهيد للعملية العسكرية التي قررت إدارة جورج بوش الابن السير فيها الى النهاية. صدق كولن باول، علما انّه لم يدرك ان عملية «اعادة تشكيل المنطقة» ستجري في غياب الولايات المتحدة. لم يحسب ان باراك أوباما سيخلف بوش الابن وان سياسته تقوم أساسا على فكرة واحدة هي الانقلاب على كل ما فعله سلفه ولا شيء آخر غير ذلك!

مشاركة :