العنف الشرقي من نهاية السلطنة العثمانية إلى تنظيم «القاعدة»

  • 11/1/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يقدم حميد بوزارسلان في كتابه :» قراءة في تاريخ العنف في الشرق الأوسط، من نهاية السلطنة العثمانية إلى تنظيم القاعدة»، لوحات لمحطات العنف التي عرفها الشرق الأوسط على امتداد قرن ونيف، اي من العام 1906 وصولاً الى العام 2006، تاريخ آخر عدوان إسرائيلي على لبنان. ويتقصى في كتابه طبيعة أعمال العنف ويجهد في تحليل عوامله البنيوية الداخلية ودخول العوامل الخارجية اليها من دون ان يقع في فخ «نظرية المؤامرة»، ولكن، من دون ان يستبعد التآمر الخارجي في شكل كامل. صدر الكتاب عن «المنظمة العربية للترجمة» في بيروت، بترجمة هدى مقنص، ويوزعه «مركز دراسات الوحدة العربية». الجزء الأول بعنوان: «دول وقوميات واحتجاجات ثورية بين الأعوام 1906 - 1979»، يمر فيه المؤلف على الحرب العالمية الأولى التي شهدت انهيار الأمبراطورية العثمانية وتقاسمها على يد الدول الأوروبية المنتصرة، وما تبع هذا التفتت من قيام انتدابات فرنسية وإنكليزية على بعض دول المشرق العربي. في هذه المرحلة تركز العنف على حروب التحرير ضد الاستعمار سعياً إلى نيل الاستقلالات. ولعل أكبر أعمال العنف، في الحرب التي ادت الى قيام دولة اسرائيل التي استوجبت من الصهاينة عمليات إبادة للشعب الفلسطيني وتهجير أعداد كبيرة من أبنائه، وهو ما أطلق عليه في المصطلحات العربية اسم «النكبة». لكن «النكبة» هذه ستكون محطة لتوليد انقلابات عسكرية في أكثر من مكان في الشرق الأوسط، وهي انقلابات استندت الى طموحات ثورية قامت بها أنتلجنسيا من العسكريتاريا ابتدأت مع انقلابات قادها حسني الزعيم ثم اديب الشيشكلي وسامي الحناوي في سورية، تبعها انقلاب الضباط الأحرار في مصر الذي ترافق مع أعمال عنف ضد البريطانيين. اما في إيران فقد شهدت تلك الفترة انقلاب محمد مصدق، ثم الانقلاب المضاد الذي ترافق مع تصفيات دموية. في فترة الخمسينات هذه، سيشهد الشرق الأوسط اعمال عنف في مصر بعد إحباط محاولة اغتيال الرئيس عبدالناصر بأيدي الإخوان المسلمين، وقيام ثورة الجزائر ونشوب حرب السويس بعد تأميم مصر القناة وما تبعها من حرب بريطانية فرنسية اسرائيلية ضد مصر. في نهاية الخمسينات وعقد الستينات، تشهد المنطقة أعمال عنف في العراق بعد انقلاب عبد الكريم قاسم وما تبعه من محاولات انقلاب مضادة وتصفيات دموية بين الانقلابيين قبل ان تستقر السلطة في يد حزب البعث. وفي سورية، سلسلة من الانقلابات والتـــصفيات والقتل قبل ان تستقر السلطة مطلع السبعينات اثر انقلاب حافظ الأسد. لكن مرحلة الستينات شهدت أخطر تحول في منطقة الشرق الأوسط، العربية منها خصوصاً، وهي التي نجمت عن حرب الأيام الستة عام 1967، والتي احتلت فيها اسرائيل مناطق واســعة في مصر وسورية وفلسطين. كانت حرباً خاطفة لكنها وحشية في عنفها وفي الخسائر البشرية والمادية التي تسببت بها. شكلت هذه الحرب نهاية مرحلة التخيلات الثورية التي ترافقت مع نهوض قومي عربي على امتداد الخمـــسينات والســتينات من القرن العشرين. اما السبعينات، فقد كانت محطات العنف متعددة فيها، من حرب تشرين الأول (اكتوبر) 1973 بين مصر وسورية من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، ثم الحرب الأهلية في لبنان، والعمل الفدائي الفلسطيني المسلح ضد اسرائيل. وتختم هذه المرحلة من العنف والعنف المضاد بالثورة الإيرانية ذات الطابع الإسلامي، والتي ستفتتح مرحلة جديدة من العنف في المنطقة. في الجزء الثاني من الكتاب وعنوانه «حروب إقليمية، إسلام ثوري وقمع (1979 - 1991)، يرصد الكاتب طبيعة المرحلة الجديدة المحكومة بهزيمة حزيران (يونيو) 1967 وقيام الثورة الإسلامية في إيران. ابتدأ عقد الثمانينات باغتيال الرئيس المصري أنور السادات بأيدي فئات إسلامية متطرفة، ثم تبعه اجتياح اسرائيل لبنان وتدمير بناه وخوض حرب إبادة انتهت بخروج الثورة الفلسطينية من لبنان، وما تبعه من مجازر «صبرا وشاتيلا» التي ارتكبتها اسرائيل وميليشياتها اللبنانية. وتشهد الثمانينات صعود حركات إسلامية تطرح العنف وسيلة للرد على الهزائم العربية، كما ستقدم إسلامها في وصفه الحل لمشاكل العالم العربي والإسلامي وسبيلاً خلاصياً لشعوبه. أما شكل العنف الجديد الذي بدأته الحركات الإسلامية فهو القائم على عمليات انتحارية سميت استشهادية، بدأت ضد الاحتلال الإسرائيلي في لبنان من «حزب الله»، وطاولت مؤسسات اميركية وأوروبية، وتوسع بعض تنظيمات المقاومة الفلسطينية في استخدامها داخل اسرائيل. سيتطور هذا الأسلوب من العنف ويصبح نموذجاً في الإرهاب المتنوع المشارب على امتداد العقود اللاحقة. اما الجزء الثالث من الكتاب، فقد أعطاه المؤلف عنواناً معبراً: «من حركات الجهاد في أرض الإسلام الى حروب العقد الأول من الألفية الثالثة». ابتداء من العام 1991 وصولاً الى الفترة الراهنة، سيحتل العنف الذي تنفذه حركات اصولية إسلامية متطرفة عنوان الأحداث، ليس فقط في العالم العربي وإنما ايضاً في العالم الغربي. يبدأ هذا العقد بحرب الخليج التي قام بها الغرب ضد العراق الذي احتل الكويت، والتي مني العراق فيها بهزيمة كبرى من دون ان يسقط نظام البعث. في الجزائر، وبعد الانقلاب الذي نظمه العسكر لمنع جبهة الإنقاذ الإسلامية من تسلم السلطة بعد نجاحها في الانتخابات، تحولت الجزائر الى أرض تدور فيها حرب أهلية طاحنة باسم الإسلام، فارتكبت مجازر بحق المدنيين تحت عنوان انها مجتمعات «الجاهلية»، وأعطيت الحرب الأهلية أبعاداً في وصفها جهاداً في سبيل الله من أجل اقامة دولة الإسلام المنشودة. لكن مرحلة العنف الأقسى والأشد ابتدأت مع هجمات ايلول (سبتمبر) 2001 ضد الولايات المتحدة الأميركية. ليس مبالغة القول إن العنف غير المشهود في تاريخ الشرق الأوسط بدأ مع هذه الهجمات التي نفذها تنظيم «القاعدة» باسم الإسلام تحديداً. على امتداد عقد ونصف العقد، سيشهد الشرق الأوسط صعوداً كبيراً للحركات الأصولية التي تستخدم الإرهاب من أجل تحقيق أهدافها. تكمن الأخطار الكبرى في هذه المرحلة التي لم تتوقف حتى اليوم، بل المستمرة والمتصاعدة، في اعتماد هذه الحركات منظومة أيديولوجية تستقيها من التراث الإسلامي ونصوصه الذي حوى بعضها دعوات الى استخدام العنف، فتقرأ هذه النصوص خارج سياقها التاريخي الذي نزلت فيه، وتسقطها على الزمن الراهن، تحت عنوان الجهاد في سبيل الله «لإقامة حكم الله» كما كان يشدد سيد قطب. تضع هذه الحركات في جدول أعمالها وجوب إعادة الخلافة الإسلامية وفق نموذج دولة «الراشدين». وتتوسل هذه الحركات اليوم العمليات الانتحارية وسيلة لتنفيذ أهدافها، فتضرب عشوائياً وتصيب المدنيين الأبرياء في شكل خاص في الشرق الأوسط وخارجه. صحيح أن الكتاب يختتم تأريخ مراحل العنف بالعدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006. لكن ما تلا هذا التاريخ، وما تشهده المنطقة من أحداث بدأت مع الانتفاضات العربية نهاية العام 2010، وامتدت الى أكثر من قطر عربي، هذه الانتفاضات تشهد اليوم على عنف هائل بعد ان تحولت حروباً أهلية، تفجرت خلالها البنى المجتمعية وصعدت الى السطح عوامل التخلف والتعصب، المستندة هذه المرة الى عصبية دينية وإلى قتال باسم الإله، تحلل هذه الحركات فيهما القتل والتدمير. ما ينبئ به الشرق الأوسط من عنف مستطير متواصل الى أمد غير معروف، سيظهر كم ان اعمال العنف السابقة كانت قليلة الأهمية قياساً لما ترتكبه اليوم تنظيمات أصولية يمكن إدراجها كلها تحت عنوان «الدواعش». انه مستقبل اسود لمنطقة الشرق الأوسط وإلى أمد غير معروف.     * كاتب لبناني

مشاركة :