كي لا يصبح لبنان أوكرانيا الشرق الأوسط!

  • 3/15/2014
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - دولي منذ 25 سنة، لم يعرف لبنان أزمة دستورية بحجم الأزمة التي تعصف حالياً بأجوائه السياسية، وتمنع حكومة تمام سلام من الحصول على بيان توافقي يعطي ما للدولة للدولة... وما لـ «حزب الله» لحزب الدولة. وكان من الطبيعي أن تزداد الأزمة تفاقماً، بعدما فشلت لجنة صياغة البيان الوزاري خلال اجتماعها العاشر في حسم الخلاف. علماً أن المحاولات السابقة تعاملت بإيجابية مع الحلول المطروحة على أمل العثور على صيغة مرنة يمكن إخضاعها لتفسير مرضٍ يحمل أكثر من معنى. بعض المحللين وصف طبيعة الأزمة القائمة بين جماعة 14 آذار ومعارضيها من جماعة 8 آذار بأنها أزمة ثقة لا تختلف في أهدافها عن أزمة صيف 1988. أي الأزمة التي انفجرت في آخر عهد الرئيس أمين الجميّل يوم اتفق العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع على عدم الالتزام بالموقف السوري - الأميركي. وكان ذلك الالتزام يقضي بفرض المحامي مخايل الضاهر مرشحاً وحيداً لرئاسة الجمهورية. أنصار «حزب الله» يستبعدون هذه المقارنة، لأن أزمة 1988 كانت محصورة بالقيادات المسيحية. في حين أن الأزمة الحالية تشمل كل الأحزاب وكل الطوائف وكل شرائح الشعب. وأكبر دليل على ذلك، أن مؤتمر باريس الأخير صنَّف لبنان في طليعة الدول المحتاجة إلى دعم خارجي. وبسبب عجز الدولة عن تلبية الاحتياجات الملحَّة لأكثر من مليون نازح سوري، فإن البلاد ستظل عرضة للاضطرابات الداخلية، خصوصاً أن تدفق النازحين لم يتوقف بسبب المعارك الدائرة قرب حدود البلدين. جماعة 8 آذار تتهم الرئيس ميشال سليمان بتأجيج نار الخلاف، لأنه وصف في خطابه ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة» بأنها «ثلاثية خشبية». وقد اتخذ «حزب الله» من هذا الوصف حجة لنسف الصيغة التوافقية، متجاوزاً بذلك «إعلان بعبدا»، وما يتطلبه من التزامات. لذلك، شنَّت وسائل الإعلام التابعة له هجوماً قاسياً على الرئيس جاء فيه: «أن الخطاب الذي سمعناه يجعلنا نعتقد أن قصر بعبدا بات يحتاج إلى عناية خاصة، لأن ساكنه لا يميّز بين الذهب والخشب». وبعد فترة قصيرة جاء جواب الرئيس سليمان على النحو الآتي: «القصر الرئاسي في حاجة إلى الاعتراف بالمقررات التي تم الإجماع عليها». وكان بهذا الرد يشير إلى «إعلان بعبدا» الذي صدر عن هيئة الحوار الوطني، واتفق كل المشاركين في وضعه على احترام مقرراته والتقيّد بنصوصها. ومع أن تلك المقررات تتألف من 17 بنداً، إلا أن الرئيس سليمان لمَّح في كلمته إلى بندَيْن، هما: (12) تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية، وتجنيبه الانعكاسات السلبية للتوترات والأزمات الإقليمية، وذلك حرصاً على مصلحته العليا ووحدته الوطنية وسلمِه الأهلي. (13) الحرص تالياً على ضبط الأوضاع على طول الحدود اللبنانية - السورية، وعدم السماح بإقامة منطقة عازلة في لبنان، وباستعمال لبنان مقراً وممراً، أو منطلقاً لتهريب السلاح والمسلحين. «حزب الله» طلب من الرئيس سليمان مراجعة الظروف التي فرضت «إعلان بعبدا»، مذكراً بأن المستجدات الأمنية في سورية بدَّلت من طبيعة الأوضاع التي دَعَت إلى اتخاذ موقف محايد. ومن هذا الواقع قال السيد حسن نصرالله في خطاب التبرير: «إن الحرب التي يخوضها الحزب في سورية، هي حرب الدفاع عن النفس، لأن الحزب مُستَهدَف كسورية أيضاً». وعلى هذا التبرير علق رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري بالقول: «إن الذرائع التي يقدمها «حزب الله»، لتبرير تدخله في سورية، غير مقنعة. والسبب، أنه في البداية ادّعى أن وجوده في دمشق مرتبط بحماية بعض الأماكن الدينية كمقام السيدة زينب. ثم تغيّرت الحجة فقال إنه هناك لمقاتلة التكفيريين. والحقيقة أن مساعدة النظام جاءت بطلب من إيران التي تتطلع إلى حماية نظام الأسد كمصلحة إقليمية توازي مصلحة الدفاع عن مشروعها النووي». من هذه الزاوية تتطلع جماعة 14 آذار إلى «حزب الله» كقوة داخلية وُجِدَت من أجل محاربة العدو الإسرائيلي، ولكنها سرعان ما تحوَّلت إلى قوة خارجية تقاتل من أجل الحفاظ على نظام الأسد. كما تقاتل من أجل حماية مصالح إيران في المنطقة. وهي في الحالين تهمل مصلحة لبنان واللبنانيين. وبين الدفاعات السياسية التي يشهرها موظفو قصر بعبدا في وجوه المعترضين، خطاب القَسَم الذي حدَّد فيه الرئيس ميشال سليمان خطوط الاستراتيجية لمرحلة عهده (25 - 5 - 2008). قال: «إن نشوء المقاومة كان حاجة في ظل تفكك الدولة. واستمرارها كان في التفاف الشعب حولها، وفي احتصان الدولة - كياناً وجيشاً لها. ونجاحها في إخراج المحتلّ يعود إلى بسالة رجالها، وعظمة شهدائها. إلا أن بقاء مزارع شبعا تحت الاحتلال، ومواصلة العدو تهديداته وخروقاته السيادة، يحتِّم علينا رسم استراتيجية دفاعية تحمي الوطن». ثم دعا في خطاب القَسم إلى الاستفادة من طاقات المقاومة، خدمة لتلك الاستراتيجية. ومع إصرار إسرائيل على الاحتفاظ بمزارع شبعا، كان صعباً على الرئيس سليمان تجريد المقاومة من سلاحها، خصوصاً أن عملية تسليح الجيش النظامي تحتاج إلى موازنة ضخمة، في حال قررت القيادة القيام بالدورين معاً. وتجنباً لهذا المأزق، اقترح بعض النواب على «حزب الله» إعادة تشكيل صفوفه بحيث يتخلى عن مذهبية الشراكة، ويقبل بغير الشيعة داخل هذا الجسم المقاوم. ومثل هذا الاقتراح لاقى الترحيب لدى أحزاب أخرى، كان في طليعتها الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي دشَّن نشاط المقاومة في الجنوب بعملية انتحارية قامت بها سناء محيدلي. ومن دون أن يعلن «حزب الله» رفضه هذا الاقتراح في شكل علني، قرر الاحتفاظ بشيعية تشكيلاته، حرصاً على السرية التامة، وانسجاماً مع مطالب إيران التي وفَّرت المال والعتاد. وفي اقتراح آخر، حاول فريق من النواب تقليد ثورة الجزائر التي أطلقت شعار: الشعب والجيش والمقاومة. ومع مشاركة الأركان الثلاثة، أعطِيَ القرار النهائي للدولة. وهذا ما حاول الرئيس سليمان تطبيقه من وراء الإصرار على تنفيذ مقررات «إعلان بعبدا». ذلك أن البندين 12 و13 يتحدثان عن تحييد لبنان عن سياسة المحاور، ويجعلان من الدولة رقيباً على ضبط الحدود. والملفت أن «إعلان بعبدا» حرص على نقل العبارة الشهيرة التي تبنّاها رياض الصلح أثناء رسم السياسة الخارجية: «لا نريد لبنان أن يكون للاستعمار ممراً أو مُستَقراً.» وعلى النهج ذاته جاء في «إعلان بعبدا»: «وعدم السماح بإقامة منطقة عازلة في لبنان، وباستعماله مقراً أو ممراً لتهريب السلاح والمسلحين». عقب تورط روسيا في أوكرانيا، وانشغال إيران في معالجة مشاكلها مع دول الخليج العربي، أصبح مقاتلو «حزب الله» هم العماد الأساسي لحماية نظام الأسد. والثابت أن المراسلين التقطوا صوراً لجنود روس يقودون دبابات في معارك قرب دمشق، الأمر الذي يدحض مزاعم موسكو بأنها لم ترسل إلى سورية سوى مستشارين فقط. وتتخذ المعارضة الأوكرانية من هذه الصور حججاً لتدخل بوتين في مناطق نائية بهدف الإثبات أن روسيا، في عهده، بقيت إمبراطورية شاسعة يمتد نفوذها إلى المياه الدافئة. من أجل إلغاء الالتباس الحاصل بسبب السماح لـ «حزب الله» بلعب دور مزدوج على الساحتين اللبنانية والسورية، طالب النائب مروان حمادة بضرورة إدخال لبنان في قائمة الدول المحايدة مثل سويسرا والنمسا وبلجيكا. وقال حمادة في اقتراحه إن الحياد القانوني وحده يمكن أن يحصِّن استقلال لبنان ويصون وحدته وسيادته. وهو يرى أن مفهوم الحياد يضع الدولة خارج أي نزاع مسلح بين دول أخرى. تماماً كما يطالب «إعلان بعبدا». كذلك يمنع على الدولة الحيادية الانضمام إلى معاهدات عسكرية أو وضع أراضيها في تصرف الدول المتحاربة. وهذا يعني أنه يحظر على إيران أو سورية استغلال الأراضي اللبنانية للقيام بأعمال تضر بمصالح شعبه. الوزير الراحل محمد شطح تحدث قبل اغتياله بأسبوعين، عن ضرورة تحييد لبنان لأن حال الاستباحة التي فرضتها الأحداث عليه، نقلته من الانتداب الفرنسي إلى الانتداب الفلسطيني... ومن الانتداب السوري إلى الانتداب الإيراني. وبما أن الشعور بالقلق الدائم يدفع الطوائف إلى الارتباط بدول خارجية، فإن الوضع المحايد يفك هذه العلاقة. حول هذه المسألة الحساسة، كتب المحامي عبدالحميد الأحدب ينبّه إلى المحاذير التي تفرضها هذه العملية المعقدة. وقال إن لبنان عندئذ مضطر للخروج من الجامعة العربية، وإلى عقد معاهدات مع الدول العربية، وإلى تغيير دستوره، وإلى إجراء استفتاء شعبي يشير إلى حق المجتمع في اختيار مستقبله. جميع هذه القضايا المعقدة تشكل عوائق قانونية يصعب تطبيقها قبل أن تتغير أوضاع الدول العربية. أثناء لقائه مع الإعلاميين في الفندق الباريسي، تحدث الرئيس ميشال سليمان عن أمور كثيرة كمسألة النازحين السوريين، وهبة السعودية للجيش، وموضوع رئاسة الجمهورية. وقال إنه أوضح للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، وللوزير الأميركي جون كيري، أهمية إجراء انتخابات الرئاسة في موعدها. واعتبر أن الهجوم الذي شنه «حزب الله» عليه، سببه تحديد مواصفات الرئيس المقبل. وبما أن هذه المواصفات لا تنطبق على مرشحي 8 آذار، فقد تبارى المستنكرون لإذكاء حملة التجريح. وفي نهاية «الدردشة» أكد الرئيس أنه متشوق لمغادرة منصبه. في حين أعلنت الوزيرة أليس شبطيني أن المآزق التي قد تتعرض لها عملية الانتخابات، ستشجع النواب على تمديد ولاية ميشال سليمان. ورأى البعض في تصريح الوزيرة، القريبة من القصر، استفزازاً لميشال عون الذي انتقد حكمها في شأن الضابط الجاسوس. على كل حال، تميل كفة القوى المؤثرة في انتخابات الرئاسة اللبنانية، إلى اختيار شخص قادر على ضبط الأمن، وتوظيف قدرات الجيش والدرك والشرطة، لمنع الانهيارات التي سيتعرض لها لبنان خلال المرحلة المقبلة. وكما وقع الاختيار على وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي كي يتولى عملية إنقاذ مصر من «الإخوان المسلمين»، فقد يميل الاتجاه في لبنان إلى محاكاة هذا القرار. وبسبب التماثل السياسي القائم بين لبنان واليمن، فإن صنعاء اهتدت إلى القائد العسكري السابق عبد ربه منصور هادي، كي يحل مشكلة التقسيم والميليشيات العشائرية. لهذه الأسباب وسواها، بدأت مشكلة رئاسة الجمهورية في لبنان تتبلور على ضوء ما حدث في أوكرانيا، على اعتبار أن الرئيس المقبل يجب أن يركز اهتمامه على القضايا الملحة كالنزوح السوري والاقتصاد المتعثر والأمن المضطرب، خصوصاً أن الوضع السياسي المنقسم، بين 8 آذار و14 آذار، يرشح لبنان لأن يكون أوكرانيا الشرق الأوسط!     * كاتب وصحافي لبناني

مشاركة :