نمر هذه الأيام بالذكرى الـ100 على اتفاقية سايكس بيكو التي أدخلت المنطقة في دوامة لم نخرج منها.. وهناك من يقول إن ما يحدث من مآس متسارعة في المنطقة كلها, باستثارة كل نعرة واستغلال كل نقطة ضعف فئوية للصراع والتفتت وتمزيق أوصالها, هو استكمال لما خطط له ولم يعلن في ذلك التاريخ المشؤوم من إعادة رسم خارطة المنطقة ليحقق أهداف الصهيونية في التمدد والتوسع والهيمنة اقتصادياً على مواردها. هل هي تهيؤات نظرية المؤامرة؟.. ربما و ربما لا.. التاريخ متواصل.. والسياسة هي تساؤلات عن أي قرار يتخذ في أي لحظة منه. الإجابات الصحيحة تحول صانع القرار إلى قائد يبني أو مدمر يحطم وطنه. وليس كل صانع قرار مسلحاً بالمعرفة أو الذمة التي تنتج القرار الباني. منذ 1948 نتساءل: من صديقنا ومن عدونا؟ وهل نستطيع أن نمنح ثقتنا لأحد؟ ونهمش حقيقة أنه - خلافا للمثاليات الخطابية - لا صداقات ولا تحالفات ولا اتفاقيات دائمة ولا ثقة مستحقة. المسألة دائماً مصالح خاصة يتشبث بها كل طرف فيتعامل حسب إملاءات رؤيتها قرباً وبعداً من الآخرين. المخيف أننا إذ نستغرق في النظر حولنا أو إلى الوراء لنتأكد؛ من ارتكب ماذا؟ ومن خان أو يخون من؟ من طغى ومن يستحق العداء أو الثقة؟ ننشغل عن استيضاح المستقبل. وقد يكون هذا هو القصد المحوري من كل حدث والفاعل مستتر. من طبيعة العرب قدرة تتبع الأثر.. وذاكرة لا تبلى. ولم نتفق على من هو الفاعل المستتر في أي حقبة زمنية. في الخمسينات قامت الثورات الشعبية بقوة العسكر وتعالت نداءات الوطنية وتشجيع القومية العربية. وفي الستينات ازدهرت أحلام الوحدة العربية, وفي مواجهاتها التحالفات الإسلامية, وتحزب الإخوان المسلمين. وفي السبعينات طفحت نزعة الإستبداد الدكتاتوري, وتهم التغريب والتخوين ومحاولات الاستقطاب. وفي الثمانينات جاءت طفرة الدخل الخليجي ملتبسة بالصحوة القائمة على تضخيم الشعور بالذنب, وابتدأ تسرطن الانشطار في الصراع بين الهوية العربية مستمدة قوتها من وحدة اللسان, أو الدينية مستمدة قوتها من العقيدة عبر الفروقات الإثنية و التاريخية الجغرافية. ثم جاءت حقبة الحكام والحكماء العرب المستبدين باسم «الثورة» العابرة للحدود أو محاربتها. وكان هناك دائماً مصطادون في الماء العكر. اشتعلت حرب الخليج الأولى لثماني سنوات دفع فيها الخليجيون أتاوة الحماية لصدام حسين. وحين عجز عن إيران حوّل وجهته في التسعينات لنهب الكويت. هل كان ذلك بتشجيع فاعل مستتر؟ ربما!.. وربما هو نفس الفاعل الذي أثبت تهمة تقدم صدام لمهاجمة السعودية بصور فضائية. وهو نفس من برر العودة إلى العراق بتهمة حيازة أسلحة الدمار الشامل, فأجهز على ما تبقى من قوتها ووحدتها وأمنها الخارجي بالقضاء على نظام الحكم.. وتركها لتعاني التحلل البطيئ مع تسلل الفرس للتحكم فيها تحت شعارات مذهبية مضللة وعدوانية. الحاضر وليد الماضي؟.. نعم!. ولكن يمكن أن نجعل القادم وليداً مخططاً له بعقلانية وفاعلية ورؤية واضحة التوجه تركز على المستقبل. نتفق كمتخصصين أن ليس المهم فقط أن نستوضح ما حدث في الماضي، بل الأهم أن نتبين ما قد يحدث في المستقبل.. والمستقبل ليس غمامة بعيدة تخفي كل التفاصيل. أما بالنسبة لعموم المواطنين فمن الضروري أن يعوا أن انشغالهم بتفاصيل أخطاء الماضي التي تسبب ارتباكات الحاضر يجب أن يزاح من ثقافة تعاملنا مع الأحداث وأن نثق أننا قادرون على محو عرف الفساد من ممارسات الحاضر, وأن نفشل أي مخططات مترصدة, ونتخطى أي أخطاء, باستعادة الثقة بأنفسنا وباستقرار الجوار القريب. إن تم هدم بعض المواقع فالحل في إعادة البناء واستعادة الصفاء الإقليمي. وسأوصل معكم في حوارنا القادم،،،
مشاركة :