الموت الغامض والانتحار والحب والغيرة.. كلها قصص محيرة وغامضة قد تقف خلف النهايات المأساوية للمشاهير الذين مضوا ولم يعرف أحدا السبب الحقيقي وراء موتهم، تماما مثل الأسطورة التي نعرفها جميعا عن جنون فان جوخ الذي قطع أذنه وأهداها لحبيبته ثم أطلق النار على رأسه، والتي أصبحت أسطورة غير حقيقية بعدما أثبت الباحث مارتن بايلي أن كل ما سبق ليس صحيحا، وسرد حقائق قد تغير مسار تاريخ الفن. يظل انتحار فان جوخ لغزا، ووقوعه ضحية للأمراض النفسية التي دفعته لقطع أذنه بشفرة قبل انتحاره بعاما ونصف العام عانى خلالها من الأمراض النفسية والاضطرابات السلوكية. ولعدة عقود لم يتمكن أحد من معرفة الأسباب الحقيقية في هذا الشأن، بدءًا من الصرع، والانفصام في الشخصية، والإفراط في معاقرة الكحول، والاضطراب العقلي، وصولًا إلى ما يُعرف بـ«اضطراب الشخصية الحدية أو البينية». نظرية جديدة نشرتها صحيفتي «التليجراف» و«الجارديان» اليوم، تفيد بدلالة قطع فان جوخ لأذنه والتي ترجح إلى أنها حادثة بعيدة تماما عن المرض النفسي أو العبقرية. وتقول الدراسة التي نشرتها التليجراف، إن ما حدث لفان جوخ هو تطورا دراماتيكيا لخلاف بينه وبين أخيه وخلصت الدراسة إلى أن فان جوخ قطع أذنه بسبب خوفه من الإفلاس بعد زواج أخيه ثيو من حبيبته الهولندية جوانا بونجر، وخوفه من أن يتوقف ثيو الداعم المالي الوحيد لفان جوخ. واستنتج الكاتب مارتن بايلي في كتابه «استوديو الجنوب»، أن فان جوخ علم بخبر زواج شقيقه من الرسالة التي أرسلها له من باريس والمؤرخة بتاريخ الأحد 23 ديسمبر 1888. وهو نفس اليوم التي وقعت فيه مشادة بين فان جوخ وصديقه الفنان بول جوجان، بعد أن كانا يعملان سويا طوال الليل في أجواء ممطرة ويقول بايلي إنه متيقن من أن الأخبار السيئة بالنسبة لفان جوخ، والتي وصلته من شقيقه هي التي دفعته لقطع أذنه وليست خلافاته مع صديقه الذي قرر تركه والعودة إلى باريس. وكان ثيو شقيق فان جوخ قد أرسل لوالدته يطلب منها الأذن بالزواج، وارسلت جوانا لشقيقها أيضا تطلب أذن الزواج، ووافقت العائلتين وباركا الزفاف، وهي الأنباء التي كانت مكتوبة في الخطاب المؤرخ في نفس اليوم 32 ديسمبر والتي شعر فان جوخ بسبها بأن حياته مهددة. بعد هذه الأنباء قطع فان جوخ أذنه بالكامل بواسطة شفرة حلاقة ولفها في أوراق، وألقى بها إلى خادمة تعمل في بيت دعارة وكانت ابنة لأحد المزارعين. وكان معروفا، أن فان جوخ قطع جزءا من أذنه وأهداها لعاهرة كان يحبها وهو ما ضحدته الاستنتاجات الحديثة التي قام بها برناديت مورفي، والذي حلل رسما للطبيب المعالج لفان جوخ حيث بيّن الرسم أن فان جوخ قطع أذنه كاملة. في صباح اليوم التالي وبعد تلك الليلة الدموية عاد جوجان صديق فان جوخ إلى المنزل، وكان ذلك عشية عيد الميلاد، حيث وجد الشرطة على أعتاب البيت، والفنان يرقد في سريره غارقا في الدماء. إلى جانب شقيقه ثيو، الذي كان يأمل في قضاء عيد الميلاد الأول مع خطيبته، لكنه وصل لزيارة شقيقه بعد أن أطلق سراحه يوم 7 يناير/كانون الثاني حيث تم التحفظ عليه في غرفة معزولة بالمستشفى. بعد تلك الحادثة كتب فان جوخ رسالة إلى شقيقه وكتب فيها:«قريبا جدا ستعود الأيام الجميلة وسأبدأ في البستنة وزع الزهور مرة أخرى»، إلا أن حالته النفسية ازدات سوءا، ومر بنكسات أخرى دخل فيها المستشفى وظل مستمرا في الرسم حتى غادر مدينة آرل الفرنسية التي أقام بها. ويقول بايلي، إن فان جوخ أنتج في تلك الفترة أفضل اللوحات على الرغم من أنها أكثر الفترات بؤسا في حياته، في تلك الفترة رسم أشهر لوحة لسريره ذو الوسادة المزدوجة، ويشير بايلي بشكل مؤثر إلى أن الوسادتين في اللوحة إذ تشيران إلى الأمل العالق لدى فان جوخ في أن تشاركه امرأة الفراش» في عام 1890 أرسل سرير فان جوخ عن طريق السكك الحديدية إلى أفير في شمال باريس، حيث عاش هناك آخر أيامه قبل انتحاره، في يوليو/ تموز من نفس العام، ومات ثيو بعده بعام، وورثت السرير أرملة ثيو، واستخدمته في دار ضيافة صغيرة في هولندا، وكانت هناك مفاوضات لإرجاع السرير إلى بيت فان جوخ الأصفر الذي تحول إلى متحف، ولكن تم تدمير المبنى في الحرب العالمية الثانية. بايلي كان قادرا أن يتتبع أكثر من هذا، فسرير فان جوخ تبرعت به أرملة ثيو للقرويين الذين دمرت منازلهم أثناء الحرب، ولكنه مازال يخمن أن سرير خشبي قوي يمكن أن يكون ما زال موجودا في مكان ما غير معروف. فان جوخ هو الآن واحد من الفنانين الأكثر شهرة في العالم، وهو الأسطورة التي حيرت الصحفيين منذ 1880 خصوصا فيما يتعلق بلغز وفاته وقطع أذنه ومعاناته النفسية.
مشاركة :