الدراما السورية وخطوة نحو الثورة

  • 12/30/2013
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تبقى للفنون عامة دور كبير في ثقافة الشعوب، وكثير من الدول تشتهر بفنونها وتكون مصدر قوتها أكثر من ثرواتها البترولية أو منتجاتها الصناعية أو قوتها العسكرية، فالفن رسالة معبرة عن أي شعب أو أي دولة، ومع السيطرة الشاملة للمرئيات على تفاصيل حياة الإنسان، أصبحت السينما والدراما ذات تأثير كبير على المتلقي، فالسينما الأميركية مثلاً والمنتجة في هوليود هي إحدى أهم أسلحة أٌقوى دولة في العالم، ونسبة كبيرة من الأفلام هي ذات رسالة سياسية واضحة تخدم مصلحة السيطرة الأميركية على العالم، وكذلك جميع الدول تسير فنونها لخدمة شعوبها، وسوريا ليست استثناء من ذلك، ومع ضعف النتاج السينمائي السوري الذي يكاد ينعدم تقريباً، لأسباب كثيرة، ومعظم الأفلام المنتجة هي تابعة لمؤسسة السينما التي لا تختلف عن أي مؤسسة سورية أخرى من جميع النواحي، هذا الأمر أدى إلى سيطرة الدراما السورية وتفضيلها على السينما، حيث تميزت هذه الدراما منذ نشأتها بتكامل العناصر الفنية والاقتصادية فيها وتحولها إلى صناعة تحقق دخلاً جيداً من الناتج القومي، وتحققت لها العوامل للتطور والنجاح، فأصبحت الدراما السورية هي أكبر رسالة معبرة عن الشعب السوري، بمبدعيه وفنانيه الذين دخلوا إلى كل بيت في الشرق الأوسط، وتعدى ذلك إلى بعض النجاحات العالمية، ورغم أن هذه الصناعة كغيرها من الصناعات، تخضع لسياسة الدولة وأشرافها المباشر، إلا أن الدراما السورية كانت تحظى بامتيازات إضافية، أو كانت تسبق بخطوة عن نظرياتها مثل الإعلام الرسمي والمطبوعات بشكل عام، فكانت هناك الكثير من الأمور التي كانت محظورة في الإعلام، ولكن كانت الدراما تطرحها بشكل مباشر أو غير مباشر وكانت تستطيع تمرير الكثير من الرسائل سياسية كانت أم اجتماعية، وتجلى ذلك في الكثير من الأعمال الذائعة الصيت بإمكاننا القول بأنها كانت تملك نواة الثورة بطريقة أو أخرى. مرايا في البداية المسلسل السوري الأشهر ربما، والأكثر انتشارا في الشرق الأوسط، هذه السلسلة الشهيرة التي انطلقت في بداية الثمانيات والتي قام ببطولتها الفنان السوري الكبير ياسر العظمة، مع المخرج الشهير هشام شربتجي، والتي تميز بلوحات قصيرة تتعدد فيها الشخصيات والحكايات في كل مرة حسب ما تقتضيه الحاجة، وكان عملاً نقديا كوميدياً وعلى طول ثلاثين عاماً، قدمت مرايا أكثر من ألف لوحة تناوب على إخراجها العديد من الأسماء، وطرحت من خلالها الكثير من القصص السياسية والاجتماعية، وركزت على الفساد المنتشر في سوريا، بطريقة غير مباشرة ومباشرة أحياناً. إن المتتبع الذي يشاهد حلقات مرايا الآن، يشعر بأن هذا العمل صيغت حكاياته في وقتنا الحالي، وهذه نقطة قوة العمل في استقراء الواقع، وأن كان العمل يطرح المواضيع بطرق غير مباشرة، ويتناول أخطاء المسئولين والضباط وأصحاب النفوذ، ويفضح سياسة أصحاب الكراسي والرشوة والفساد وجميع الأمور التي كان المواطن السوري يعاني منها، ولم تتوقف القصص في تبني شخصيات المسئولين بل تعدى ذلك إلى الشخصية التي تشبه في تفاصيلها شخصية الرئيس بنفسه فتناول العظمة كاركتراً أقرب إلى شخصية بشار الأسد، وطرح موضوع التطوير والتحديث بشكل مباشر وساخر، وأن كان البعض يرى في مثل هذا العمل كمحاولة للتنفيس عن الشعب، فأن هذا العمل بغض النظر عن أي غاية فهو ساهم في توضيح الكثير من الأمور التي حدثت في سوريا في عهد حافظ الأسد وخليفته بشار. بقعة ضوء ومتابعة المشوار على ذات المنوال، تابع مسلسل بقعة ضوء المشوار، وبالطريقة ذاته عبر اللوحات القصيرة، طرح المسلسل السوري الذائع الصيت بقعة ضوء، الكثير من القضايا والأحداث بشكل ناقد وساخر ولاذع أحياناً ما، ورغم أن العمل كان يتبع للرقابة الشديدة، وكانت تتدخل فيه الكثير من الأيادي، وكانت الشركة المنتجة تتبع تعليمات العمل كما تشاء، ألا أن مبدعي العمل استطاعوا تمرير الكثير من الرسائل عبر العمل، وباستطاعتنا القول بأنهم كانوا مع الثورة ولكن خلف كاركتيراتهم المفضلة، وفقط أمام الكاميراً، فأستطاع العمل تقديم العديد من اللوحات ذات الأفكار الجريئة ففضح أعمال ضباط المخابرات بشكل واضح، وكشف طريقة عمل المسئولين وأصحاب المناصب، وتعدى ذلك إلى اتهام واضح وجريء في وصف مسيرة التطوير والتحديث بالبطيئة أكثر من السلحفاة. غزلان في غابة الذئاب وغابة الذئاب الحقيقية على عكس ما قام به مسلسلا بقعة ضوء ومرايا في طرح المواضيع بشكل كوميدي ناقد وغير مباشر أحياناً، تطرق مسلسل غزلان في غابة الذئاب للكاتب السوري فؤاد حميرة أحد أبناء الثورة السورية، والمخرجة رشا شربتجي، تطرقا بشكل مباشر إلى الفساد الكبير في أجهزة الدولة، عبر شخصية الشاب سامر أبن المسئول الكبير والنافذ السلطة والذي كان يقوم بفعل كل ما يحلو له دون أن يخشى شيئاً، فيقوم باستغلال وضع صديقه المعيشي ليقوم بمساعدته في الامتحانات الجامعية، ويقوم بإذلاله كلما شاء، وكذلك يقوم بالتصرف وكأنه في غابة مع أحدى الفتيات الذي يدعي حبه لها، فيوقف سيارته في منتصف الليل ليزمر ويصرخ أمام وقوف وعجز كل من حوله، وأي من يعترض طريقه يعرف ما المصير المنتظر وكذلك في طرح قضية الختم الضائع، وأساليب الصراع عليه، فجاء العمل في كشف واضح لممارسات المسئولين وأولادهم والذين يعتبرون البلد كبستان لهم والشعب فيه سايسي خيل، وهذه الأفكار هي أول ما طرحت أبان المظاهرات الشعبية التي طالب فيها الشعب بالعدالة والمساواة ووقف اعتبار الشعب كغلمان لدى شلة أدعت امتلاك الوطن. الولادة من الخاصرة ومعاصرة الثورة ربما كانت آخر الأعمال التي تناولت الفساد في سوريا قبل انطلاق الثورة، فالولادة التي كتبها سامر رضوان وأخرجتها رشا شربتجي أيضاً، وتناولت قصة الضابط رؤوف، الذي يعتقل كما يشاء ويعذب كيفما يشاء ويقتل دون إي مسائلة وعندما يلقى القبض عليه يذكر البقية أنهم لا يقلون إجراما عنه فيفرج عنه من جديد ليعود إلى طغيانه وتكبره، ويعود طاووساً أكبر مما كان. يتناول المسلسل عبر جزئه الأول الفساد في سوريا ومع عرض المسلسل كانت الثورة السورية قد انطلقت، فأعطى ذلك السبب في الجزء الثاني من العمل لاستكمال الرسائل التي بدأها العمل بقولها في بداية الآمر، ورغم أن موضوع الثورة لم يتطرق لها الكاتب بشكل مباشر، إلى أنه وضع اللبنة والأسباب التي تدعو للثورة، عبر الظلم التي يتعرض له الحي الشعبي الذي يخرج في أول المظاهرات التي تدعو للإصلاح، وهذه اللبنة أعطت البنية للانطلاق في أحداث الثورة في الجزء الثالث الذي تطرق للثورة بشكل مباشر وتناول الكثير من أحداثه من انطلاقتها ومراحل تطورها وتنقلها إلى العمل المسلح، وأن كان العمل يحاول مسك العصا من المنتصف، ولأن مثل هذا العمل يتعرض للكثير من التغير والتعديل وفق الظروف التي عمل بها، ورغم أن العمل لم يتطرق إلى المشكلة الحقيقية في سوريا وهي أن هناك نظام مجرم يقتل كيفما يشاء من أجل السلطة، ألا أنه يحسب له وللدراما بشكل عام أنها لم تكن بحالة الإنكار ذاته، كمان كان الحال في الإعلام السوري، ولم تخرج بحجج مضحكة لتبرير ما يحدث في سوريا كل يوم، بل كان أكثر موضوعية وحاول طرح الموضوع بالظروف الدنيا التي يعايشها أي عمل درامي يطبخ في سوريا. الدراميون السوريون وجه آخر وراء الكاميرا مع ظهور كل هذه الأعمال الدرامية التي طرحت كل الأسباب التي تدعو إلى الثورة، ألا أن موقف الدراميين السوريين من ممثلين ومخرجين ومنتجين، كان معاكساً تماما لأعمالهم، فالغالبية العظمى وقفت إلى جانب النظام، وتناست كل المقولات التي كانت تطرحها في إعمالها الدرامية ويعود ذلك إلى أسباب كثيرة لعلم أهمها قسوة النظام بالتعامل مع هؤلاء الأشخاص والتي قامت بوضعهم تحت ضغوط رهيبة، فكل ممثل وافق على الظهور في قنواته الإعلامية لتبيان أن موقفه هو مع سياسة بشار الأسد حظي بالكثير من المغريات والعمل مع الشركات المفضلة له، وكل من رفض الخروج في مواقف مؤيده له، تعرض للاستبعاد من أي عمل ينتج في سوريا، ولم يقف الآمر هنا بل تعرض للتهديد والاعتقال كما حدث ويحدث إلى الآن، فكانت هذه الظروف دافعاً للكثير من الفنانين للوقوف إلى جانب النظام، والذي دائما ما يخوفهم بالمد الإسلامي الذي يعتبر الفن حراماً، وأن مستقبل سوريا بكله بخطر مع الجماعات التكفيرية والسلفية، ورغم ذلك فأنه كان هناك من وقف مع الثورة قلباً وقالباً ووضع نفسه وفنه في خدمة الثورة حتى النصر. ** جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.

مشاركة :