العناكب القافزة... تسمع الأصوات البعيدة بلا آذان!

  • 11/2/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تسود الرؤية والاهتزازات عالم هذه الحيوانات. تبقي مفصليات الأرجل هذه عينيها مفتوحتين، أو بالأحرى أعينها الثماني كما في حالة العناكب القافزة، بحثاً عن طرائد وحيوانات مفترسة. كذلك تستشعر مدى قرب حيوان آخر من خلال اهتزاز حركته على الأرض، أو الجدار، أو الشبكة حيث تقبع العنكبوت. لكن العنكبوتيات تخبّئ على الأرجح حيلة أخرى في عبها المشعر: الصوت. لطالما ظنّ العلماء أن البصر واللمس يسيطران على حواس العناكب، لا سيما أنها لا تملك آذاناً. واعتقدوا أنها لا تستطيع سماع الأصوات إلا تلك التي تبعد قليلاً عن جسمها. لكنّ بحثاً جديداً يشير إلى أن أحد أنواع العناكب القافزة (Phidippus audax) يستطيع سماع الأصوات من على بعد ثلاثة أمتار تقريباً، ويتمتع على الأرجح بحاسة «عنكبية» إضافية. بول شامبل، الباحث المشرف على الدراسة وهو اليوم عالِم أحياء في جامعة هارفارد، أخبر مجلة Christian Science Monitor في مقابلة هاتفية: {صحيح أننا عشنا مع هذه الحيوانات طوال وجودنا كبشر، إلا أننا اكتشفنا أخيراً أنها تتحلى بمقدرة جديدة كنا نجهلها: عندما نرى أحد هذه الكائنات في المنزل أو الحديقة، صرنا نعرف اليوم أنه يستطيع سماعنا}. يتابع: {لم نعِد كتابة أي مؤلفات أكاديمية أو ما شابه. ولكن يبدو أن الفرضيات المعتمدة التي يرتكز عليها علماء أحياء كثر في تخمينهم مدى قدرة هذه الحيوانات على السمع غير صحيحة}. لا تتمتّع العناكب بآذان تلتقط التبدلات في ضغط الهواء على غرار الثدييات، فكيف يمكن لهذه اللافقريات أن تسمع؟ اكتشف العلماء أن العناكب قادرة على التقاط حركة الهواء المرتبطة بالإشارات المسموعة، ذلك بالاعتماد على شعيرات حسية متخصصة تغطي كامل جسمها. يعرف العلماء منذ زمن أن العناكب تستطيع {السمع} بهذه الطريقة، إلا أنهم اعتقدوا أن العنكبوتيات تلتقط الأصوات التي تحدث ضمن مسافة متر من جسمها. لكن شامبل يؤكد بعد دراسته العناكب القافزة {أن هذا الأمر غير صحيح على الأرجح لأنها تستطيع على ما يبدو سماع أصوات أبعد}، مستخدمةً تلك الشعيرات الحسية الخاصة. يتساءل ناثان مورهاوس، عالم أحياء في جامعة بيتسبورغ لم يشارك في الدراسة، عن كيفية جمع العناكب بين قدرتها على السمع من مسافة بعيدة المكتشفة حديثاً ورصدها اهتزاز السطح الذي أدرك العلماء منذ زمن أنها تستطيع التقاطه. أطلع مورهاوس مجلة Christian Science Monitor: {تبين لي أن هذه الحيوانات تستطيع التقاط الأصوات العالية نسبياً من على مسافة أبعد مما توقعنا}. لكنه أضاف أن العناكب تتمتع بحساسية عالية تجاه الاهتزازات من خلال ما تقف عليه، سواء كان سطحاً صلباً أو شبكتها. وتابع موضحاً: {تنتقل الأصوات العالية عبر الهواء، غير أنها تولّد أيضاً اهتزازات في أشياء مثل الأوراق على الأرض. نتيجة لذلك، بإمكانها في بيئتها الطبيعية أن تتفاعل مع أوجه الأصوات المحمولة في الهواء أو الاهتزازية في بيئتها}. العناكب حساسة جداً تجاه الاهتزازات، ولكن شامبل يذكر أن فريقه بذل قصارى جهده لإلغاء هذا التفسير. يصب المختبر في جامعة كورنيل، حيث أُجريت التجارب، اهتمامه كله على السمع لدى اللافقريات. لذلك يملك معدات خاصة تحدّ من الاهتزازات. علاوة على ذلك، استخدم الفريق مقياس اهتزازات يعمل بالليزر بغية اكتشاف ما إذا كان أي من هذه المعدات يصدر اهتزازات، وعدل بعد ذلك إطار تجاربه وفق ما توصل إليه. يشير جورج أوتز، عالِم أحياء من جامعة سينسيناتي ركّز في بحوثه الخاصة على استشعار العناكب الأصوات المحمولة في الهواء، في رسالة إلكترونية وجهها إلى Christian Science Monitor إلى أن الفريق {أجرى اختبارات على الشعيرات الحسية الطويلة لدى العناكب القافزة وربطها بإدراكها الأصوات المحمولة في الهواء الذي تجلى من خلال النشاط العصبي في منطقة سمعية محددة من الدماغ}. نتيجة لذلك، يؤكد الدكتور أوتز أن هؤلاء الباحثين {قدّموا جواباً إضافياً عن {سمع} العناكب، مفاده: كلتا الآليتان المقترحتان صحيحة. إذاً، لا {يسمع} بعض أنواع العناكب بإدراكه فحسب الأصوات المحمولة في الهواء من خلال أسطح ركيزة مثل الأوراق أو الشبكة، بل {يسمع} أيضاً بواسطة شعيرات حسية ترصد حركة الهواء}. اكتشاف مفاجئ لاحظ شامبل وزملاؤه قدرة العناكب القافزة على السمع من بعيد أثناء دراستهم بصر هذا الحيوان الذي يملك ثماني أعين. يخبر شامبل (كان آنذاك طالب دراسات عليا في كورنيل): {كان فريقنا يعمل على تسجيل نشاط دماغ العناكب القافزة. صحيح أن هذه المهمة لا تُعتبر جديدة أو فريدة من نوعها، إلا أننا طورنا تقنية مبتكرة لإنجازها}. طوّر الباحثون تجربتهم بطريقة تتيح لهم سماع صوت {فرقعة} من الجهاز، كلما أطلقت إحدى الخلايا العصبية في دماغ العنكبوت إشارة. ذات يوم، كان غيل مندا، أحد زملاء شامبل ومعدّ التقرير الجديد، يجهّز المعدات عندما دفع بكرسيه إلى الوراء فأحدث صوت صرير على الأرض، ثم سمع {فرقعة}. أثار ما حدث حيرته، فأعاد الكرة وسمع {فرقعة} أخرى. طلب مندا عندئذٍ مساعدة شامبل وبدآ بمناقشة ما يعرفانه عن سمع العناكب: تستطيع سماع الأصوات القريبة من جسمها فحسب. للتأكد من استنتاجهما، صفّق شامبل قرب العنكبوت، فأطلقت خلية عصبية إشارة وعلا صوت {فرقعة}. يتذكر: {لأبرهن ما أعرفه عن العناكب، قلت: سأواصل التصفيق. ولكن كلما ابتعدتُ، تراجع تفاعلها مع التصفيق إلى أن توقف على بعد عشرات السنتمترات أو ربما متر}. ولكن بعد بضع دقائق، كان يقف على بعد مسافة تفوق ذلك بثلاثة أضعاف عن العنكبوت، وكان لا يزال يصفق وصوت {الفرقعة} يعلو. يخبر: {كان كل ما عرفناه يتعارض مع ما يحدث أمامنا}. لذلك صمّم الفريق تجربة، وتأكد من أن العنكبوت تستطيع التقاط الأصوات التي يصل علوها إلى 65 ديسيبيلاً من على بعد ثلاثة أمتار. لمَ تستشعر العناكب الصوت؟ يشمل أبرز أعداء العناكب القافزة (وغيرها من العناكب) الزنابير الطفيلية. يوضح شامبل وزملاؤه أن العناكب تستطيع على الأرجح سماع صوت خفقان جناحَي عدوها هذا لأنه يتطابق مع الموجات التي تستطيع التقاطها، حسبما أظهر البحث. يقول: {عندما أسمعنا العناكب هذه الأصوات، تجمدت، علماً أن هذا ردّ فعل شائع تعتمده لمواجهة الأعداء}. علاوة على ذلك، تُعتبر العناكب بدورها حيوانات مفترسة لاحمة. لذلك تستعمل أيضاً سمعها على الأرجح لتحديد موقع الفريسة. لما كانت العناكب القافزة تتمتع بثماني أعين وتستطيع رؤية العالم بزاوية 360 درجة، فمن الصعب مباغتتها، حسبما يوضح مورهاوس في مقابلة هاتفية مع Christian Science Monitor. تحمل هذه الحيوانات أعيناً في الجهة الخلفية والأمامية والعلوية من رأسها. لكن الأعين في الجهة العلوية من رأس العنكبوت تُعتبر الأضعف، وفق مورهاوس. لذلك تستطيع الحيوانات المفترسة مباغتتها من الأعلى بسهولة أكبر. يضيف مورهاوس: {لو كنت عنكبوتاً قافزة لرغبت في نظام دعم إضافي}. ولعل هذا السبب الذي دفع هذه العناكب إلى تطوير القدرة على السمع عن بعد، حسبما يقترح. أو ربما ترتبط هذه القدرة برقصات التودد التي يؤديها هذا الحيوان، فبحث مورهاوس يشير إلى أن الذكور يقدمون أغاني اهتزازية بغية جذب الأنثى. يؤكد شامبل أن أسئلة كثيرة ما زالت بحاجة إلى إجابات. فضلاً عن معرفة وظائف هذه القدرة على السمع عن بعد، يرغب العلماء في تحديد ما إذا كانت أنواع أخرى من العناكب تتحلى بها أيضاً. ثمة 5 آلاف نوع تقريباً من العناكب القافزة. لكن هذا البحث الجديد يركز على أحدها: العناكب القافزة الصلعاء (Phidippus audax). يتراوح طول هذه الكائنات الصغيرة بين نصف سنتمتر وسنتمتر ونصف السنتمتر، وتتمتع بقوائم خلفية قوية تستخدمها للقفز بسرعة والانقضاض على فريستها. تنتشر العناكب القافزة الصلعاء في أميركا الشمالية وتُرى عادةً في الحقول، والمساحات المكشوفة في الغابات، والباحات الخلفية، والحدائق. يختم مورهاوس: {لا شك في أن الدراسة ستشجع عدداً من الباحثين على الغوص في عالم هذه الحيوانات الصوتي، علماً أن هذه خطوة لم تُتخذ سابقاً}.

مشاركة :