يُعلن غداً، مع هبوط الليل، تكليف زعيم«تيار المستقبل»الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة الاولى في عهد«شريكه في التسوية»رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، تتويجاً لاستشاراتٍ نيابية ملزمة على مدى يومين، وإيذاناً ببدء مرحلة بالغة الصعوبة تنتظر ولادة الحكومة، التي تشي المؤشرات بأنها لن تكون إلا... قيصرية. واذا كانت التسوية المحلية التي حظيت باحتضان اقليمي - دولي قضت بأن«يعيد»الحريري الجنرال عون رئيساً الى القصر بعدما غادره عنوةً قبل 26 عاماً، فانها أفضت ايضاً الى إعادة عون زعيم«المستقبل»الى السرايا الحكومية بعدما غادرها قبل نحو ستة أعوام بـ«انقلاب سياسي – دستوري»أذيع بيانه من دارة العماد عون نفسه. وثمة انطباع في بيروت ان الحريري، الذي كان ترأس الحكومة بين 9 نوفمبر 2009 و 12 يناير 2011، سيكون على موعد مع مصاعب فعلية في تشكيل حكومته بسبب الموقف الاعتراضي لرئيس البرلمان وزعيم حركة«امل»نبيه بري، الذي لم يكن شريكاً في التسوية التي فتحت الطريق امام العماد عون الى الرئاسة بدعمٍ حاسم من«حزب الله». وتخشى أوساط مهتمة في بيروت ان يصطدم الحريري في تشكيل حكومته بمصاعب مشابهة لتلك التي واجهها إبان تأليفه حكومته السابقة، التي استغرقت ولادتها قرابة الـ4 أشهر، تخللها اعتذاره عن التشكيل ومن ثم تكليفه مجدداً، قبل ان يطيح«حزب الله»وبالتكافل والتضامن مع عون وبري بالحكومة بعد عامين وشهرين على ولادتها. ورغم ان الحريري، وكما هو الآن، كان يملك غالبية برلمانية تتيح له العودة الى الحكم، فإن«حزب الله»استخدم ما بات يُعرف بـ«القمصان السود»للضغط في حينه على رئيس الجمهورية انذاك ميشال سليمان لإرجاء الاستشارات لنحو اسبوع، وتبديل النائب وليد جنبلاط موقفه، ومن ثم تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل حكومة أخرجت الحريري من السلطة. وتوحي ملابسات الواقع الجديد بأن الرئيس بري، الذي يأخذ على الآخرين، ابرام تسوية من خلف ظهره، لن يتساهل في نصب الكمائن للعهد الجديد قبل ان يحصل على ما يريده كـ«شريك مضارب»للرئيسين عون والحريري، وهو الذي سيتكئ على دعم«حزب الله»له، بعدما تفاهما على الحاجة الى إمرار انتخاب عون بأقل أضرار ممكنة وفاءً لالتزامات الحزب. وما مجريات عملية انتخاب العماد عون وملابساتها سوى«دفعة على الحساب»من بري، الذي تعمّد حرمان العهد الجديد من«فوز مرموق»ومن الدورة الاولى عبر تكبير حجم«بلوك»الاوراق البيض، في محاولة لإفهام الآخرين انه كان في مقدوره تعطيل النصاب، وتالياً فانه صاحب فضل في إمرار انتخاب العماد عون، الذي عليه ان يبادله التحية بمثلها. وأبدت أوساط بارزة في«8 آذار»اعتقادها ان«حزب الله»الذي لا يمانع بعودة الحريري لرئاسة الحكومة لن يسميه في الاستشارات، وكذلك الرئيس بري في استعادة لما جرى عند تكليف الحريري تشكيل حكومته السابقة بغالبية 73 صوتاً من اصل 127، (اي باصوات تحالف«14 آذار»). وفي تقدير هذه الاوساط ان«حزب الله»الذي كان امينه العام السيد حسن نصرالله اول المتصلين بـ«الرئيس»عون لتهنئته، يحرص من جهة على انطلاقة واثقة للعهد، لكنه سيكون خلف الرئيس بري في المعركة لانتزاع المكتسبات التي يريدها، فهو اعطى ما لعون لعون وسيعطي ما لبري لبري. غير ان أوساطاً على الضفة الأخرى تعتقد ان العماد عون«المدفعجي»لن يسمح بأي حرب استنزاف لطلائع عهده، وتالياً فان انفتاحه على التفاهم مع الرئيس بري وسواه لا يعني خضوعه للابتزاز، وخصوصاً ان اي عرقلة لولادة سريعة للحكومة ستكون موجّهة للعماد عون وعهده. ولفتت هذه الاوساط الى ان الحريري يدرك ما ينتظره، وهو كان اطلق اشارات ودّ في اتجاه الرئيس بري«ظالماً كان ام مظلوماً»، خصوصاً ان الحريري لا يمكنه تشكيل الحكومة بمعزل عن المكوّن الشيعي (المتمثل بالرئيس بري و«حزب الله») والمرجح ان يتوحد خلف رئيس البرلمان في معركة تشكيل الحكومة.
مشاركة :