عهد جديد وتحدّيات جديدة في لبنان - مقالات

  • 11/2/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لا شك أن عهدا جديدا بدأ في لبنان. يختلف هذا العهد، اذا اخذنا في الاعتبار ظروف انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية عن كلّ العهود السابقة، وذلك رغم ان هناك من جهد من اجل المقارنة بين ظروف التي رافقت انتخاب ميشال عون في 2016 وتلك التي رافقت انتخاب بشير الجميّل رئيسا العام 1982. وهذه مقارنة في غير محلّها لاسباب كثيرة تحتاج الى مقال آخر مخصص لها. من بين هذه الأسباب ان أحدا العام 1982، لم يلجأ الى ورقة الفراغ الرئاسي للضغط على النواب او لحملهم على التوجه لانتخاب بشير رئيسا للجمهورية. الى ما قبل العام 2014، عندما انتهت ولاية الرئيس ميشال سليمان، لم يطل الفراغ الرئاسي يوما، سنتين ونصف السنة. طُرح طوال السنتين ونصف السنة سؤال في غاية الاهمّية كان يتوقف عليه مصير البلد: هل المطلوب استمرار الفراغ السياسي لتبرير الانتهاء من النظام القائم من منطلق ان اتفاق الطائف جاء نتيجة موازين معيّنة للقوى لم تعد قائمة حاليا؟ المهمّ ان لبنان صار لديه رئيس للجمهورية. عاد هناك رأس للدولة. صحيح ان من بادر الى طرح ترشيح ميشال عون كان «حزب الله» الذي ارتبط به منذ فبراير 2006، لكنّ الصحيح أيضا ان «حزب الله» لم يستطع إيصال الجنرال الى قصر بعبدا. تحقّق في الطريق الى قصر بعبدا امران يمكن وصفهما باختراقين. الاوّل التقارب والمصالحة بين «التيّار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية». صار هناك قسم لا بأس به من المسيحيين مع ميشال عون. امّا الاختراق الآخر فيتمثل في تحول القائد السابق للجيش اللبناني الى مرشّح «تيار المستقبل» أيضا. ما فعله الرئيس سعد الحريري يمثل ذروة التجاوز للحسابات الشخصية. بقي هناك امل واحد بانقاذ لبنان، او ما بقي من مؤسساته، عن طريق سدّ الفراغ الرئاسي. تمسّك سعد الحريري بهذا الامل. حاول ذلك منذ البداية، متجاوزا كلّ الاعتبارات الخاصة. رشّح النائب سليمان فرنجية. استطاع إقامة جسور تفاهم مع فرنجية في شأن كلّ ما يمكن ان ينهض بالبلد. بعد سنة على تبني سعد الحريري لترشيح سليمان فرنجية، بقي كلّ شيء على حاله. لابدّ من الاعتراف بانّ عون عرف كيف يجب التعاطي مع «حزب الله». ربما ساعدته العلاقة التي عمرها ما يزيد على عشر سنوات في ذلك. المهمّ ان طرح اسمه اخرج البلد من الفراغ الرئاسي، خصوصا بعدما وضع سعد الحريري الحزب امام لحظة الحقيقة... فأربكه. الى الآن، يغلب التفاؤل على ما عداه، رغم ان ماضي عون لا يشجع كثيرا على ذلك. كان خطاب القسم في غاية التوازن، اقله عندما تطرّق الرئيس المنتخب الى ثلاثة امور أولها التمسّك بالدستور والميثاق الوطني، وثانيها اثارة موضوع عمق الازمة الاقتصادية وكيفية معالجتها، وثالثها النأي بالنفس عن الحرب الدائرة في سورية والحرائق المندلعة فيها والتي اصبح «حزب الله» جزءا لا يتجزّأ منها من منطلق مذهبي بحت. يعتبر خطاب القسم تطورا كبيرا على صعيد مضمون الخطاب السياسي لميشال عون الذي سبق له في الماضي، قبل التحالف مع «حزب الله»، انّ تحدث بدقة شديدة ان عن طبيعة النظام السوري او عن ما هي «ولاية الفقيه» او الدور الايراني في المنطقة. وهذا كلام مسجّل معروفة تماما الظروف التي قيل فيها، كما معروفة الأسباب التي أدت الى التغيير الكبير الذي طرأ على مواقف «التيار الوطني الحر»، خصوصا بعد عودة زعيمه من منفاه الباريسي في العام 2005، اثر استشهاد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. في النهاية، هناك واقع لم يعد في الإمكان تجاهله. هذا الواقع يطرح تحديات جديدة، يظهر ان الرئيس المنتخب يعي مدى خطورتها. من بين هذه التحديات علاقة لبنان بدول الخليج العربي. ربّما كان ذلك وراء اشارته في خطاب القسم الى الكلام عن التزام لبنان ميثاق جامعة الدول العربية، أي ان لبنان الى اشعار آخر، بلد عربي وليس الخروف الأسود في القطيع الأبيض، كما ظهر في الاجتماعات العربية والإسلامية الاخيرة. أيام قليلة ويتبيّن اين اصبح لبنان. هل سدّ الفراغ الرئاسي، الذي سمح لبعض نواب «حزب الله» بالكلام بطريقة متعالية تعكس عجرفة ليست بعدها عجرفة، كفيل بلملمة الوضع؟ الأكيد ان تشكيل حكومة جديدة سريعا سيكون له نتائج إيجابية، في حين ان الجرجرة ستعني انّ «حزب الله» لم يؤيد ميشال عون الّا بعدما حشره سعد الحريري في الزاوية. بكلام أوضح، ايّد «حزب الله» ميشال عون بعدما وضعه الحريري امام خيار كشف نياته الحقيقية او تأجيل ذلك موقتا. والنيات الحقيقية لـ «حزب الله»، التي يرفض كشفها الآن، تتمثّل صراحة في تغيير طبيعة النظام. من الواضح انّ الطريقة التي تعاطى بها مع الانتخابات الرئاسية كانت خطوة في هذا السياق الذي لا يزال قسم كبير من اللبنانيين، خصوصا من المسيحيين يتجاهل مدى خطورته وابعاده والنتائج التي ستترتب عليه. عاجلا ام آجلا سيكون على لبنان مواجهة مشكلة اللاجئين السوريين. حسنا فعل الرئيس المنتخب بالتنبيه اليها عندما قال: «علينا معالجة مسألة النزوح السوري عبر تأمين العودة السريعة للنازحين، ساعين الى الا تتحول المخيمات وتجمعات النزوح الى مخيمات امنية. لا يمكن ان يقوم حلّ في سورية لا يضمن عودة اللاجئين ويبدأ بذلك». هذا كلام كبير يفرض على لبنان الاستعداد منذ الآن لتفادي تفاقم هذه المشكلة الضخمة ومعالجتها مسبقا، هو الذي يعاني منذ ما يزيد على ستين عاما من وجود المخيمات الفلسطينية في أراضيه. ستبدو ازمة اللاجئين الفلسطينيين، بكل اخطارها وسلبياتها، مجرد مزحة مقارنة مع ما ستكون عليه ازمة اللاجئين السوريين الذين بات عددهم يزيد على مليون ونصف المليون لاجئ. لعلّ اخطر ما في الامر، انّ النظام السوري يعمل مع حلفائه الموجودين على الأرض، أكانوا إيرانيين أو روسا، أو ميليشيات مذهبية لبنانية وعراقية وأفغانية، على تهجير اكبر عدد من السوريين من ارضهم. تنفّذ هذه السياسة على حساب دول عدة في المنطقة من بينها دولة مثل لبنان ذات مساحة ضيّقة، لكنّها لا تستطيع التعاطي مع اللاجئ السوري من منطلق عنصري باي شكل. هناك عهد جديد في لبنان. وهناك تحديات جديدة. لا خيار آخر غير الارتفاع الى مستوى هذه التحديات عن طريق حكومة تضمّ شخصيات تفهم في السياسة والاقتصاد وتعي في الوقت ذاته خطورة استمرار البلد في عزلته. ثمة حاجة الى تعاون الجميع، بدءا برئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء وكل وزارة من الوزارات للملمة وضع لا يزال في الإمكان لملمته. ثمة إشارات توحي بانّه لا يزال في الإمكان معالجة الوضع. المهم تحويل هذه الإشارات الى أفعال تؤكّد ان شيئا ما تغيّر في لبنان وان في الإمكان الاستفادة من أخطاء الماضي بدل البقاء في أسره...

مشاركة :