استيقظنا بالأمس لنبدأ الأسبوع الجديد بخبر اعتقال رئيس تحرير صحيفة «جمهورييت» مراد صابونجو، وتفتيش منزله. وفي الأسبوع الماضي كذلك، استيقظنا على زلزال إثر صدور عدد من القرارات الحكومية حددت حال الطوارئ بـ7 على مقياس رختر. وصدر قرار حكومي بتقليص حقوق المتهمين في الدفاع عن أنفسهم ومنعهم من الحديث إلى محام لوقت محدد، وبعدها بيومين بدأ التحقيق مع 18 صحافياً ومسؤول في «جمهورييت» بالاستناد إلى هذه الشروط القانونية الجديدة. ولم نستفق بَعد من صدمة قرار تعيين رؤساء وعمداء الجامعات بدلاً من انتخابهم. وعلق زعيم المعارضة، كمال كيليجدار أوغلو، على ما يجري قائلاً: «الحكومة تغير مواد الدستور في شكل كيفي اعتماداً على حال الطوارئ، وكأنها تسير على طريق إنشاء حزب بعث في تركيا». وفي سياق الحديث عن تأثير السياسة في القضاء والقانون، ألقي الأسبوع الماضي القبض على رئيسة بلدية دياربكر المنتخبة، غولتن كيشاناك. وبعدها سمعنا باعتقال الكتّاب في «جمهورييت» وأعضاء إدارتها. فاتصلت فوراً بصديقي في الصحيفة إردام غول، مدير مكتبها في أنقرة، لأطمئن عليه وأفهم ما يحدث، فأجابني «لم يأت الدور عليّ بعد، لم يعتقلوني حتى اللحظة. والعملية جارية في إسطنبول في مقر الصحيفة الرئيسي». وإردام نفسه كان حبس احتياطياً لمدة 3 أشهر مع رئيس التحرير السابق، جان دوندار، في قضية مشابهة رفعت ضد الصحيفة في شباط (فبراير) الماضي، حين نشرت صوراً ووثائق تؤكد ارسال الاستخبارات أسلحة لدعم المسلحين في سورية. حينها اتهمت الحكومة الصحيفة بدعم جماعة فتح الله غولن التي سربت تلك الصور والوثائق التي حصلت عليها من طريق رجالها في الجيش والاستخبارات والأمن. الصدمة الأكبر جاءت بعد إعلان المدعي العام أن العملية الأمنية التي تجري في صحيفة جمهورييت، جاءت بتهمة دعم المشتبه حزب «العمال الكردستاني» الإرهابي، وجماعة غولن الإرهابية، من دون أن يكون أي من المتهمين عضواً في أي من هذين التنظيمين. ومن الغرابة أن توجه مثل هذه التهم، إلى صحيفة ترفع لواء العلمانية ومبادئ أتاتورك وقوميته. هذه الصحيفة تتهم اليوم بدعم الانفصاليين الأكراد، وانقلابيين إسلاميين من جماعة غولن ؟ شيء لا يعقل ويعصى على التفسير. فلا يمكن فهم أن يسجن كاتب مثل حكمت شتين كايا بتهمة دعم جماعة غولن، وهو تخصص منذ ثلاثة عقود في كشف أسرارها والتحذير منها ومهاجمتها على رغم ما تعرض إليه من تهديدات وضغوط. وذاع صيته في الوسط الصحافي على أنه العدو الأول لهذه الجماعة في عالم الصحافة! كما أن صورة الكاتب أيضن إنغين البالغ من العمر 75 سنة اثناء اقتياده من مبنى الصحيفة إلى عربة الاعتقال، حيث يشد مرافقه الأمني على ساعده وكأن في الرجل قدرة على الهرب، قبل أن يستأذن الأخير في الجلوس قليلاً ليستريح من تعب هرولة الاقتياد التي لا طاقة به عليها بسبب وضعه الصحي، صورة قبيحة تعيد إلى الأذهان مشاهد مشابهة وقعت أثناء محاكمات العسكر في قضايا المطرقة وأرغاناكون. ففي تلك الاعتقالات انتهك القانون، ثم ظهرت براءة جميع المتهمين. الغريب والمريب أن كلام الحكومة مختلف عما جاء في عريضة الاتهام، فهي نأت بنفسها عن الموضوع وقالت إن القضية ليست جنائية وإنما شخصية، في إشارة إلى قضية رفعتها عضوة في الوقف الذي يدير الصحيفة، بسبب مشاكل إدارية مع بقية الأعضاء في مجلس إدارة الوقف. لكن كتاب الزوايا والصحافيين الذين اعتقلوا ليسوا في مجلس إدارة الجريدة. وما حدث في «جمهورييت» يزيد من القناعة بأن ما يحدث هو عملية كبيرة من أجل إسكات الإعلام المعارض، وأن الرئيس أردوغان وحكومته استغلا المحاولة الانقلابية الفاشلة من أجل الانتقام من الانقلابيين وتصفية جميع الخصوم السياسيين وأدوات نقل أصواتهم إلى الشارع. * كاتب، عن «حرييات» التركية، 1/11/2016، إعداد يوسف الشريف
مشاركة :