محمد إسماعيل زاهر نحتفل جميعاً اليوم بدورة جديدة من معرض الشارقة الدولي للكتاب، بعضنا يستعيد ذكرياته القريبة مع معارض الكتب ومختلف القضايا التي تناقشها ، ويأتي على رأسها حال الكتاب ومعدلات القراءة وأوضاع النشر..الخ، والبعض الآخر يمتد به الحنين إلى اللحظة التي أمسك فيها بالكتاب للمرة الأولى مكتشفاً عوالمه والسحر الكامن بين أوراقه، وفريق ثالث يفكر في الكتب الجديدة التي سيحصل عليها، وفريق رابع يوحي له الكتاب بأفكار للنقاش وأطروحات للحوار، وفريق خامس يقرأ الدلالة الحضارية للاحتفاء بالكتاب، فأمة تحتفي بالكتاب وتخصص المعارض والمشاريع المختلفة التي تعتني به، وتخصص أيضاً عاماً للقراءة، هي أمة تهدف إلى السلام وترسيخ قيم التعايش والتسامح، وفريق سادس يمارس عمله بدأب في أروقة المعرض وكواليسه ليخرج بالصورة اللائقة بمكانة الشارقة والكتاب معا، تلك الصورة التي تتسع أبعادها وتتعدد مفاصلها ومنمنماتها يوماً بعد يوم ويلحظها متابع المعرض، فضلاً عن جمهور عريض يذهب إلى المعرض لأغراض شتى. إذاً، فالجميع ينخرطون بصورة أو أخرى في محبة الكتاب، يعبرون بوسائل مختلفة عن هذا الحب، وأيضا يحلمون بتحقيق المزيد من التقدم في الطريق الذي بدأه المعرض منذ خمسة وثلاثين عاماً منطلقاً من رؤية نهضوية عروبية لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، رؤية أقل ما توصف به أنها كانت ولا تزال شغوفة بالكتاب، مهمومة بقضاياه، تسعى دائما نحو الأفضل، والأهم أنها كانت رؤية استشرافية في وقتها، اهتمت بالكتاب ومفاصل التثقيف الأخرى قبل أن تخرج علينا تقارير المعرفة منذ سنوات قليلة وتؤكد تردي الحال العربي في معدلات القراءة والترجمة، ولذلك فعلى الجميع، في ظل اهتمام الجميع الحالي، بأوضاع الكتاب والقراءة بذل مزيد من الجهد لدعم هذه الرؤية وتحقيقها كاملة على أرض الواقع، فأمة قارئة يعني أمة واعية بتاريخها ومدركة لموقعها في العالم، ومستشرفة لمسارات مستقبلها، ويعني أيضا أنها أمة تسعى بدأب لاستعادة دورها في الحضارة. ونحن جميعاً نحتفل اليوم بالكتاب علينا أن نفرح بما حققه معرض الشارقة من تراكم كمي ونوعي لافت، حيث تحول إلى محفل للكتاب، من خلال فعالياته والقضايا التي تناقشها ندواته، وعلينا أن نحلم، كل من جانبه بما يمكن عمله لتحقيق نهضة شاملة للكتاب العربي. فالهدف من الكتاب في النهاية الوصول إلى معدلات مقبولة نرضى عنها جميعا فيما يتعلق بالقراءة بصفة عامة، ثم تعقبها خطوة لاحقة تتمثل في نوعية هذه القراءة، أي أننا ونحن نقدم إجابة عملية عن سؤال كيف نعمل على نشر الكتاب ووضعه في كل يد؟ علينا أن نفكر في سؤال آخر يتعلق بنوعية المقروء، ثم سؤال ثالث يرتبط بحصاد القراءة، بالبذرة التي غرزناها هل أثمرت في الإبداع بالنسبة للنخبة والمنتج الثقافي؟ وهل أثمرت في السلوك والأخلاق والتربية والارتقاء بالحس الجمالي بالنسبة لجماهير القراء؟ وهل أثرت في تشكيل الوعي ؟،..الخ. وهو ما نقصده بمقولة إننا جميعا شركاء في محبة الكتاب، فإذا كانت القيادة الرشيدة مشكورة والمؤسسات الرسمية والجمعيات الأهلية يعملون جميعا بإخلاص على وضع الكتاب في كل يد عبر آليات عدة، وهو ما سيسجله تاريخ الكتاب للإمارات، فإن على بقية الشركاء من مثقفين ومبدعين ومؤسسات إعلامية وجامعات ومراكز بحثية التفكير في طرائق مبتكرة لقياس تأثر المجتمع بكل ما نبذله من جهد من أجل نشر ثقافة القراءة، فدور القيادة الدعم وتذليل المصاعب والتشجيع، ودورنا أن نفكر ونفكر لنكون على مستوى الحلم. ونحن جميعاً نحتفل اليوم بالكتاب، يجب أن يكون حلمنا باتساع مكانة الكتاب، وعلى قدر جذورنا الثقافية الضاربة في التاريخ، وعلى تناغم مع رؤية صاحب السمو حاكم الشارقة، لنحتفل ونفرح ولكن أيضا لنعمل ونحلم، نحلم بهيئة عربية للكتاب على غرار الهيئة العربية للمسرح، تتكون من لجان متابعة ليس لما انجزه معرض الشارقة أو المعارض العربية المختلفة وحسب، ولكن لإبداع مؤشرات تتعلق بنوعية المقروء، ونوعية الكتب المباعة، فأي مثقف يستطيع أن يقول: الأولوية لكتب الطبخ أو للروايات، هي مقولات منتشرة ولكنها تبقى فردية وأحادية وغير موثقة علمياً، هنا يأتي دور الهيئة العربية للكتاب، رصد مثل هذه الظواهر بأسلوب منهجي والعمل على تجاوزها إن ثبتت صحتها، وأي مثقف يستطيع أن يحلل وينظّر ويقول المنتج الإبداعي متدهور من دون أي معايير للقياس، هنا يأتي أيضاً دور الهيئة العربية للكتاب، وأي مثقف يستطيع أن يتباكى على معاناته مع النشر والرقابة، هنا لا بد من وجود هيئة علمية ترصد وتدرس وتحلل، والتخبط نفسه فيما يتعلق بالمواقع الثقافية على الإنترنت، البعض يدينها بشدة بوصفها تؤثر بالسلب، والبعض يشجعها ويؤيدها، هنا دور آخر لهيئة نثق في قدرتها على التحليل الموضوعي والمحايد، وتخبط آخر يتعلق بعزوف الأجيال الجديدة عن القراءة، قضايا عديدة تنتظر مؤسسة عروبية للكتاب تكتسب أهمية وجودها من افتقادنا لسلطة الناقد والمفكر الغائبة عن أفق الثقافة العربية منذ سنوات طويلة، وتتزايد الحالة الملحة إليها في ظل غياب فكرة كبرى يلتف الجميع حولها. ونحن جميعاً نحتفل اليوم بالكتاب، نحلم بمعرض مصغر ودائم للكتاب في الشارقة، يتضمن أحدث إصدارات دور النشر العربية والأجنبية على مدار العام، ينظم فعاليات وأمسيات حول كتاب أحدث ضجة أو كتاب ينتمي لفئة أكثر الكتب مبيعاً...الخ. ونحلم أيضاً بدورية متخصصة في الكتاب وحسب: قضاياه، إشكالياته، عروض أحدث الإصدارات العربية والعالمية..الخ، دورية على مستوى عالمي. ونحن جميعا نحتفل اليوم بالكتاب، لا بد أن نكون على وعي بلحظتنا الراهنة وأن نشر الكتاب ونوعية المقروء مسألة مصيرية بالنسبة لنهضتنا، فنحن لا نملك رفاهية الآخرين الذين يعيشون لحظة ما بعد الحداثة، ولا فارق لديهم نتيجة لتراث طويل ترسخت فيه ثقافة القراءة بين كتاب جاد وآخر للترفيه، وحتى هناك يوجد العديد من المفكرين الذين يتحدثون يومياً عن الانحطاط والأفول والتراجع نتيجة لسيادة ثقافة باتت تفتقد إلى الأفكار الكبرى والأحلام العامة، نحن ما زلنا في بداية الطريق وبالتالي من المهم جدا أن نحلم بطرائق مبتكرة في الترويج للكتب الجادة والثقافة الرفيعة وكيفية تقديمها بوسائل جذابة تبتعد عن النمطية أو الفرض أو الأساليب التقليدية البالية والمنفرة والتي أصبحت ولأسباب كثيرة مادة للسخرية عند البعض، نحن أمة تحتاج إلى ثقافة جادة، وتحتاج إلى مفكرين من طراز رفيع، وتحتاج إلى نقاد مهمومين، وتحتاج إلى فكرة كبرى تلتف حولها لا مفر منها للنهوض، وتحتاج إلى ألف حلم وحلم للتقدم. ونحن جميعا نحتفل اليوم بالكتاب، يجب أن ننطلق من وعي أننا جميعا شركاء في الهم الثقافي نفسه، وشركاء في النهوض بذلك الفاتن والساحر قلب النهضة ورافعتها المسمى الكتاب، لا فارق في العمل على استعادة دورنا في الحضارة بين قادة ومسؤولين ومثقفين وإعلاميين وتربويين وحتى بسطاء، فلكل مسؤولياته ولكل أحلامه، المهم أن نتفاءل وننجز ونؤمن بأحلامنا ونعمل على تحقيقها على أرض الواقع، لاستعادة مكانة رئيسية للكتاب في ثقافتنا أو لاستعادة مكانتنا في العالم على وجه الدقة. ونحن نستطيع.
مشاركة :