طنجة (المغرب) (أ ف ب) - قبل شهر على انطلاق قمة المناخ في مدينة مراكش، يتباهى سكان الأحياء العتيقة لمدينة طنجة المغربية التي تحمل لقب "عروس الشمال" بأحيائهم التي تنافسوا طيلة أكثر من سنة لتزيينها بالجداريات والنباتات في مبادرة بيئية أخرجت تلك الأحياء نسبيا من التهميش. وتكاثفت جهود سكان 13 حيا سكنيا في المدينة لطلاء الازقة بألوان مختلفة وزراعة النباتات ورسم الجداريات، بالتزامن مع إطلاق حملات تنظيف وتوعية على أهمية الاهتمام بالبيئة. ويوضح رفيع الكنفاوي (33 سنة) القاطن في الزقاق 124 من حي ابن بطوطة "جاءت المبادرة من سكان الحي من دون أي تدخل من الأحزاب أو الجمعيات. بدأت بوضع مزهريات عادية لتتطور في ما بعد (...) ما أعطى جمالية للحي لم يكن يتصورها أحد". ويقول السكان ان الأحياء العتيقة في طنجة تفتقر الى مساحات خضراء، ما شجعهم على المبادرة. وتتربع المنازل على الهضاب العالية للمدينة في شكل كتل إسمنتية ضخمة تعلوها آلاف اللواقط الهوائية التي تشوه جمال المدينة. ولا تلج السيارات في حي ابن بطوطة الذي يحمل اسم الرحالة المغربي الشهير الملقب ب"أمير الرحالين المسلمين" والمولود في مدينة طنجة، إلى الأزقة الضيقة المختلفة تماما عن شوارع المدينة الحديثة التي تعج بالاليات والحركة. في مدخل زقاق آخر يحمل الرقم 149، رسم جداري متخيل لابن بطوطة، وضع السكان قبالته جرة ماء بارد لعابري السبيل. على امتداد ثلاثين مترا داخل الزقاق، اعيد طلاء واجهات المنازل بألوان زاهية، فيما وضعت أوان من الطين مزروعة بالزهر أمام أبواب المنازل ووسط الزقاق، وعلقت أوان مزركشة وملونة وزهور على الجدران. وطليت أرضية الزقاق باللونين الأخضر والبنفسجي، وتم تجهيز ممر صغير للمعوقين. ويقول سفيان عبد المطلب (30 سنة) القاطن في الزقاق لوكالة فرانس برس "تعاوننا مع بعضنا رجالا ونساء، أطفالا وشبابا وشيوخا لنقوم بعملية التزيين". ويشير الى ان الاضافة التي قدمها حي ابن بطوطة بالنسبة الى أحياء طنجة الاخرى العتيقة، هي "تبليط الأرضية، وأضفنا مرافق كانت ناقصة" مثل الممر المعد للعجزة وذوي الإعاقة. ويملك حي ابن بطوطة صفحته الخاصة على "فيسبوك"، وبعض أزقته لها ايضا صفحاتها تعرض فيها الانجازات وأفكار جديدة يمكن تطبيقها في المستقبل، ما حقق انتشارا لهذه المبادرة وجعلها تنتقل الى مدن مغربية أخرى. وحاز حي ابن بطوطة الجائزة الأولى لمرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية بمدينة طنجة في شياط/فبراير في مسابقة أطلقها المرصد وشاركت فيها أحياء عديدة بينها حي "بئر الشفاء" الذي شهد خلال السنوات الأخيرة احتجاجات كثيرة بسبب التهميش وغلاء المعيشة. ويقول الناشط الاجتماعي محمد سلمون "كان حي بئر الشفاء يعتبر من الأحياء الهامشية، وبينت مثل هذه المبادرات أنها قادرة على إخراج الأحياء من إلى التميز محليا ووطنيا". وتشكو مناطق مغربية كثيرة من التهميش الناتج عن الفقر وقلة أو سوء الخدمات. لكن سلمون يتوقف عند "مشاكل بيئية أخرى يجب أن يتعامل معها الفاعلون المحليون، مثل التلوث داخل المناطق الصناعية وما تتعرض له الغابة من اعتداءات، إضافة الى تلوث المياه". ففي طنجة، توجد معامل وورش للصناعة داخل الأحياء السكنية، بينما تتعرض مساحة من الغابات فيها للتقطيع بسبب التوسع العمراني. كذلك يوجد فيها مكب نفايات "مغوغة" الضخم المكون في غالبيته من مواد عضوية ينبعث منها غاز الميثان، أحد أبرز الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ويصف الكاتب العام لمرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية عبد العزيز الجناتي مشكلة مكب نفايات "مغوغة" بأنها "وصمة عار على جبين المسؤولين ومتخذي القرار". وكانت طنجة في الماضي منطقة دولية بموجب اتفاق بين فرنسا وإسبانيا وبريطانيا يعود الى 1925 تم توقيعه بعد فرض نظام الحماية على المغرب في 1912، وكان يتم تسيير أمور المدينة بواسطة هيئة تشريعية دولية تضم 18 نائبا أجنبيا وستة مغاربة مسلمين وثلاثة مغاربة يهود. في تلك الفترة، تحولت المدينة الى وجهة معروفة يقصدها مشاهير الفن والأدب والسياسة مثل الكاتب المغربي محمد شكري، صاحب رواية "الخبز الحافي" الشهيرة، والكاتب الأميركي بول بولز، والممثل الأميركي شون كونري، إضافة الى رئيس الوزراء البريطاني السابق وينستون تشرشل. لكن المدينة عانت لاحقا من تداعيات تنامي تجارة المخدرات وارتفاع نسبة الفقر، وتحولت في مرحلة معينة الى معبر للمهاجرين السريين بحكم قربها من أوروبا (14 كيلومترا). ويقطن عروس شمال المغرب نحو مليون نسمة، وتعد ثاني قطب اقتصادي في المملكة بعد الدار البيضاء، وشهدت تطورا سريعا في السنوات الأخيرة بفضل مينائها المتوسطي الضخم ومنطقتها الحرة التي تستقر فيها كبريات الشركات الصناعية العالمية. وتطمح المدينة الى استعادة دورها كوجهة دولية، عبر مشروع طموح يحمل اسم "طنجة الكبرى" أطلقه الملك محمد السادس في 2013 بكلفة حوالى مليار دولار للارتقاء بالمدينة الى مصاف المدن الكبرى في المتوسط. ومن أهم محاور المشروع إخراج المعامل من الأحياء السكنية، وحل مشكلة رائحة مياه الصرف الصحي. إلا ان تنفيذ المخطط يتم ببطء شديد. لكن أبناء طنجة متحمسون لتحسين أوضاع مدينتهم. ويقول عبد العزيز الجناتي إن "الرابح الأكبر" من مبادرة تزيين الأحياء هو مدينة طنجة، مضيفا ان هذا الوعي "انتقل من أحياء طنجة إلى المستوى الوطني". فعند انتشار أولى صور الأحياء العتيقة لمدينة طنجة، أقدم السكان في مدن مثل الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمغرب، وسلا المجاورة للرباط، على القيام بمبادرة مماثلة. وزار وفد من مدينة خريبكة القريبة من الأطلس حي ابن بطوطة للاستفادة من تجربته.
مشاركة :