أخذ قلق القوى السياسية العلمانية على مخاطر هيمنة حركة النهضة الإسلامية على المشهد السياسي خلال الأسابيع الماضية نسقا تصاعديا، حتى أنهم باتوا يحشدون جهودهم لبناء "جبهة" أو "تجمع" سياسي مناهض ينأى بالتجربة الديمقراطية الناشئة عن أي انتكاسة محتملة. وبدا القلق أكثر وضوحا في التصريحات أخيرة لأحمد نجيب الشابي مؤسس الحزب الجمهوري الذي دعا إلى "تكوين تجمع سياسي يجمع نداء تونس ومشروع تونس وحزب آفاق والحزب الجمهوري وحزب المسار اليساري وغيرها من الأحزاب الديمقراطية التقدمية". وبرأي الشابي فإن الضمان الوحيد لمواجهة الاستحقاقات السياسية القادمة وفي مقدمتها الانتخابات البلدية التي يراهن عليها التونسيون لإرساء مقومات الحكم المحلي لأول مرة في تاريخ البلاد، هو وضع حد لهيمنة النهضة وإعادة التوازن للمشهد السياسي بالبلاد. وقال الشابي إن الحزب الوحيد الجاهز اليوم للانتخابات البلدية هو حركة النهضة مشددا على أنه "من غير المنطقي أن يفوز حزبا واحدا بالأغلبية الساحقة لما يتضمنه من تهديد خطير للتجربة الديمقراطية". وتأتي دعوة الشابي وتحذيره في ظل حراك سياسي تقوده قيادات حزبية علمانية في مسعى إلى بناء قوى سياسية من شأنها أن تعيد رسم الخارطة السياسية باتجاه إحداث التوازن المطلوب الذي بات ضرورة ملحة في ظل تدني أداء الأحزاب العلمانية وتشتتها ما فتح المجال أمام الإسلاميين. ويطالب محسن مرزوق الأمين العام لحزب مشروع تونس القوى السياسية العلمانية الديمقراطية بحشد جهودها باتجاه تركيز "جبهة" ديمقراطية تكون كفيلة بمنافسة الإسلام السياسي ممثلا في حركة النهضة. وتلتقي دعوة الشابي من حيث المبدأ مع مواقف مرزوق الذي جاهر في أكثر من مناسبة بأن "الإسلامي السياسي ممثلا في حركة النهضة وفي من يدور في فلكها يعد الخطر الحقيقي الذي يهدد المسار الانتقالي الديمقراطي المحتاج إلى قوة ديمقراطية علمانية منافسة تؤمن بمدنية الدولة وتحترم منظومة الثقافة السياسية اللبرالية التي قادتها الحركة الوطنية ودولة الاستقلال". وبالتوازي مع ذلك يتطلع جزء هام من الرأي العام إلى أن ينجح الرئيس الباجي قائد السبسي في تأسيس حزب الوحدة الوطنية الذي كان بدأ بشأنه سلسلة من اللقاءات والمشاورات مع العلمانيين بما فيهم المعارضين. ويرى غالبية التونسيين أن خطوة السبسي تعد مبادرة إيجابية باعتبارها الآلية الوحيدة التي من يمن أن تقود إلى إرساء وحدة سياسية وطنية حقيقية تنهي حالة التشظي التي يعيشها المشهد السياسي في ظل تدني أداء النداء نتيجة صراعه الداخلي وإصرار النهضة على الاستفادة من هشاشة الأوضاع العامة. ولم يكن قلق القوى السياسية العلمانية على التجربة الديمقراطية بمنأى عن طبيعة التحركات والتصريحات الأخيرة لراشد الغنوشي وللقيادات المقربة منه التي صعدت من خطابها السياسي ملوحة ضمنيا بأن الحركة تعد قوة ورقما مهما ضمن تضاريس الخارطة السياسية. وخلال اليومين الأخيرين، وفي ظل تحركات القوى العلمانية، بدا الغنوشي مستميتا عن الدفاع عن تموقع النهضة حتى أنه ذهب إلى حد الترويج إلى أنه يقود حركة "قدمت عديد التنازلات الفكرية والسياسية من أجل مصلحة تونس ومن أجل إرساء ديمقراطية ناجحة ووضع البلاد على السكة الصحيحة". ولم تزد تصريحات الغنوشي سوى تعميق خشية العلمانيين من استغلال النهضة هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وحالة الاختلال السياسي لفرض سطوتها خاصة وأنه يجاهر بأن "الانتخابات البلدية هي ركن أساسي ضمن أركان البناء الديمقراطي" ما بدا نوعا من المزايدة. وأثارت تحركات القوى العلمانية وجهودهم مخاوف جدية لدى الحركة الإسلامية التي رأت فيها استهدافا لهيمنتها وسطوتها ما دفع بالغنوشي إلى التصريح بأن أي مسعى لبناء قوة ديمقراطية لن يكونه مآله سوى الفشل".
مشاركة :