بأكثر من 90 صوتاً، صار زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري الرئيس المكلّف تشكيل أولى حكومات عهد الرئيس اللبناني المنتخب العماد ميشال عون، وذلك حتى قبل ان تنتهي الاستشارات النيابية الملزمة اليوم والتي من المتوقّع أن ترسو على أكثر من 110 أصوات من أصل 126، وهي ثقة تعتبر كاسحة. ويعني التكليف المرتقب للحريري رسمياً اليوم بما يناهز مئة صوت أو أكثر، وقد يكون رقماً قياسياً اذا تجاوز 104، تكريس «الجزء الأوّل» من التسوية التي أفضت الى انتخاب عون رئيساً على قاعدة «تبادُل الرئاسات» (بينه وبين الحريري)، لتنطلق المرحلة الأدقّ في المسار الجديد والتي تتمثّل في تأليف الحكومة باعتبار انها ستشكّل الاختبار الفعلي لحجم الاحتضان الخارجي للاختراق الكبير الذي شكّله الإفراج عن الاستحقاق الرئاسي بعد عملية «الدفع الداخلية» التي بدا معها غالبية الأطراف وكأنها يلعبون على «حافة الهاوية» في «مخاطراتهم». وستكتسب عودة الحريري الى رئاسة الحكومة للمرة الثانية منذ تسلُّمه دفّة القيادة في التيار السياسي الذي كان يجسّده والده الرئيس رفيق الحريري أهمية بالغ الدلالات بالمعنى الداخلي كما الاقليمي نظراً الى ما يمثّله زعيم «المستقبل» من ثقلٍ يرتكز في جانب أساسي منه على علاقته بالمملكة العربية السعودية. وما يجعل تكليف الحريري ترؤس الحكومة العتيدة ينطوي على أبعاد بارزة هو ارتفاع منسوب التوقعات بأن رئيس البرلمان نبيه بري سيصوّت اليوم لمصلحة تكليف زعيم «المستقبل»، وذلك بعدما كان (بري) من أشدّ المعترضين على انتخاب عون وصوّت له مع كتلته بأوراق بيض ملوّحاً بترجمة «غضبه» على الحريري بعد إبرامه التسوية مع عون بعدم منحه أصواته لرئاسة الوزراء. وفيما تتجه الأنظار ايضاً الى الموقف الذي سيتخذه «حزب الله» في استشارات التكليف، هو الذي أرجأ موعد التسمية من امس الى اليوم لمزيد من التشاور والبقاء «على الموجة نفسها» مع حليفه في «الثنائية الشيعية» الرئيس بري، فإن اي مفاجأة من مثل تصويت الحزب لمصلحة الحريري وهو ما لم يسبق ان فعله لا ابان تكليف زعيم «المستقبل» العام 2009 لمرتين متتاليتين (اعتذر مرة بعد تعثر التأليف) ولا مع الرئيس رفيق الحريري طوال ترؤسه الحكومات بين 1992 و2004)، تبقى مستبعدة رغم حرص الحزب على تسليف عون أفضل الظروف لانطلاقة قوية وفاعلة للعهد، من خلال حضّ بري على تسمية زعيم «المستقبل». وبمعزل عن تصويت «حزب الله» ام لا للحريري، فإن مجرّد تكليف الأخير مع حصوله على أصوات الذين اعترضوا «بالأبيض» على وصول عون للرئاسة (انتُخب بـ 83 صوتاً) من ضمن التسوية المبرَمة مع زعيم «المستقبل»، يعكس اعتبار هؤلاء ان الحكومة الجديدة هي التي تشكّل المعيار الفعلي لتسييل اي تسويةٍ وتكريس الأحجام والتوازنات من ضمن لعبة النفوذ التي تُعتبر الرئاسة الاولى جزءاً مهماً منها ولكن ليس لوحدها. وحسب أوساط مطّلعة في بيروت، فإن اتجاه بري للالتحاق بقطار تسمية الحريري الذي كان كُلف في يونيو 2009 بـ 86 صوتاً (من ضمنهم كتلة بري) والثانية في سبتمبر من العام نفسه بـ 73 (بلا أصوات بري ولا «حزب الله»)، مردّه الى ان المكوّن الشيعي لا يمكنه في ظلّ الإجماع على تكليف الحريري وتسهيل ولادة حكومته ان يظهر وكأنه «عكس سير» المناخ الداخلي، ناهيك عن ان «حزب الله» سيفعل ما بوسعه لضمان إقلاع ٍ سلس لعهد عون، الذي كان الحزب «القاطرة» الرئيسية لوصوله. وفي رأي هذه الأوساط ان بري يضع نصب عينيه مرحلة «التفاوض الصعب» على تأليف الحكومة (لا يُستبعد ان يكون سريعاً) وحصّته فيها كما على وزن المكّون الشيعي فيها، ليس بعدد الحقائب بل بماهيّتها كما بالتوازنات التي تتيح حداً أدنى من الإمساك بخيوط القرار فيها عبر كتلة وزارية مع الحلفاء توفّر قدرة تأثير في مسار السلطة التنفيذية ولو من ضمن « ثلث معطّل»مضمر، لافتة الى ان اي تفاوض من موقع عدم تسمية الحريري تشكيل الحكومة سيضع رئيس البرلمان في موقع أضعف تجاه الرئيس المكلف وعملية»الأخذ والردّ»معه وإن كان بري يملك تفويضاً كاملاً من «حزب الله» بتحصيل كل مطالبه على قاعدة»نحن في مركب (حكومي) واحد»، وذلك بعدما أدى الحزب «واجبه» بايصال عون للرئاسة. وكان بري الذي ترأس امس اجتماعاً لكتلته البرلمانية ودخل «حزب الله»على خط حضّه على تسمية الحريري تفادياً لـ «عيب ميثاقي» في التكليف بحال أحجم الثنائي الشيعي عن التصويت لمصلحة زعيم «المستقبل»، أعطى إشارات الى إمكان السير بالحريري لرئاسة الحكومة اذ قال حين سئل عن امكان اقدام كتلته على تسميته: «هل هناك مرشح آخر؟ من هو؟»، مشيداً بخطاب القسَم «الجيّد» للرئيس عون، وموضحاً «ان حرصه على المشاركة في جلسة الانتخاب الرئاسية وعدم تعطيل نصابها لا يقل أهمية عن انتخاب الحريري لعون»، ومشدداً على انه لولا موقفه ما كانت الجلسة لتلتئم وبالتالي ما كان الجنرال ليُنتخب، ومتمنياً ان «يحمي الله عون ممن حوله، وعلى حد علمي اننا انتخبنا شخصاً واحداً هو عون». وجاء هذا الكلام كانتقاد ضمني لصهر «الجنرال» الوزير جبران باسيل الذي تجاهل تماماً دور رئيس البرلمان في إدارة جلسة الانتخاب. وكان القسم الاول من الاستشارات النيابية التي أجراها رئيس الجمهورية امس انتهى الى تسمية كل مَن التقاهم الحريري لتشكيل الحكومة وهم كتلة «المستقبل»، الرئيس نجيب ميقاتي، تكتل عون، تكتل «القوات اللبنانية»، النائبان ميشال المر ونايلة تويني، النائب خالد الضاهر، النائب فريد مكاري، اضافة الى كتلة النائب سليمان فرنجية وطلال ارسلان والكتائب والنائب وليد جنبلاط. وفي موازاة ذلك، بارك مجلس المطارنة الموارنة انتخاب عون رئيساً، مثمناً «الجهود التي بذلت من جميع الأفرقاء لوضع حد للفراغ»، ومؤكداً « أن العبرة تبقى في الإنتقال إلى مرحلة جديدة من الممارسة السياسية وذلك يقتضي الإسراع في تأليف حكومة كفوءة وقادرة على رفع التحديات، ووضع قانون جديد يؤمن عدالة التمثيل».
مشاركة :