قبل 36 عاما صنع الفنان المسرحي والموسيقي اللبناني زياد الرحباني من بلد صغير مصحا عقليا أنهكته خمس سنوات من الحرب الأهلية، وفي هذا المشفى العقلي ستجد الطوائف اللبنانية جميعها ممثلة بشخصيات تعكس واقع الحال المتشظي على مسرح الوطن الكبير. تجسد المصح العقلي حينها بمسرحية ظلت لعقود في أذهان الناس عبر التسجيل الصوتي فقط، إلى أن قررت شركة لبنانية ترميم الصوت على الصورة، وتقديم هذا العمل كفيلم سينمائي يحمل الاسم نفسه (فيلم أميركي طويل). وقد بدأ عرض الفيلم في دور السينما اللبنانية، في ثاني تجربة توليفية لشركة (ام ميديا) بعد عرضها مسرحية (بالنسبة لبكرا شو)، التي جذبت 155 ألفا على شباك التذاكر مطلع العام الحالي. وتعول الشركة على نجاح مماثل في (فيلم أميركي طويل)، لما لهذه المسرحية من تأثير في وجدان الناس، خصوصا للذين عايشوا الحرب الأهلية ورأوا في زياد الرحباني فنانا يستشرف الحدث ويكتبه لكأنه سيحصل غدا. وبمئة دقيقة عرض تعود الشخصيات المضطربة عقليا إلى لعب أدوارها بإتقان وعفوية مطلقة، لتعكس واقع وطن أصيب بلعنة الطائفية. ومن هذه الشخصيات التي تركت بصماتها على الواقع اللبناني نرى الأستاذ عبد (ويجسد دوره الممثل رفيق نجم) أستاذ الجامعة الباحث دوما عن كشف أسباب الحرب والمؤامرة الأميركية. كما نرى الحشاش أبو ليلى (ويجسد دوره الممثل جوزيف صقر)، الذي تتم معالجته من الإدمان فيجد أن الحرب أكثر ضررا من نبتة الحشيشة، ونزار ابن الحركة الوطنية الذي اكتشف أنه في «خندق واحد مع الرجعية العربية» التي تمول «حركات التحرر العربي»، وزافين الذي يعرف باسم ستيريو (ويجسد دوره الممثل غازاروس الطونيان) تلك الشخصية الأرمينية الواقعة على خط انتماء غير فاصل للهوية، وإدوار (ويجسده زياد أبو عبسي) المتوجس دائما من المحمودات أو الإسلام الساعي إلى التخلص من المسيحيين. وفي الفيلم المسرحية تبرز أغان كثيرة يؤديها جوزيف صقر، وكانت ولا تزال لصيقة باللبنانيين أكثر من نشيدهم الوطني، حيث أصبحت أغنية (يا زمان الطائفية) من أكثر الأعمال الفنية لزياد الرحباني التي تعكس واقع الحال المتشظي طائفيا.;
مشاركة :