بعد يومين من إعلان القوات العراقية بدء العملية الفعلية لمعركة تحرير الموصل من قبضة تنظيم داعش الإرهابي، جددت المنظمات الحقوقية والإنسانية العالمية قلقها على مصير المدنيين داخل المدينة، التي يحاصرها ويسيطر عليها التنظيم المتطرف منذ عامين، ومخاوف من انتقامات طائفية على يد الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران. فمصير أكثر من مليون ونصف، دفع المجلس النرويجي لحقوق الإنسان لأن يصرح أمس بأن العراق سيعيش أوقاتًا صعبة إنسانيًا في حال نزوح سكان الموصل. وتشير تقارير صحافية إلى فرار أكثر من عشرين ألف شخص من منازلهم تجاه المناطق التي تسيطر عليها الحكومة منذ بدء العمليات العسكرية، حسب أرقام نشرتها المنظمة الدولية للهجرة. وفي الوقت ذاته، لا يزال هناك 1.5 مليون شخص عالقين في المنطقة بينهم أكثر من 600 ألف طفل، حسب منظمة «سايف ذا تشيلدرن». أما ميدانيًا، فكانت قوات مكافحة الإرهاب تعمل الأربعاء على تنظيف بلدة قوقجلي المتاخمة للموصل بعد انسحاب الإرهابيين منها، وتقوم القوات العراقية بعمليات تفتيش داخل المنازل وبين المدنيين، تحسبًا لاحتمال اختباء عناصر من تنظيم «داعش». وواصل المدنيون مغادرة قوقجلي الأربعاء، متحدثين عن وحشية تعامل «داعش». وتحدث أحد المواطنين عن معاناته لوكالة الصحافة الفرنسية بقوله: «صادروا جراري وسجنوني لستة أيام. لقد ضربوني، وعندما خرجت لم أعد قادرًا على القيام بعملي». وتحدث المزارع الأربعيني وقال إن التنظيم أجبره على إطلاق لحيته، وعاملوه بعنف، وضربوه. أما والدته فوصفت الوضع بقولها: «كانوا يقتلوننا، دائما يطلبون النقود، لم نكن قادرين على الذهاب إلى أي مكان. عشنا جحيما». على الجبهات الأخرى من أكبر عملية عسكرية يشهدها العراق منذ سنوات، تقدمت قوات الجيش أيضا من المحور الشمالي لتصبح على بعد كيلومترين من الموصل، فيما لا تزال المسافة طويلة أمام قوات الرد السريع والشرطة الاتحادية الآتية من الجنوب. وتلقى القوات العراقية دعما من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ومن مستشارين إيرانيين. وتعتبر الموصل آخر أكبر معاقل الجهاديين في العراق، بعد أن خسر تنظيم الدولة الإسلامية مساحات واسعة من الأراضي التي سيطر عليها في يونيو (حزيران) 2014. ويقدر عدد الجهاديين بين أربعة وسبعة آلاف يقاتلون في الموصل ومحيطها، بينما تتألف القوات الاتحادية والكردية والفصائل المنضوية تحت قيادة الحكومة من عشرات آلاف العناصر. وقال شهود من سكان الموصل لوسائل إعلام عالمية ووكالات أنباء إن «داعش» دعا الأهالي للتجمع داخل المدارس في الأحياء التي يسيطر عليها، ما يبدو أنها عملية لاستخدامهم كدروع بشرية. وتفيد تقارير لمكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بأن التنظيم الإرهابي أعدم نحو 300 شخص في الموصل منذ 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وفقا لمكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. وفي فصل جديد من التصعيد الكلامي بين تركيا والعراق، وصف وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو أمس الأربعاء رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بأنه «ضعيف»، بعدما حذر هذا الأخير تركيا من مغبة اجتياح بلاده. وكان العبادي حذر أول من أمس الثلاثاء من أن اجتياح تركيا للعراق «سيؤدي إلى تفكيك تركيا»، وذلك بعد ساعات على إرسال أنقرة دبابات إلى الحدود التركية - العراقية. وقال تشاوش أوغلو: «إذا كنت بمثل هذه القوة، لماذا سلمت الموصل إلى منظمات إرهابية؟ إذا كنت قويًا، لماذا سمحت لحزب العمال الكردستاني باحتلال أرضك منذ سنوات؟!». وأضاف في تصريحات نقلتها وكالة أنباء الأناضول: «أنت لست قادرًا حتى على محاربة منظمة إرهابية، أنت ضعيف. وبعد ذلك تحاول لعب دور الأقوياء». وتلقي الأزمة العراقية بظلالها على العلاقات بين تركيا والعراق، في ظل إصرار أنقرة على المشاركة والحشد لمعركة تحرير الموصل، في الوقت الذي تحشد إيران من جهتها، مستخدمة حشودًا من الميليشيات الشيعية وعلى رأسها «الحشد الشعبي» للمشاركة في المعركة.
مشاركة :