المسؤولون التنفيذيون في مجال التلفزيون في بريطانيا عادة ما يقتربون من فترة عيد الميلاد مليئين بالمرح الاحتفالي، في الوقت الذي تنفق فيه الشركات والعلامات التجارية الملايين لتشغيل الإعلانات الموسمية على قنواتهم. على أن تلك ليس هذا العام. إيرادات الإعلانات التلفزيونية، التي يُغذّيها عدم اليقين الناجم عن تصويب بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي، من المُقرر أن تتعثر، لتُنهي ستة أعوام من النمو القياسي. وفقاً لعدة أشخاص في صناعة التلفزيون والإعلانات، انخفضت الإيرادات للأشهر الثلاثة المنتهية في نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي، بنسبة 1 في المائة بالمعدل السنوي. ومع قيام كثير من المُعلنين بوضع ميزانياتهم للأسابيع الستة المُقبلة، التوقعات للربع الأخير من العام أسوأ بكثير: يتوقع التنفيذيون والمحللون انخفاضا سنويا يراوح بين 5 في المائة و6 في المائة. إذا تبيّن أن هذا التقدير دقيق، يقول المحللون إن عام 2016 سوف ينتهي دون تغيير أو حتى منخفضا قليلاً عن الإنفاق بقيمة 5 مليارات دولار على الإعلانات التلفزيونية في عام 2015 - ما يدل على أسوأ أداء للعام بأكمله في المملكة المتحدة منذ عام 2009، عندما سحبت الشركات الأموال من سوق الإعلانات بعد الأزمة المالية. يقول دارين تشايلدز، الرئيس التنفيذي لشركة يو كيه تي في، التي تُشغّل قنوات منها ديف وجولد، وتُمثل 10 في المائة من سوق التلفزيون التجاري في بريطانيا، "العام الماضي ربما كان واحدا من أعوام النمو الأقوى منذ فترة طويلة، والجميع خصص بعض المال لأشياء إيجابية سوف تستمر بالحدوث". ويقول: "النصف الأول من العام بقي وفياً لهذه الاتجاه، لكن بعد ذلك حدث استفتاء خروج بريطانيا وتوقف ذلك الاتجاه. الكثير من الإنفاق توقّف وشهدنا السوق تدخل في موقف سلبي". ومن رأيه أن الانتعاش في عيد الميلاد غير محتمل. "ما لم يكُن هناك تدفق ضخم من الأموال المتأخرة، ستنخفض السوق هذا العام. وليس هناك الكثير من الوقت لتحقيق ذلك [المال]". جميع قنوات البث في المملكة المتحدة تشعر بالألم. قالت قناة سكاي هذا الشهر إن إيرادات الإعلانات في القسم التابع لها في المملكة المتحدة، انخفضت بنسبة 3 في المائة بالمعدل السنوي. جوناثان ألان، مدير المبيعات في "القناة 4" ، يقول أيضاً إنه يتوقع "ربعا رابعا صعبا". إلا أن قناة آي تي في، أكبر شبكة للبث التجاري في المملكة المتحدة من حيث الإيرادات، وبالتالي هي التي من المرجح أن تكون الأكثر تضرراً. في تموز (يوليو) الماضي، توقعت القناة أنه بعد دفعة في فصل الصيف من بطولات كرة القدم الأوروبية، ستبدأ سوق الإعلانات بالتباطؤ في أيلول (سبتمبر) الماضي. ستراقب صناعة الإعلانات إصدار قناة آي تي في تحديثها التجاري للربع الثالث في العاشر من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، بحثاً عن علامات على المزيد من التدهور. يتوقع محللون في وكالة جيفريز انخفاضا في الإيرادات يزيد على 8 في المائة للأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2016، في حين أن مذكرة من بنك كريدي سويس تقول إن مشتري وسائل الإعلام قلّصوا توقعاتهم للربع الرابع إلى انخفاض بنحو 9 المائة، خلال الفترة نفسها. سوف تجادل قناة آي تي بقولها إن أية مقارنة بالخريف الماضي هي غير عادلة، لأنها تمتعت بدفعة إعلانية كبيرة من بث التغطية الحصرية لبطولة كأس العالم للرجبي لعام 2015. القناة سوف تتشجع أيضاً من زيادة حصة جمهورها في المملكة المتحدة، التي ارتفعت بنسبة 3.4 في المائة حتى الآن هذا العام لتصل إلى 15.4 في المائة. مع ذلك، فإن الانخفاض الحاد سوف يزيد الضغط بعد محاولة قناة آي تي في الفاشلة لشراء شركة بيبا بيج مالكة إنترتينمنت وان. عرضها بقيمة مليار جنيه لشراء شركة توزيع الأفلام والتلفزيون الكندية، كان يهدف إلى تعزيز فرع الإنتاج فيها وتقليل اعتمادها على إيرادات الإعلانات، التي لا تزال تُمثّل نصف إجمالي أرباحها. أعلنت قناة آي تي في الأسبوع الماضي أنها سوف تُخفّض أكثر من 100 وظيفة كجزء من برنامج لتخفيض التكاليف بقيمة 25 مليون جنيه لعام 2017. قالت المجموعة الأسبوع الماضي، "في وقت من عدم اليقين في أسواقنا الرئيسية، من المهم أن نكون في أقوى موقف ممكن لمواصلة الاستثمار في استراتيجيتنا ومواجهة أي تحديات وفرص قادمة". عوامل اللبس ألحقت الضرر أيضاً بأسهم آي تي في. حيث انخفضت بحدة في أعقاب تصويت المملكة المتحدة للخروج من الاتحاد الأوروبي، لتخسر 20 في المائة في اليوم الذي أعقب الاستفتاء. وكانت قد استعادت بعضا مما فقدته بحلول بداية أيلول (سبتمبر) الماضي، كنها تراجعت مرة أخرى منذ ذلك الحين. مع ذلك، في حين أن عدم اليقين بشأن خروج بريطانيا يجعل عددا من الصناعات أكثر حذراً بشأن الإنفاق على الإعلانات - ولا سيما متاجر التجزئة، المجموعات المالية وشركات السفر - إلا أن بعض المُطّلعين في الصناعة يعتقدون أن هناك عوامل أخرى تفعل فعلها. يقول فيل جيورجياديس، رئيس مجلس إدارة وكالة شراء وسائل الإعلام، بلو 449، إن "المزيد من الناس يشاهدون البرامج في عروض لاحقة (وليس عند عرضها للمرة الأولى) وهذا يؤثر في الجماهير". على الرغم من المخاوف بشأن الاحتيال الإعلاني والإبلاغ عن الشفافية، إلا أن تقرير شركة برايس ووترهاوس كوبرز هذا العام، توقع أن تتجاوز إيرادات الإعلانات الرقمية في الولايات المتحدة التلفزيون لأول مرة في عام 2017. ويُشير آخرون إلى أدلة على أن الانخفاض في الإعلانات التلفزيونية هو جزء من انخفاض أوسع في الإنفاق على التسويق - في أنحاء وسائل الإعلام كافة. من المتوقع أن تنخفض الإعلانات في الوسائل المطبوعة بنسبة 15 - 20 في المائة هذا العام، وذلك وفقاً لوكالة التحليل إندرز، في حين كشف تقرير من "معهد الممارسين في مجال الإعلان" أيضاً عن انخفاض طفيف في إعلانات الهواتف الخلوية في الأشهر الثلاثة الماضية. في مثل هذا المناخ الصعب، بيتر فيلد، مستشار التسويق، يقول إن التلفزيون لا يزال الطريقة الأكثر فعالية للمُعلنين لإحداث تأثير. "ليس هناك دليل على أن التلفزيون يموت أو أنه وسيلة الماضي، فهو يبقى في صحة قوية". على أنه بالنسبة للمسؤولين التنفيذيين في مجال التلفزيون في بريطانيا، الذين لا يشعرون بهذا القدر من السعادة، فإن السؤال هو ما إذا كانت النهاية الكئيبة لعام 2016 ومضة شاذة مؤقتة - أو جزءا من تراجع مرتبط بخروج بريطانيا على المدى الطويل، الذي ستستغرق معالجته عدة أعوام.
مشاركة :