الجزائر تتصالح مع نفسها!

  • 11/3/2016
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

في أروقة معرض الجزائر للكتاب المقام الآن، يمكنك أن تلاحظ بوضوح هذا الإيمان الصريح بضرورة التصالح مع الماضي، وسوف تجده بارزا في مطبوعات وزارة الثقافة الجزائرية التي قامت بإصدار نحو 40 كتابا باللغة الأمازيغية، والتي ظلت ممنوعة من التعبير عن كينونتها لسنوات طويلة، كما وجدناه في إجابة السائق الذي نقلنا من مطار هواري بومدين إلى فندق الإقامة، وهو يرد على تساؤلاتنا بلا طنطنة أو وجع دماغ قائلا: كلامنا عبارة عن "طبيخ". أي والله "طبيخ" بحسب عبارته، يتحدث الجزائريون خلطة عجيبة وغريبة من العربية والأمازيغية والفرنسية، إنها خلطة صعبة وفريدة، ولكنها مهضومة ومتداولة بشكل طبيعي، وليس هناك أزمة، فنحن نتفاهم ونضحك ونتشاحن بها جميعا. ضحكت من فرط السهولة والمباشرة أو النقد اللاذع الذي فاجأني به السائق البسيط، ثم ضحكت لأنني فهمت أن ملاحظتي هذه لم تكن جديدة أو مؤلمة، فكل العرب الذين يسافرون نحو شمال أفريقيا العربي يرددون نفس العبارات ويتفوهون بذات الكلمات، ولا يجدون ميزة في هذه القدرة المدهشة على صياغة معجم عربي جديد يزاوج بين الماضي والحاضر ليصنع المستقبل. وفي أروقة هذا المعرض في طبعته الحادية والعشرين أيضا، هناك ندوات ولقاءات واحتفالات وناشرون، يترقبون قارئا ما، ينتظرونه، يبحثون عن قارئ جاد يهمه كتاب وكاتب بعينه، قارئ متلهف ومتبصر في عالم يطحن عظامه بلا رحمة، لكنه أي هذا القارئ الجزائري، أو بالأحرى العربي الفرانكوفوني الذي تحتفل بلاده الجزائر بعيد الثورة الثاني والستين. أنصرف عن مشاحنات ومماحكات المثقفين العرب إلي دار نشر تحمل اسم فيلم مصري ذائع الصيت هو "امبراطورية ميم" للنشر والتوزيع لصاحبتها السيدة آسيا، المثقفة الراقية ذات النبرة العربية الهادئة بلا لجلجة أو لحن، وهي تفاجئك بأنها تضع مقاييس واضحة وصارمة لا تحيد عنها حال قررت نشر هذا الكتاب دون سواه، وهي أن ردئ الكلام الذي تضج به أسماعنا وتراه عيوننا في كل مكان من حولنا هذه الأيام، لا مكان له على رفوف مكتبتها، وهي في ظني قاعدة بسيطة لا يجب أن يُستهان بها في ظل تفشي ظاهرة الجميع يكتب ولا أحد يقرأ! ولعل هذا يدفعنا إلى السؤال عن ضرورة بل وأهمية أنسنة كلام الكتاب والمفكرين، والنزول به إلي نهر الشارع الذي ينبض بالحياة والحيوية؟ •جملة علي الهامش أسعدني اللقاء العابر بالروائي الجزائري واسيني الأعرج وزوجته الدكتورة زينب، إيما سعادة فهما رافيقا رحلة قديمة إلى كردستان العراق في العام 2000 حيث كنا ضيوفا على مهرجان الجواهري الأول الذي أقامه "الطلباني والبرزاني" بالتعاون مع دار المدى للنشر، قبل أن تسقط بغداد في دوامة الاحتلال الأميركي وصراعات الدم التي لا تنتهي. أتذكر أنني جادلت المثقف العراقي البارز الدكتور فالح عبدالجبار بغضب وربما بسذاجة، حول ما كان يراه في بحر الغيب حقيقية واقعة، وأن أميركا تستعد لاحتلال العراق وإزالة نظام صدام حسين، كنت آنذاك - ولا أزال - أومن أن أي نظام مهما كان ديكتاتوريا أفضل من الفوضى والتوهان وانفجار نافورة الدماء بين الأشقاء على إثر تدمير الأنظمة، لا إصلاحها ونقدها بل وربما هدمها من الداخل إذا تمكنت للمعارضة من ذلك، أما دعوة المحتل الأجنبي ليخلصها من الديكتاتور فإن الأثمان سوف تكون باهظة، وهو ما تحقق قولا وفعلا في العراق الشقيق!

مشاركة :