بيروت رويترز أوضح الكاتب التركي مصطفى أرمغان أن الصورة النمطية لسلاطين بني عثمان التي تقتصر على تصويرهم كقادة عسكريين وسياسيين وتبتعد عن بعض جوانبهم الإنسانية ليست هي الصورة الكاملة لهم. وقال «من المعتاد أن تتبادر إلى أذهاننا عند ذكر السلاطين العثمانيين صورة القادة العسكريين المستلِّين سيوفهم في ساحات الوغى والقادة السياسيين المجلجلة أصواتهم.. وبذلك نظن عن خطأ أو صواب أن جوانبهم الإنسانية قد أقصيت عمداً عن كتب التاريخ». كان مصطفي أرمغان يتحدث في كتابه الذي ترجم إلى العربية وأعطي عنواناً هو «التاريخ السري للإمبراطورية العثمانية.. جوانب غير معروفة من حياة سلاطين بني عثمان»، وقد ترجم مصطفى حمزة إلى العربية الكتاب الذي صدر عن الدار العربية للعلوم ناشرون، في بيروت، ومؤسسة ثقافة للنشر والتوزيع في الإمارات العربية المتحدة. وجاء الكتاب في 231 صفحة متوسطة القطع. وأشار أرمغان إلى أن «هذه الصورة النمطية الذائعة عن السلاطين التي تظهرهم وكأنهم لا يبكون ولا يضحكون ولا يفرحون ولا يحزنون، هي التي جعلتنا نضيء على جوانب غير معروفة من سيرهم، حيث نعمل على تغيير هذه الصورة النمطية الشائعة عنهم، فهم ليسوا أصحاب وجوه مقطبة ومملة على الدوام». لقد حُوِّل السلاطين العثمانيون في كتبنا إلى رجال آليين ليست لديهم أي حياة شخصية خارج «حرم القصر». هذه المعطيات الشائعة هي السبب في عدم شعورنا بذلك الدفء الإنساني نحوهم وهو الذي يفترض أن يجذبنا إليهم. وقال: «من الطبيعي أن تكون لأولئك الأشخاص حياة عاطفية وإنسانية؛ أي أنهم يصابون بالصداع وتطول أظفارهم وتنخر أضراسهم ويتضايقون ويعشقون». وزاد على ذلك قوله: «لا يمكننا تفسير انشغالهم بالحملات والفتوحات على أنه وسيلة لتهدئة قلوبهم فقط، فليس سراً أن بعضهم سعى لتهدئة قلبه بإشغال نفسه بالموسيقى والشعر أو بالصيد والفروسية أو المصارعة أو بالنجارة وصناعة الحلي أو ببعض الحرف النسوية كالخياطة والتطريز، ولكن هذه الأمور أخفيت عمداً أو سهواً من كتب التاريخ..». وفي مجال آخر، قال: «ثمة تقليد يقضي بتدريب كل رجل من رجال الأسرة المالكة العثمانية تقريباً على مهنة يدوية أو فن جميل أو أكثر، يُوجَّه كل الأمراء العثمانيون منذ الصغر إلى مهن عاش التقليد الإسلامي والتركي الذي يفرض على كل فتى تعلم مهنة أو فن يكسبه معيشته إذا لم يحالفه الحظ في الحياة قروناً في عقلية الأسرة المالكة وطُبِّق على أرض الواقع». وبيَّن أن إسماعيل هامي ضانيشموند يدَّعي أن «السلاطين كانوا يحققون دخلاً من ممارسة مهنهم فيقول: كانت تلك الأعمال اليدوية التي تؤمِّن للسلاطين نفقاتهم الشخصية تباع للدولة أو لأركان القصر أو يتهافت عليها الزبائن في الأسواق». ويتحدث عن عدد من السلاطين ذاكراً بعض صفاتهم وهواياتهم. يقول إن السلطان مراد الأول (1361/ 1389) عرف عنه تعلقه بالصيد شأنه شأن كثير من السلاطين العثمانيين، وقيل إنه كانت لديه كلاب ذات سلاسل ذهبية وفضية وكانت صقوره هكذا أيضاً. وتحدث عن بيازيد الصاعقة (1389/ 1402) الذي وصف بأنه أول الشعراء، فقال إنه عرف عنه حبه الجم للصيد وقد قام بتأسيس هيئة كبيرة العدد مختصة بالصيد ومنحها مكانة رسمية في بنية الدولة، وكان مصارعاً وماهراً في استخدام السلاح وركوب الخيل، وتفيد المصادر أنه كان ينظم الشعر وتميَّز بإلقائه الجدي للشعر، ويقول الخبراء إنه استخدم مصطلحات شعبية في نظمه المكتوب بلغة بسيطة. أما عن «السلطان الحكيم» مراد الثاني (1421/1451) فقال: «مع عهد مراد الثاني بدأنا نتلقى بشائر النموذج النمطي للسلاطين، فقد كان الاستمتاع بالموسيقى والشعر ورعاية الفنانين -وخاصة الموسيقيين والشعراء- من بين الخصوصيات التي تميز بها هذا النموذج..، ويعرف عنه وجود الشعراء العازفين في قصره، وقد استمع إلى ملاحم البطولة التي ألقاها الشعراء العازفون، وهو أول من اعتبر الشعر عملاً جدياً من بين السلاطين العثمانيين، وقد استخدم اسم (مرادي) الفني اسماً مستعاراً له في قصائده، وكان يستمع بانتباه وتقدير إلى القصائد التي تلقى مرتين في الأسبوع حيث يجتمع الشعراء والعلماء ويعيِّن مناقشين يناقشون موضوعاً كل أسبوع، وفي عهده أيضاً بدأ تقليد منح الشعراء رواتب». بعد ذلك يتحدث المؤلف عن «الشَّغوف بالخرائط: السلطان محمد الفاتح (1451/1481). كان حريصاً على قراءة الكتب يومياً، وهوايته الأخرى التي وصلت إلى درجة الشغف هي الخرائط وقد أمر بترجمة كتاب (جيوجرافيكا) الشهير لبطليموس إلى العربية وكلف أميروتزيسو ابنه بإعداد خريطة للعالم». ووجود كتابين في الموسيقى على اسم الفاتح في متحف قصر طوب قاب دليل على الاهتمام الذي أولاه للموسيقى وكان الفاتح أول السلاطين العثمانيين المتميزين في شعرهم. وقال أرمغان إن محمد الفاتح الشغوف جداً بالفنون الجميلة «كان يعمل في مهن متعددة مثل صناعة الخواتم الخاصة بالرماة، وإبزيمات الأحزمة، وأغماد السيوف، وهناك رواية غريبة تتحدث عن ولعه بالأحجار الكريمة وكان ماهراً في أعمال البستنة التي كان يقوم بها في حديقة القصر». أما السلطان بيازيد الثاني (1481/ 1512) فقد ظهر اهتمامه بفن الخط منذ أن كان أميراً وبفضل تشجيع بيازيد الثاني لفن الخط، دخل هذا الفن في مسار خاص على يد العثمانيين، كما اشتغل بالتذهيب، وهو أول من ذكر اسمه بين السلاطين بأنه دوَّن لحناً، وكان ينظم الشعر بالتركية والفارسية باسم «عدني» أو عدلي. السلطان سليم الجبار (1512 / 1520) لديه ديوان شعر كامل بالفارسية وكانت لديه ميول موسيقية. السلطان سليمان القانوني (1520/ 1566) كان هاوياً للصياغة ومعلماً ماهراً في هذه المهنة إلى حد أنه كان يعرف نماذج من الصياغة الإيطالية ويطبقها وكان ذا شاعرية عظيمة. السلطان مراد الثالث (1574/ 1595) كان شديد الاهتمام بالفن والأدب، وقد كتب أربعة دواوين بالتركية والعربية والفارسية، واستخدم في الكتابة اسم مرادي، وكان على حب كبير للكتب وقد طلب ترجمة عدد من الكتب. الثقافة العثمانية الكلاسيكية «تأسست في عهد مراد الثالث، تقليد الليالي المباركة التي نسميها قناديل تعد من إنجازاته أيضاً». أما «مطعم الصدف والخطاط والرياضي» السلطان محمود الثاني (1839/ 1808) فقد كان أيضاً موسيقياً كبيراً، «وهناك 26 لحناً له وصلت إلى يومنا، من ألحانه الشهيرة لحن حجاز ديوان».
مشاركة :