لندن - تظهر الاكتشافات الأثرية التي بدأت منذ ثلاثينيات القرن الماضي آثارا على العظام البشرية تشير إلى أن البشر القدماء كانوا يتغذون على لحوم بعضهم مثلما تفعل الحيوانات. فقد اكتشف علماء الآثار مؤخرا بقايا عظام بشرية متآكلة في كهف غوف في سومرست في المملكة المتحدة تؤكد أن أصحابها تعرضوا للعض وكانوا وجبة للآخرين. وكانت بداية الاكتشافات في عام 1930 عندما وجد فريق ما عرف بأقدم هيكل عظمي بريطاني كامل يعود لحوالي 7150 سنة قبل الميلاد وقد سمي بـ"رجل شيدر". وكان "رجل شيدر" يتميز بوجود آثار للعنف على عظامه، حيث اعتقد الباحثون أنه كان وجبة غذاء لآخرين، إلا أن ذلك لم يُثبت بالدليل القاطع. وأعلن العلماء عام 2015 عن اكتشاف بقايا عظمية بشرية مختلفة أخرى في الكهف تثبت أنها بقايا ناتجة عن افتراسهم من قبل غيرهم وليست جثثا مدفونة. وقالت سيلفيا بيلو من متحف لندن الوطني، وأحد أعضاء فريق البحث: "لقد وجدنا أدلة غير قابلة للشك لجثث تعرضت للتهشيم والتقطيع والمضغ بالإضافة إلى سحق للعظام الاسفنجية وتكسير للعظام بغية استخراج النخاع منها، وفقا لموقع روسيا اليوم. قامت سيلفيا وباقي زملائها من عداد الفريق منذ بدء عمليات التنقيب والحفريات في كهف غوف عام 1992، بتحليل العلامات والآثار الباقية من سكان الكهف خلال عصور ما قبل التاريخ، فوجدوا أن هذه العظام تعود إلى ما قبل 15 ألف عام. ولأن عملية الدفن لم يكن معمولا بها آنذاك فقد كانت الفرضية الأقرب إلى الحقيقة هي أن سكان هذا الكهف قد أكل بعضهم بعضا وذلك باعتبار أن هذه الآثار لم تكن مكتشفة بعد عندما وجد علماء الآثار بقايا بشرية أخرى في أماكن مختلفة تبدو وكأنها عوملت كما القمامة العادية. ووفقا لهيئة الإذاعة البريطانية فقد اكتشفت أيضا بقايا عظام لطفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات ولاثنين من الصبيان. وحسب مجلة "سينس اليرت" لا يميل علماء الآثار والأنثروبولوجيا إلى إثبات فرضية أكل البشر بعضهم بعضا لأنها فرضية غير مريحة وتشير إلى جانب بشع ومظلم من جوانب الطبيعة البشرية. ويعتقد العلماء أيضا أنه من الصعب إثبات الفرضية بسهولة وكان من أصعب الحيثيات إثباتا القدرة على التفريق بين العظام المتآكلة نتيجة لقضمها كونها طعاما وبين العظام المنزوعة اللحم بعد الموت نتيجة لطقوس ما كان معمولا بها آنذاك. وركز الباحثون في عملهم على العثور على علامات واضحة للمضغ مثل آثار الأسنان البشرية أو آثار السحق لاستخراج ومص النخاع، وهو ما عثر عليه فريق البحث في كهف شيدر. وقد عثر باحثون ألمان على علامات عض وقطع على عظام النياندرتال تعود لـ 45 ألف عام في غوييت في بلجيكا، وهذه العلامات مشابهة لآثار العض على عظام حيوانات أخرى، مما يشير إلى أن النياندرتال تغذوا بعضهم على بعض، وربما تعزز هذه الاكتشافات فرضية أكل البشر القدماء لحوم بعضهم. ويرجح فريق البحث أن أسباب تناول الإنسان البدائي اللحم البشري تعود إلى الظروف القاسية أو بعض الطقوس والشعائر.
مشاركة :