رئيس الحكومة اليوناني ألكسيس تسيبراس يفقد سحره

  • 11/4/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

حين انتُخب رئيس الحكومة اليوناني ألكسيس تسيبراس منذ سنتين تقريباً، تعهّد بالتصدي لمطالب التقشف التي يفرضها الاتحاد الأوروبي وباستعادة كرامة بلده. لكن يجازف فشله في تحقيق وعوده بإغراق البلد في أزمة سياسية جديدة. «شبيغل» تابعت التطورات في هذا الشأن. يمكن اعتبار الحي المحيط بفيلا «مكسيموس» جزءاً من قصة خيالية: ثمة جادة تصطف على طرفَيها أشجار البرتقال المر أمام مقر ألكسيس تسيبراس الرسمي، وعلى مسافة قريبة ثمة حديقة وطنية فيها مقاعد للثنائيات. أشارت التقارير إلى أن رئيس الوزراء اليوناني وأعضاء حكومته كانوا يتجولون بهدوء في ذلك المكان. أمر تسيبراس، بعد فوزه في بداية عام 2015، بإزالة الحواجز الأمنية أمام البرلمان قائلاً: «لا نحتاج إلى دولة بوليسية!». بعبارة أخرى، سيتولى 11 مليون يوناني ممّن يحبوننا الحفاظ على أمننا. لكن تغيّر وضع الحي اليوم، بعد مرور 21 شهراً. تقفل حافلتان تابعتان لشرطة مكافحة الشغب الآن الجادة المؤدية إلى فيلا «مكسيموس». يقف الضباط لمراقبة المكان أمامها على مدار الساعة. تحوّل حب الناس لتسيبراس إلى غضب. بدأ مراقبو الخطوط الجوية والأطباء والمعلّمون يقفون في وجه الحكومة نظراً إلى تراجع رواتبهم. منذ أربعة أسابيع تقريباً، حاول المتقاعدون إزاحة حافلات الشرطة وارتسمت على وجوههم علامات الغضب والخيبة. حين ردع ضباط الشرطة المسنين بالغازات المسيلة للدموع، ساد سخط عام في أنحاء البلد وتساءل الناس: ألم يتعهد تسيبراس بألا تتكرر هذه الحوادث لأي سبب؟ وصل ألكسيس تسيبراس المتمرّد وحزبه اليساري «سيريزا» إلى السلطة في يناير 2015 بهدف إنهاء برنامج التقشف واستعادة كرامة اليونانيين. أراد التفاوض على تخفيض ديون اليونان ودعا إلى إنهاء سياسات التقشف. بعد انتخابه، رقص الناس في الشوارع. لكن منذ ذلك الحين نكث تسيبراس بمعظم وعوده. في أغسطس 2015، وافق على ثالث برنامج مساعدات عرضه الدائنون وتلقى المليارات مقابل تخفيض الإنفاق اليوناني. كذلك بدأ يعمل على زيادة الضرائب وتخفيض رواتب التقاعد وبيع المطارات والموانئ. لا يزال وضع الاقتصاد اليوناني هشاً ويبلغ معدل البطالة %24 ومن المتوقع أن تُفرَض برامج ادخار إضافية في الفترة المقبلة. خلال آخر قمة للاتحاد الأوروبي في شهر أكتوبر الماضي، سعى تسيبراس إلى الاستفادة من بعض التدابير لتخفيف أعباء الديون لكنه أخفق مع أنه بأمسّ الحاجة محلياً إلى تحقيق نجاح معيّن. وفق استطلاع رأي نُشر في صحيفة «أفجي» التابعة لحزب «سيريزا»، يشعر %90 من اليونانيين بالاستياء من أداء الحكومة. وحتى كبار السياسيين في «سيريزا» بدأوا يتوقعون اندلاع أزمة سياسية جديدة قريباً. إلى أين قاد تسيبراس بلده إذاً؟ هل هو خائن أم بطل مأساوي عَلِق في السياسات الحكومية التي فرضها عليه الدائنون؟ أطراف يجب إرضاؤها كان يُفترض أن تنكشف الإجابات المنتظرة خلال مؤتمر الحزب منذ أسبوعين في جنوب أثينا. اجتمع نحو 3 آلاف مندوب من حزب «سيريزا» في القاعة وكانوا يريدون اختبار تسيبراس الجديد. صعد رئيس الوزراء على المنصة في الساعة 8:25 مساءً. لم تظهر ملامح التعب عليه وكانت نبرة صوته هادئة ووضعية جسمه مستقيمة. فخاطب الحاضرين واصفاً إياهم بـ«الرفاق»، ثم حاول اعتبار هزائمه بمثابة انتصارات. ادّعى تسيبراس أن قرار متابعة التعاون مع بروكسل والتوقيع على حزمة مساعدات ثالثة خلال الصيف الماضي كان أمراً «صعباً لكنه ضروري». قال إن الانسحاب من منطقة اليورو كان ليصبح أسوأ خيار بديل: «لا يُعتبر خروج اليونان من منطقة اليورو خطة تقدمية». نتيجةً لذلك، عجز عن إنهاء سياسات التقشف في بلده رغم الوعود كافة التي أطلقها. ناضل تسيبراس بقوته كلها. لكن خلال فترة قصيرة أدت معركته مع الدائنين إلى دفع اليونان نحو شفير الهاوية: في مرحلة معينة، كان اليونانيون يستطيعون سحب 60 يورو فقط يومياً من حساباتهم المصرفية وسُمِعت قنابل صوتية في أنحاء البلد. خلال استفتاء لاحق، صوّت اليونانيون بكل وضوح ضدّ فرض تدابير تقشّف إضافية، لكن تجاهل تسيبراس ذلك التصويت وقَبِل ببرنامج المساعدات: سيحصل البلد على 86 مليار يورو إذا التزمت أثينا بالشروط كافة. للمناقشة بشأن هذه الخطة، أعلن تسيبراس عن إجراء انتخابات جديدة في سبتمبر 2015 وفاز مجدداً. حتى معسكر مؤيدي الخطة ربما يعتبر تبدّل مواقف تسيبراس بهذا الشكل أمراً غير مألوف. لإرضاء الناخبين المستائين، يسعى رئيس الوزراء إلى إقناع الدائنين، لا سيما ألمانيا، بتخفيف ديون اليونان ويريد أن يَصْدر قرارٌ يصبّ في مصلحته مع نهاية السنة. اليوم تبلغ ديون اليونان الإجمالية أكثر من 320 مليار يورو، أي ما يساوي 183% من الناتج المحلي الإجمالي. يستحيل أن يتمكّن هذا البلد يوماً من تسديد ديونه. لتحسين هذه الظروف، يمكن أن يطيل الدائنون مهل تسديد القروض. يؤيد ألكسيس تسيبراس هذه الفكرة التي يمكن أن تكون كافية لتهدئة الناخبين. لكن يرفض وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله هذه الفكرة حتى الآن. لا يريد الأخير التحدث عن تخفيف أعباء الديون قبل عام 2020 أو أقلّه قبل الانتخابات الاتحادية الألمانية التي ستحصل على الأرجح في خريف عام 2017. بحسب رأيه، يُضعِف كل نقاش استعداد أثينا لتطبيق الإصلاحات. يُعتبر صندوق النقد الدولي المكروه في أثينا بسبب دعواته إلى تطبيق إصلاحات صارمة حليف تسيبراس لأن المسؤولين فيه يظنون أن احتمال تجاوز أزمة الديون اليونانية بطريقة تلقائية وبسيطة ليس واقعياً. ويأمل كثيرون الآن بأن يقدم الرئيس الأميركي باراك أوباما المساعدة حين يزور أثينا وبرلين في منتصف شهر نوفمبر الجاري. لا شيء يتغير يقول ديميتريس باباديموليس: «بعد سبع سنوات على بدء الأزمة، حان الوقت كي يشعر الناس أخيراً بشيء من الراحة». يقلّ عدد أعضاء حزب «سيريزا» المطّلعين على مفاوضات الديون بقدر هذا السياسي. باباديموليس عضو مؤسس في الحزب وأحد نواب رئيس البرلمان الأوروبي. كل من يريد التحدث إليه مضطر إلى المرور بأبواب ضخمة في أحد مكاتب الاتحاد الأوروبي في أثينا: الأمر أشبه بالدخول إلى جناح خاضع لحراسة مشددة! من المنتظر أن ينتهي برنامج المساعدات الراهن في عام 2018. يقول باباديموليس: «بحلول تلك الفترة، يُفترض أن تكون اليونان استعادت تماسكها مجدداً». لكن نظراً إلى حجم الديون المتراكمة راهناً، لا يظنّ كثيرون أن تحقيق هذا الهدف أمر ممكن. حين سُئل باباديموليس عمّا سيحصل إذا رفض المقرضون التفاوض، أجاب: «يريد شويبله طبعاً أن يشارك صندوق النقد الدولي في برنامج المساعدات، ما يعني أنه مضطر إلى قبول التسوية المرتبطة بتخفيف أعباء الديون». لن يكون تخفيف أعباء الديون وحده كافياً لإخراج اليونان من هذه الأزمة. يحتاج البلد إلى الاستثمارات. حين تولى تسيبراس رئاسة الحكومة، أراد أن يوقف جميع مشاريع الخصخصة لكنه غيّر مواقفه منذ ذلك الحين وبدأ يبحث الآن عن مستثمرين مع أن عدداً من وزرائه يتابع محاربة الخصخصة. سيصبح المطار السابق «هيلينيكون» الواقع في جنوب أثينا موقعاً للكازينوهات والمطاعم ومراكز التسوق والفنادق قريباً. ولما كنت الخصخصة تُعتبر جزءاً من برنامج المساعدات فيأمل المعنيّون أن تؤمّن الاستثمارات المرتقبة التي تبلغ قيمتها 8 مليارات يورو حتى 10 آلاف فرصة عمل هناك. ويبقى المطار اختباراً أساسياً للتأكد من قدرة حزب «سيريزا» على تأمين استثمارات خارجية. يرحّب أوديسياس أثاناسيو، رئيس شركة «لامدا» اليونانية (تتبع شركتها الأم لاتحاد يوناني صيني عربي) بالضيوف أمام مجسّم لمشروعه الضخم. هل يتفهّم أثاناسيو النقاد الذين يتذمرون من إقدام اليونان على بيع أملاك الدولة ويدرك أن العائدات الضئيلة التي تنتجها عمليات الخصخصة ترسّخ أزمة الديون إلى ما لانهاية؟ هو أكد أن الموقع الذي بلغت قيمته 915 مليون يورو لم يكن مكلفاً لكن «يجب أن تتساءل اليونان عما جعلها الجهة الوحيدة التي قدّمت عرضها للفوز بالمشروع». على مستوى البيع، يعتبر عدد كبير من اليونانيين أن تسيبراس يقدّم كنوز البلد إلى مستثمرين أجانب فيما تستمر معاناة الشعب. كانت ماريا نيكولايدو، مهندسة وأم عمرها 41 عاماً، تأمل بأن يُحدِث تغييراً حقيقياً: «لن أنتخب في المرة المقبلة. لا شيء يتغير في هذا البلد».

مشاركة :