تعهد رئيس وزراء لبنان المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري أمس، بالعمل سريعًا على تأليف «حكومة وفاق وطني» تتخطى الانقسامات التي شلت البلاد على مدى سنوات، وذلك بعدما كلفه الرئيس اللبناني ميشال عون بتشكيلها، وأعطاها رئيس البرلمان نبيه برّي وكتلته دفعًا إيجابيًا بتسمية الحريري. جاء التكليف في بيان صادر على رئاسة الجمهورية في ختام الاستشارات النيابية الملزمة التي أجراها عون، وحاز فيها الحريري على تسمية 112 نائبا من أصل 127 له لهذا المنصب، وكانت كتلة ما يسمى «حزب الله» أبرز الممتنعين عن تسمية الحريري. وقال رئيس الحكومة المكلّف عقب لقائه عون: «قبلت التكليف بتشكيل الحكومة»، شاكرًا لعون «ثقته وثقة الزملاء النواب الذين شرفوني بتسميتي لهذه المهمة الوطنية التي أنطلق فيها منفتحا على جميع الكتل النيابية، بما فيها تلك التي امتنعت عن تسميتي عملا بدستورنا وقيمنا الديمقراطية». وتابع الحريري «إنني أتطلع الآن للشروع في الاستشارات لتشكيل حكومة وفاق وطني تتخطى الانقسام السياسي مستندًا إلى إجماع كل القوى السياسية حول خطاب القسم بكل مدرجاته»، مضيفا: «إنه عهد جديد، وأملي كبير في هذه اللحظة الإيجابية، التي تضع حدا لمعاناة الوطن والمواطنين طوال عامين ونصف من الشغور والشلل والجمود، بتشكيل الحكومة سريعا لتعمل على إنجاز قانون انتخابي يؤمن عدالة التمثيل وتشرف على إنجاز الانتخابات النيابية في موعدها». كذلك أمل الحريري في تشكيل حكومة «تواكب انطلاق العهد وتمكننا جميعا من شبك أيدينا لمعالجة الأزمات المعيشية والاقتصادية والبيئية والأمنية والسياسية التي يعاني منها اللبنانيون»، مشيرًا إلى أن «حق اللبنانيين علينا أن نشرع سريعا في العمل لنحمي وطننا من النيران المشتعلة من حوله ونحصن مناعته في وجه الإرهاب ونوفر له مستلزمات مواجهة أعباء النزوح، ونعيد الأمل والثقة إلى شبابنا وشاباتنا بمستقبل أفضل، ونعيد ثقة العرب والعالم بلبنان ورسالته ومؤسساته واقتصاده وسياحته والاستثمار فيه». هذا، وساهم رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وهو رئيس حركة «أمل» وأحد أكثر الشخصيات نفوذا على الساحة اللبنانية، في تسمية الحريري، بعدما كان قد عبّر في السابق عن معارضته لصفقة وصول عون للرئاسة، ما هدد تشكيل الحكومة. وقال برّي بعد لقائه بعون في القصر الرئاسي «للرئيس الحريري دَين في ذمتي. وقرّرت مع الكتلة وقيادة الحركة التي أنتمي إليها، أن أوفي هذا الدَين وأقدم طلبًا وتمنيًا باسمنا جميعًا بتسمية الرئيس الحريري»، وأردف «إذا أرادوا التعاون نتعاون وإذا أرادوا أن نكون في المعارضة نكون في المعارضة». مع هذا لم تظهر تسمية برّي للحريري كنهاية للعقبات التي يمكن أن تحول دون قدرة الرئيس المكلف على تأليف حكومته بسهولة، ذلك أن مسار تأليف الحكومة يختلف عن مسار التكليف. إذ عادة ما يخضع مسار تشكيل الحكومة لحسابات مرتبطة بشكل الحكومة وحجمها، والحقائب الوزارية التي ستوزّع على الكتل السياسية، ومن المؤكد أن يكون لبرّي وحلفائه حصة فيها، كون تحالفه العريض بعد انتخابات رئيس الجمهورية، بات يضم، إلى جانب غالبية النواب الشيعة في البرلمان، حلفاء من أحزاب وطوائف أخرى. وقالت مصادر بري لـ«الشرق الأوسط» إن رئيس البرلمان «مستمر منذ جلسة انتخاب الرئيس، بالحرص نفسه على أن يتم الاستحقاق، ولا يزال يتعاطى مع الأمور بالروحية نفسها، لجهة التعاطي بإيجابية وانفتاح. ومن هنا كانت تسمية الحريري لتأليف الحكومة، بهدف إعطاء المسيرة الجديدة دفعًا جديدًا»، لافتة إلى أن برّي «أمن النصاب في جلسة انتخاب الرئيس واليوم (أمس) أيد الحريري عبر تسميته ليعطي دفعًا إيجابيًا لحكومة العهد الأولى، وسلّف العهد مواقف إيجابية منذ أولى خطواته». وذكرت المصادر أن برّي، بقوله «إذا أرادوا التعاون نتعاون»، فهو «ينتظر ما سيُعرض عليه وعلى الكتلة النيابية التي يرأسها وتحالفه الذي اتسع بعد جلسة انتخاب الرئيس من 44 نائبا في البرلمان إلى 57 نائبا». وتابعت أن برّي يرى أنه «إذا كان الفريق الآخر يريد مشاركة وملاقاة الانفتاح بإيجابية، فإنه مستعد، وأما إذا كان الفريق الآخر يريد ملاقاته (بعرض هزيل)، فإنه يفضل أن يكون في موقع المعارضة.. إذا لم تكن اليد ممدودة، كما كانت يد بري دائمًا ممدودة، فإنه سيكون في موقع المعارضة». واقع الأمر، بات برّي يمثل تحالفًا عريضًا يتخطى حجمه مما كان الأمر عليه في جلسة انتخاب عون البرلمانية، حيث كان موقف ما يسمى «حزب الله» مؤيدًا لانتخاب عون، بينما بات يمثل الآن 57 نائبا مع انضمام الحزب إلى موقف برّي، وإعلان نوابه أن هذا الملف يجري بتنسيق وتفاهم كاملين مع برّي وكتلته. وإثر تكليف الحريري رسميًا، عمت الاحتفالات مختلف المناطق اللبنانية، في بيروت وصيدا والشمال، حيث شهدت احتفالات شعبية ومواكب سيارة تحمل إعلاما لبنانية ورايات «تيار المستقبل»، ابتهاجًا بعودته لرئاسة الحكومة.
مشاركة :