«شطرنج المسنين» .. تصارع من أجل البقاء

  • 3/16/2014
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تعد الألعاب الشعبيّة من النشاطات الترفيهية التي عرفها الإنسان منذ القدم، ولا سيما في الجزيرة العربية التي اشتهر سكانها بممارسة العديد من الألعاب القديمة، حيث شغلت أوقات فراغهم في ذلك الحين، مثلما كان أهالي محافظة حقل التابعة لمنطقة تبوك يفعلون، إذ كانوا يمارسون في أوقات معينة لعبة "السيجة" أو الشيزة كما يحلو للاعبيها من كبار السن تسميتها. وتشبه لعبة السيجة إلى حد بعيد لعبة "الشطرنج" المعروفة، وما زالت حتى الآن تصارع من أجل البقاء، حيث يمارسها كبار السن الذين يجتمعون كل يوم من بعد صلاة العصر حتى غروب الشمس بالقرب من متنزه النخيل، في جو تحفه الألفة والمحبة. وتبدأ اللعبة باجتماع المسنين الذين يشكلون مجموعات ثنائية، حيث تجد مجموعات على شكل حلقات مكونة من لاعبين وجمهور من خمسة إلى ستة أشخاص للحلقة الواحدة، يتابعون مجريات اللعبة، ويتبادلون الخطط والآراء، ويتنقلون من حلقة إلى أخرى لمتابعة مجريات لعبة "السيجة"مع احتفاظ الجميع بالهدوء الذي يميز هذه اللعبة، حيث يعم السكون والتفكير المطول من قبل الجمهور واللاعبين، ولا تسمع إلا كلمات خاصة باللعبة مثل: "حط السيجة" و"شرق للسيجة" و"كل السيجة". اللعبة تكون على الرمل من خلال 48 حفرة مقسمة كالمربعات. وفي ذلك السياق، قال العم عبد الله العمراني (55 عاما)، في تقرير بثته "واس"، إن هذه اللعبة يمارسها في العادة شخصان، وتتكون من 24 حجرًا لكل لاعب مقسمة إلى اللونين الأبيض والأسود، ويبدأ اللاعبان اللعبة على الرمل من خلال 48 حفرة صغيرة مقسمة كالمربعات المستخدمة في لعبة الشطرنج، وتسمح قوانين اللعبة بتدخل الجمهور ومساعدة اللاعبين في اتجاه حركة "السيجة". وأضاف العمراني أن اللعبة "مشابهة للعبة الشطرنج من حيث المقابلة وجهاً لوجه، لكنها تختلف في القوانين والصعوبة في المراوغة والخطط، وتنتهي بأكل السيجة الأكثر، مشيرًا إلى أن اللعبة تعتمد على الذكاء في نزول الحجر في المكان المناسب ومحاصرة الخصم. ومن جانبه، أشار العم محمد العمراني إلى أن هذه اللعبة عمرها يعود لمئات السنين، وكانت اللعبة المميزة للآباء والأجداد، وهي لعبة شعبية عريقة تعكس في مجرياتها ما يتمتع به لاعبوها من صبر وهدوء وتخطيط وحنكة، ونحن نمارسها في هذا الهواء الطلق بشكل يومي، حيث نتواعد للعبها في المكان نفسه كل يوم. اللعبة تعتمد على الذكاء في نزول الحجر في المكان المناسب ومحاصرة الخصم. وتمنى العم محمد حضور الشباب في هذه اللعبة للمساهمة في استمرارها وتوارثها، كما كانوا هم يحضرون في جولات "السيجة" في عهد آبائهم وأجدادهم. من جهته، ذكر الدكتور مسعد بن عيد العطوي مؤلف كتاب (تبوك المعاصرة والآثار حولها) الباحث في إرث المنطقة، أن لعبة "السيجة" أو الشيزة كما هو معروف في منطقة تبوك لعبة قديمة يلعبها العرب بفكرة حربية يتصورونها في أذهانهم بهجوم الحجار الذي هو أهم مكوناتها، ولها رجال عباقرة في فن اللعبة وخططها كما هو حال الشطرنج بالخطط المعروفة. وذكر العطوي أن "السيجة" تحفر قديما على صخور كبيرة كقاعدة للعبة، وما زالت صخورها موجودة في الوقت الحالي على طريق القوافل الذي مر به الرسول- عليه الصلاة والسلام- ما بين مدينة تبوك ومركز البدع، كما كانت تلعب هذه اللعبة في النهار فقط، ولم تكن تلهي لاعبيها عن العبادات ومشاغلهم الحياتية، وكان الهدف من لعبها ساميا وهو تنمية التفكير والصبر. وأضاف أن فلسفلة اللعبة والشطرنج واحدة، ولكن الشطرنج اتجهت في اتجاه حضاري وصناعي وإلكتروني، أما لعبة "السيجة" أوشكت على الاندثار، وأغلب لاعبيها في الوقت الراهن ممن هم في سن الأربعين. وأفاد بأن وجود عوامل كثيرة لعزوف الشباب عن هذه اللعبة وغيرها من الألعاب الشعبية التي لم تواكب مجريات الجيل الحديث إلكترونياً، مبينا أنه بالإمكان حاليًا في ظل وجود التقنية أن تلعب الشطرنج وغيرها من الألعاب على الإنترنت والجوال أيضا، ما يحفظ حقوقها ويدفعها إلى الاستمرار.

مشاركة :