الشارقة: محمد ولد محمد سالم الكاتب الروائي المغربي طارق بكاري هو أحد ضيوف معرض الشارقة الدولي للكتاب، وهو من مواليد 1988، وحاصل على الإجازة في الأدب العربي، يكتب الشعر والرواية، وقد وصلت روايته الأولى نوميديا إلى القائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية عام 2015، وفازت بجائزة المغرب للكتاب في فئة السرديات عام 2016، وتتناول هذه الرواية حياة مراد الوعل الذي يعود إلى قريته إغرم بعد خمسة وعشرين عاماً ليعيش في فندق بجوارها، مكتفياً بالنظر إليها من بعيد، وخائفاً من أن يتعرف أهلها إلى شخصيته، خوفاً من استعادة ماضيه الأليم، فهو لقيط عاش في كنف أسرة من أهل القرية، ولقي فيها من صنوف العذاب والاحتقار ما لا يمكن أن ينساها. في الحوار التالي يتناول بكاري آفاق روايته، وأساليب السرد عنده. كيف تلقيت نبأ وصول روايتك الأولى إلى القائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية؟ كانت المفاجأة الأولى بالنسبة لي في هذه الرواية هي عندما قبلت دار عربية كبيرة (دار الآداب) بنشرها، وهذا أشعرني بأن لها قيمة، وبأنها يمكن أن تحصل على جائزة أو تقدير من نوع ما، لذلك عندما رشحتها الدار توقعت وصولها إلى قوائم الجائزة، لكنّ المفاجأة الأخرى كانت حين تعرفت إلى زملائي الذين كانوا معي في القائمة القصيرة، لقد كان اكتشافهم والتعرف إليهم، وقراءة رواياتهم اكتشافاً جميلاً، ومفاجأة سارة بالنسبة لي، وكان كذلك تجربة أضافت لي الكثير. ما الرمزية في كون بطل نوميديا رضي أن يرجع إلى قريته التي كانت تظلمه وتقسو عليه ويقبل بأن يعيش في فندق على هامشها، دون أن يدخلها ويندمج فيها؟ عودة (مراد الوعل) إلى قرية إغرم كان بنصيحة من طبيبه النفسي الذي كان متواطئاً مع جوليا الكاتبة التي تسعى إلى كتابة مأساة البطل، وقد اقتنع مراد بالعودة كمشروع، وبمجاورة القرية، في ذلك الفندق الذي اشتراه، وهو لم يختر موقعه لأنه كان موجوداً سابقاً، لكنه وجده موقعاً مناسباً لعلاقته الإشكالية مع القرية، فرضي بأن يكون قريباً منها، كما يرضى العشاق بالقليل، وهذه المجاورة هي التي ستقوده إلى نهايته، وكأن القرية تعيده لكي تستأنف ما بدأته من تعذيبه، البطل مراد هو من الأبطال الوجوديين العدميين، بمعنى أنه حقق النجاح، وحقق ما كان يطمح إليه، لكنه آمن بأن لا جدوى من هذا النجاح، وأن لا جدوى من الحياة، لأنها حياة أفلست بدايتها لا بد وأن تفلس نهايتها، آمن بالبطولة وحققها، لكنه آمن أكثر بأن هذه البطولة لا جدوى منها، وكأنه يسير على خطى نيتشه الذي يؤمن بأن الإنسان كائن متفوق، لكنّ هذا التفوق لا جدوى منه. رغم هذه العدمية التي تصفها إلا أن البطل مراد كان يبدو مستغرقاً في الحب، باحثاً عنه؟ مراد الوعل كان فقيراً إلى المحبة، قلبه فقير لأنه فقد أمه وأسرته، كان يحتاج إلى حنان الأم الذي يبني في نفسه الأمان والتوازن، ومن فقد هذا الحنان يظل دوماً يبحث عنه، ويبحث في كل امرأة عن تلك الأم التي فقدها، وربما قد يفقد إحساسه بالأشياء، وإحساسه بالمحبة، وهذا ما عاشه مراد الوعل، فقد توزع قلبه بين نساء عديدات ولم يستقر على واحدة منهن، وفي النهاية وجد حياته فارغة، ووجد نفسه مريضاً. لا شك أن رواية نوميديا سبقتها كتابات أخرى؟ نعم، كتبت قصصاً قصيرة، وكتبت الشعر، لكنّني لم أنشر شيئاً من ذلك، ربما لأنني كنت أعتبر تلك الكتابات تدريباً وبدايات ضرورية للوصول إلى الإبداع، ولذلك انتظرت حتى كتبت نوميديا، فسعيت إلى نشرها. رغم واقعية روايتك، إلا أنها انتقلت في النهاية إلى أفق فانتازي مع هذا الخيال الأنثوي الآسر الذي ظهر للبطل، وكان السبب المباشر في القضاء عليه؟ نوميديا هذه الملكة الخيالية، حاولت أن أجعلها استعارة لقرية إغرم، فكأن القرية قد حلت في جسد آدمي، وتشكلت على مقاسات هذه الفتاة الجميلة الخرساء، دلالة على (خرس الثقافة الأمازيغية)، أو دلالة على أن هذه الثقافة يراد لها أن تصمت لأنني أناقش هنا الوجع الأمازيغي الذي أنتمي إليه، فجعلت فاتنة الرواية التي سميت باسمها خرساء، واخترت لها نوميديا على اسم المملكة الأمازيغية القديمة، وبالتالي ف نوميديا هي القرية بثوب بشري، لكي يجد البطل ما يجسد فيه حبه للقرية، لأنه تبنى القرية وجعلها أمه، فكان لا بد من تجسيد هذا الحب على الأقل في خيال أنثوي، نوميديا بالنسبة لي غير حقيقية هي فقط هلوسة من هلوسات البطل، وبالنسبة للبطل هي حقيقية، وبالنسبة لأهل القرية يسمونها جنية الوادي. ما هي أساليبك للوصول إلى القارئ، والاستحواذ على اهتمامه؟ أول ما أفعله لجذب انتباه القارئ هو أن أصوغ أفكاراً واضحة، وصادقة تعبر عن قناعاتي، وبأسلوب شاعري، فالأسلوب ضروري، ولا يمكن التغاضي عنه في الأدب، لأن الأدب لغة وأسلوب قبل كل شيء، وأنا شخصياً لا يمكن أن أقرأ كتاباً لغته ركيكة، فشاعرية الأسلوب تجعل القارئ منجذباً إلى الرواية من ألفها إلى يائها، والدليل هو أن رواية نوميديا رواية ضخمة، ورغم ذلك حققت نسبة مقروئية عالية، وأنا أعتقد أن جوهر الرواية هو مكتوب في كل قارئ، وبالنسبة لي أنا لا آخذ القارئ إلى أعماقي أنا، ولكن آخذه إلى أعماقه هو، في كل شخص مراد الوعل، وفي كل شخص إنسان جريح، وفي كل أنثى شبه بجوليا المستبدة، وشبه بخولة التي انتحرت، لذلك كل ما أقوم به هو أنني ألفت انتباهه إلى ما هو مكتوب في أعماقه، فيجد القارئ أن هذا الوجع يحاكي وجعه، وهذا الألم هو ألمه، وهذا هو ما يوقعه في شرك الرواية.
مشاركة :