مصر تسرع وتيرة القرارات «المؤلمة» لإصلاح اقتصادها المتداعي

  • 11/5/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

اتخذت مصر على مدار الأربع والعشرين ساعة الأخيرة قرارات يقر المحللون بأنها "مؤلمة" بعد أن أحجمت الحكومات المتعاقبة عن المضي بعيدا في خفض دعم الوقود وتعويم العملة المحلية خشية إثارة احتجاجات شعبية في بلد اعتاد على الدعم الحكومي. فقد رفعت الحكومة أسعار الوقود اعتبارا من أمس بين 30 و47 في المائة بعدما حرر البنك المركزي أمس الأول سعر صرف الجنيه ورفع أسعار الفائدة 300 نقطة أساس لاستعادة التوازن بأسواق العملة. وأكد شريف اسماعيل رئيس الوزراء المصري أن حكومته لم يكن لديها "رفاهية تأجيل الإصلاح الاقتصادي" غداة قرار تحرير سعر صرف الجنيه ورفع أسعار المحروقات. ونقلت "رويترز"، عن إسماعيل خلال مؤتمر صحافي حكومي في القاهرة قوله: "هذه الفترة لا تحتمل تأجيل القرارات. رفاهية التأجيل غير متاحة. يمكن كانت متاحة في عقود سابقة لكن اليوم لا نستطيع أخذ قرارات مسكنة". وعاشت مصر في السنوات القليلة الماضية حالة تدهور اقتصادي وسط تفاقم عجز الموازنة وارتفاع التضخم وتراجع إنتاج الشركات والمصانع وشح شديد في العملة الصعبة في ظل غياب السائحين والمستثمرين الأجانب وتراجع إيرادات قناة السويس. وأوضحت ريهام الدسوقي من "أرقام كابيتال"، أن القرارات مؤلمة بالفعل ولكن كان لا بد منها لتفادي مستقبل مظلم للاقتصاد، مضيفة أن الطبقة الوسطى في مصر هي أكثر من سيتضرر من القرارات والطبقة الفقيرة بشكل عام ولكن كان لا بد منها لإصلاح الاقتصاد. وعانت الطبقات الوسطى والفقيرة في مصر في العامين الأخيرين من ارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل حاد وأزمات متكررة في توافر الأرز والزيت والسكر. وذكرت غادة والي وزيرة التضامن خلال المؤتمر الصحافي أن مصر عملت على حماية الفقراء وتجنب الآثار السلبية للإصلاح من خلال زيادة قيمة المعاشات 15 مليار جنيه ورفع أعداد المستفيدين من برنامج تكافل وكرامة إلى 1.7 مليون أسرة. فيما أشار عمرو الجارحي وزير المالية إلى أن فاتورة دعم السلع التموينية ستزيد إلى 49 مليار جنيه في السنة المالية الحالية بعد زيادة الدعم من 18 إلى 21 جنيها للفرد بداية من الشهر المقبل. وتدعم مصر نحو 71 مليون مواطن من خلال 21 مليون بطاقة تموين، وتخصص الحكومة 18 جنيها شهريا لكل مواطن مقيد في البطاقات التموينية لشراء السلع. وقال هاني جنينة من "بلتون المالية" إن القرارات لا بديل عنها وسيكون تأثيرها صعبا هذه الأيام ولكن هناك في المقابل زيادة في الدعم وأيضا في الضرائب على أصحاب الدخول الأعلى، وأعتقد أن الشركات والمصانع ستعمل على زيادة أجور ورواتب العاملين لديها خلال الفترة المقبلة. وكشف رئيس الوزراء المصري عن أن الحكومة تدرس حاليا قانونا للضريبة التصاعدية، وكان عدد من أعضاء مجلس النواب تقدموا الأسبوع الماضي بمشروع قانون لتعديل ضريبة الدخل بحيث يعفى كل من لا يزيد دخله على 14 ألفا و400 جنيه في حين يدفع من يصل دخله إلى 30 ألف جنيه سنويا ضريبة 10 في المائة ويدفع من يصل دخله إلى 45 ألف جنيه سنويا ضريبة 15 في المائة و20 في المائة لمن يصل إلى 200 ألف جنيه و22.5 في المائة لمن يصل دخله إلى 500 ألف جنيه و30 في المائة لمن يزيد على 500 ألف جنيه. وزيادة قيمة الدعم على بطاقات التموين والتوسع في "برنامج تكافل وكرامة" الذي يقدم دعما نقديا شهريا للأسر الأشد فقرا في مصر أولى خطوات الحكومة في برامج الرعاية الاجتماعية لحماية محدودي الدخل. واعتبر الجارحي أن القرارات قد يكون لها بعض الآثار والصعوبات ولكن لا بد من التعامل معها، مضيفا أن تحريك أسعار المواد البترولية لن يخفض عجز الموازنة أو الدعم ولكنه سيخفض الضغط عن الهيئة العامة للبترول. وقالت الدسوقي إنه رغم إيجابية القرارات لكنها ستكون صعبة على المدى القصير، فارتفاع أسعار الوقود سيؤدي لرفع التضخم ولكن أي زيادات ستزول تدريجيا. وأعلنت الحكومة زيادة في أسعار المحروقات شملت ارتفاعا بنسبة 50 في المائة للوقود من درجة 80 أوكتان ليصل سعره إلى 2.35 جنيه للتر الواحد بينما ارتفع سعر الوقود من درجة 92 أوكتان بنسبة الثلث تقريبا ليصبح 3.5 جنيها لليتر. وكانت مصر رفعت أسعار الوقود بنسبة وصلت إلى 78 في المائة خلال عام 2014 لتخفيف الضغط عن العجز المتزايد في الموازنة. ويلتهم دعم الأغذية والطاقة عادة ربع الإنفاق الحكومي في مصر، وتعمل الحكومة على خفض الدعم أملا في إنعاش الاقتصاد الذي تضرر من جراء سنوات من الاضطرابات التي أعقبت انتفاضة 2011. وأظهر بيان الوزارة أن سعر أسطوانة غاز الطهي سيرتفع إلى 15 جنيها من ثمانية جنيهات، كما ستزيد أسعار المازوت للصناعات الغذائية إلى 1500 جنيه للطن من 1400 جنيه ولمصانع الأسمنت إلى 2500 جنيه للطن من 2250 جنيها ولباقي القطاعات إلى 2100 جنيه للطن من 1950 جنيها. وفي محاولة لتخفيف الآثار المترتبة على زيادة أسعار المواد البترولية وتعويم الجنيه، قال محمد الشيخ وزير التموين المصري إنه لا قيود أمام القطاع الخاص لاستيراد السلع التموينية، مضيفا أن مصر ألغت الجمارك عن السكر الأبيض المستورد بعد إحجام القطاع الخاص عن الاستيراد. وشهدت مصر في الأسابيع القليلة الماضية أزمة سكر عزتها الحكومة لتوقف القطاع الخاص عن الاستيراد، وطرح بنك مصر والبنك الأهلي أمس الأول شهادات إيداع جديدة بفائدة 16 و20 في المائة لآجال ثلاث سنوات و18 شهرا على الترتيب. واعتبر جنينة أن هذه القرارات ستساعد على خروج الدولارات المخبأة وتوفيرها للشركات والمصانع من أجل معاودة الإنتاج بجانب جذب الاستثمارات الخارجية بالعملة الصعبة. وأشارت أسواق الصرف أمس إلى مزيد من التراجع في الجنيه المصري على مدى الأشهر المقبلة إثر قرار البنك المركزي تحرير سعر الصرف. وتنبئ العقود الآجلة غير القابلة للتسليم التي يستخدمها المتعاملون لتكوين المراكز تحسبا لارتفاع العملة أو انخفاضها إلى أن الجنيه سيتراجع إلى 15.6 للدولار خلال ثلاثة أشهر وإلى 15.9 في ستة أشهر و17 في غضون عام. وخفضت مصر قيمة الجنيه بمقدار الثلث يوم الخميس إلى سعر استرشادي أولي بلغ 13 جنيها للدولار من 8.8 جنيه ثم انخفضت العملة أكثر إلى نحو 14.65 في عطاء البنك المركزي لبيع العملة الصعبة. وتهدف الخطوة التي تزامنت مع زيادة حادة في أسعار الفائدة لجلب الاستقرار إلى الأسواق المصرية والتمهيد لقرض قيمته 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي. إلى ذلك، رحبت الولايات المتحدة أمس بقرار البنك المركزي المصري تحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان صحافي إن "الولايات المتحدة ترحب بإجراءات مصر بتنفيذ مزيد من الإجراءات الاقتصادية المهمة ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل للحكومة المصرية". وأضافت الوزارة أن قرار تحرير سعر الصرف "تطور إيجابي لتحسين أداء أسواق النقد الأجنبي وتعزيز التعافي الاقتصادي في مصر"، مشيرة إلى أن واشنطن تدعم التزام القاهرة باتخاذ إجراءات إصلاح اقتصادي صعبة ولكنها ضرورية لوضع الأساس لمستقبل أكثر رخاء للشعب المصري.

مشاركة :