هل ما زال "خيارنا الأمل"؟

  • 11/5/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

صديقي الشاب صاحب الأيديولوجيا الواضحة، إسلامياً كنتَ أو علمانياً.. ما الذي قدمناه للجيل السابق - بكل قياداته وأفكاره - بعد ثورة يناير؟ بلد يتطلع إلى المستقبل، وشعب يطلب الحرية أكثر من الرغيف، وشباب يحمل روحه فداء وطنه الجديد، وتيارات وجماعات ترتدي ثوب البطولة وتستمتع بشعبية طاغية، وبيئة مثالية لتسويق كل الأفكار دون تمييز.. فماذا تركوا لنا؟ وطن خَرِب، وانقلاب عسكري، وشباب بائس، وتيارات يكرهها الشعب أكثر من الشيطان، وثورة يصفها العوام بالخيانة والمؤامرة.. هل تعرف في قاموسك توصيفاً آخر لهذا أرقَّ من الخذلان والفشل الذريع؟ الآن، هل تؤمن بأن هذا الواقع التعيس يجمعنا؟ إننا جميعاً ندفع ثمن تخلينا عن ثورتنا لنترك زمام أمرها بيد أبناء جيل آخر؟ وإننا - كلنا - بحاجة إلى خطة إنقاذ للحفاظ على كتلتنا البشرية من الاستنزاف؟ وإن المعركة لم تعد معركة أيديولوجيا ولا تيارات وأفكار بقدر ما هي معركة حرية وهدنة نحتاجها جميعاً؟ ألستَ تتململ من خناقات البرادعي قاتل وباعونا في محمد محمود، وتراها لا تليق بواقعنا المرير؟ هل أنت مستعد للجلوس على طاولة مستقبل، لا تفكر فيها إلا في المستقبل؟ هل أنت قانع بأن كلاً منّا فشل وحده في حسم المعركة دون الآخر؟ حلِلت أهلاً، أنتَ في الخندق ذاته إذاً، لكنَّ هذا المقال موجّه لمن لا يزالون يجيبون عن تلك الأسئلة بـلا مِن أسرى الأيديولوجيا المحترقين. * * صديقي العلماني المحترق.. هل تؤمن حقاً بأن البرادعي حين وقف خلف السيسي يوم بيان الانقلاب، يمثل موقفك الشخصي الذي كنت ستُقدم عليه في المشهد نفسه؟ هل استشارَك قبل ظهوره؟ هل كنت ستخرج على شاشة التلفاز كما فعل أحمد دومة يوم مذبحة رابعة لتبرر المجزرة بدم بارد؟ هل كان مستوى معارضتك لمرسي في عام حكمه يتمثل في إيمانك بأن الإخوان كانوا سيبيعون الأهرام لقطر كما كان يروِّج باسم يوسف؟ ما الذي يدفعك إذاً للجدال عن هذه المواقف؟ هل هو العِناد؟ مَن تُعاند؟ صدّقْني، أنت لا تُعاند إلا نفسك ومستقبلك وأولادك. هل تذكر حين خدعَتْك قياداتك التاريخية وورّطتْك في معارضة غير شريفة في صف عبد المجيد محمود النائب العام لمبارك، أو مصطفى خاطر وكيل نيابة مدينة نصر، حين عزلهما النظام السابق؟ هل استثمروا ثقتك حين وقفوا في شاشة بيان الانقلاب العسكري وتغافلوا عن الدماء التي سقطت يوم 2 يوليو/تموز، قبل البيان بساعات، في مذبحة "بين السرايات" الأولى بحق معتصمي النهضة؟ هل كانت مواقف قياداتك الفكرية لائقة يوم مذبحة الحرس أو المنصة؟ هل يمتلكون الطهر الثوري والنقاء المواقفي الذي تدّعي أنك تنشده؟ هل تستطيع أن تمنحهم صك البراءة مما وصلنا إليه؟ اخلع عنك تجربتهم وخياراتهم، قل بأريحية إن هذا الجيل لا يمثل مبادئك، وأنك لو كنت صاحب الأمر ما كنت لتقدم على ما أقدموا عليه، وأنهم أهانوك وأهانوا فكرتك حين تركوا للأجيال نموذجاً مشوّهاً سيتحاكى به التاريخ ليل نهار، تزواج مفضوح مع السلطة العسكرية، وتقليد لمن نام من الإسلاميين على سرير العسكر - للمبررات نفسها - من قبل، ومعارضة غير شريفة تضع يدها في يد فلول مبارك دون شروط، وتغافُل عن مذابح لم يتم إدانتها إلا بعد عامين من وقوعها، وتيارات لم تنظم فعالية ميدانية واحدة على مدار أعوام ضد مذبحة رابعة، بينما تظاهروا مرتين بـالبرسيم أمام بيت رئيس وزراء النظام السابق، حين استنكروا تعاونه مع حكومة يقودها الإخوان! أنت حر بالخيار يا صديق، لكن عليك أن تعرف أن جموديتك تلك تقف عائقاً أمام حل حقيقي لمأساتنا، وأن إصرارك على ترميز من تورط في مشاهد الدماء، أو من كانوا ساذجين يُلعب بهم، أمر غريب منك، يجعلك أكثر خرفانية ممن تناصبهم العناد ليل نهار.. صديقي، التاريخ لن يتغير(1)، البرادعي هو نائب رئيس الجمهورية في عهد عدلي منصور، وهو الرجل الثاني في النظام حين طلب وزير الدفاع تفويض الشعب لقتل الشعب، وحين اعتُقلت هند ورشا.. عصام حجي هو مستشار الرئيس العلمي حين كان طلاب جامعة الأزهر يتساءلون عن تركيبة قنابل الغاز الغريبة التي تلقيها قوات الأمن تجاههم، دون إجابة من علماء النظام.. صدِّقني أنت تقتل مستقبلنا جميعاً بإصرارك على البقاء في صف من سيكونون في قفص أي محاكمة عادلة تنشد حقوق الضحايا في يوم من الأيام، سواء برأتهم تلك المحاكمة أو أدانتهم، لكنهم في النهاية ضمن قائمة المتهمين بحكم مواقعهم التي شغلوها. * * صديقي الإخواني المحترق.. أُخبرك سراً؟ أنت لست امتداداً لأحد، أصالة الثمانين عاماً أسطورة تم خداعك بها.. تسمع هذا الكلام - هذه المرة - ليس من علماني مُغرِض يحاول أن ينزع عنك صفات الأصالة، لكنها الحقيقة، فالشيخ البنا نفسه لم يكن قد انتهى من إكمال مشروعه، ومحاولة وصف الجماعة بصاحبة المشروع ظلم لها، ولحسن البنا - ذلك الشاب المسكين، الرحّالة الذي مات في قلب رحلته، دون أن يحسم أمام نفسه كثيراً من تصوراتها.. ليلحق به جيل جديد أكمل فسيفساء الصورة بوسائل وأهداف أخرى، خالقةً جماعة لا تحمل من روح بذرتها إلا الاسم الكبير.. فالشيخ البنا لم يكن يعرف التغيير عبر الصناديق، ولم يكن يرى مستقبل جماعته المركزية الكبرى، صاحبة الجناح المسلح، مجرد حزب سياسي معارض يجاهد منفرداً في كل قطر عربي من أجل الوصول إلى الحكم.. كل هذه أفكار استقرت بعد عشرات السنين من رحيله، ثم تمت نسبتها لـمشروع الإمام. إن شئت أن تعرف كيف تغيرت أفكار الجماعة فاقرأ: (رسالة الانتخابات)(2) للشيخ البنا، لتكتشف أنه هو نفسه قد فوجئ بالأثر الكبير للمشاركة في الحياة السياسية التي كان يتخذ منها موقفاً رافضاً قبل انتخابات 1949، وأنه اعترف بأن الجماعة حين دخلت السباق الانتخابي قبلها عامي 42 و44 كان بسبب البحث عن منفذ يواجه التضييق الأمني الذي لم يكن بعدُ قد وصل إلى مضابط مجلس النواب، ولم تكن المشاركة منهجية مدروسة اقتناعاً بفوائد العمل السياسي، وإنما دُفِعت إليها الجماعة اضطراراً بنص كلام البنا نفسه.. وهو الأمر الذي دفعه لكتابة تلك الرسالة ليدعو من خلالها إلى إجراء استفتاء بين عموم الإخوان لإعادة النظر في موقف الجماعة من العزوف عن العمل السياسي، لكن قرار حل الجماعة، ثم استشهاد البنا، حالا دون إعلان نتائج الاستفتاء. السؤال هنا: حين جاء جيل الهضيبي، وقرر بلا مقدمات المشاركة في الحياة السياسية، وحلّ الجناح المسلح، وتوسيع صلاحيات مكاتب الأقطار: هل كان ذلك كله بعد الاطلاع على نتائج الاستفتاء المفقود؟ أم اجتهاد جديد يخلق جماعة أخرى بمنهجية جديدة؟ هل يستطيع أحد الإخوان الحاليين أن يؤكد - بثقة - أن البنا لو كان حاضراً في زمن الخلاف المنهجي بين جماعة سيد قطب وجماعة الهضيبي، أن يختار البنا أفكار الهضيبي؟ هل جماعة الهضيبي - في تأسيسها الثاني - تحمل أفكار الرجل الأصيل نفسها؟ أعِد التفكير في الأمر رجاءً، فالتحولات الفكرية والمنهجية في أفكار الإسلاميين قصة تحتاج مقالات وحدها(3). ما أريد أن أقوله لك هو أنك ابن هذا الجيل وهذه التجربة، وأن الجيل السابق كان أشجع منك حين خلع عن كاهله اجتهادات السابقين، قبل أن يخلق من جماعته جنيناً جديداً يحمل خياراته وروحه هو.. عليك أن تعرف أن قدرك أكبر من تكون تابعاً لمساراتِ من سبقوك، ولا أن تدفع ثمن نتائج لم تختر أسبابها.. أخبرني؟ هل كنتَ ضمن المصوتين على أن تخوض الجماعة سباق الرئاسة؟ هل أنت مَن كتب بيان الجماعة يوم العباسية أو محمد محمود؟ هل كنت من أصحاب قرار تعيين السيسي وزيراً للدفاع؟ ما الذي يدعوك للتحيز إلى تلك القرارات إذاً؟ مجرد التبعية؟ الانتماء إلى جماعة القرارات؟ ما الفرق بين ما تفعله والحزبية العمياء إذاً؟ * * صديقي المحترق، علمانياً كنت أو إسلامياً.. هل ترى الآن أن تلك الصراعات والمسارات صالحة لأن تكون عنوان معركتنا لعشر سنوات مقبلة؟ هل سيظل جيلنا في هذا المستنقع الصفري كثيراً؟ هل سنكمل في الطريق الأسود نفسه الذي لا نهاية له إلا الهاوية؟ هل تعرف الفرق بين الثبات والجمود؟ هل يملك جيلنا أحقية الاختيار دون مزايدة أو اتهام بالتخلي عن شعارات لم يخترها أصلاً!؟.. هل سننجح في المعادلة الصعبة: بناء تجربة جديدة دون التخلى عن حقوق أصحاب التجربة الماضية وحريتهم وأمنهم؟ هل سيمنع الكبرياء أصحاب التجربة السابقة من إعلان هزيمتهم دون أن يورطوا الجيل اللاحق في خوارزمية لا نهائية من الفناء العدمي خلف سراب تجارب فاشلة؟ ألن نصيغ تجربتنا الخاصة ومعاركنا المستقلة؟ الحل هو أن يقتنع كل منا بأننا - أبناءَ هذا الجيل - أقرب إلى بعضنا من تياراتنا وأفكارنا، وأننا - كلنا - شركاء مستقبل واحد، وأن الأيديولوجيات - كل الأيديولوجيات - تفنى وتتبدل وتنحرف وتتغير، ويبقى أبناء الجيل وحدهم يدفعون الثمن.. الحل هو أن نخلع عنا - كلنا - خيارات الماضي، وتجارب الكبار، وأن ننظر إلى مستقبلنا، وأن تجمعنا طاولة البحث عن البقاء، وأن نقتنع بأننا خليقون بأن نصنع معاركنا، حتى الفكرية منها، وأن قيمتنا أكبر من أن نكون مرحلة انتقالية في تاريخ تيار أو جماعة أو كيان؟ باختصار، توقّفوا عن تبرير ما لم تكونوا مسؤولين مباشرين عنه أو جزءاً من صناعته، كونوا شجعان بما فيه الكفاية لإعلان رؤية جديدة، حتى لو خُلعت عنها كل أصنام الأمس دون تفريط في حقوق الإنسان - كل إنسان. لا تخافوا الإرهاب الفكري ولا الاستجداء العاطفي أمام أفكاركم، قولوا: كفى، هذه ليست معاركنا؛ كي نصنع معاً مصر التي نريد، مصر التي صنعناها مرة في ميدان التحرير، ثم تركناها بيد الكبار يعبثون بها، فأضاعوها وأضاعونا.. القرار دائماً بأيدينا لنسترد ثورتنا من جديد. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) (مقالة) (2) (بحث) (2) (مقالة) ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :