هل الشيك أداة وفاء أم ضمان.. أم كليهما ؟

  • 11/6/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

محمد أبو شعبان * بحسب التشريعات الحالية في دولة الإمارات، فقد اعتبر المشرع الشيك نوعاً من أنواع الأوراق التجارية تحل محل النقود قابلة للتداول وهي أداة وفاء تتمتع بالحماية الجنائية، وهذا ما جاءت به مؤخراً وأكدته المحكمة الاتحادية العليا في نص حكمها ب أن الشيك، كورقة تجارية، يعد أداة وفاء وليس أداة ضمان، إذ أسبغ عليها القانون حماية جنائية، وأن إرادات أطراف الشيك لا تملك تغيير هذه الطبيعة القانونية، وما تتمتع بها من حماية جنائية، جاء ذلك الحكم من خلال رفض المحكمة الاتحادية العليا لطعن متهم ضد حكم قضى بحبسه ستة أشهر في قضية شيك من دون رصيد، وذكر في طعنه أن تسليم الشيك كان على سبيل الضمان لإتمام معاملة تجارية. أيضاً فإن قانون الإفلاس الجديد لم يتطرق لتعديل أحكام الشيك لاسيما إزالة الطابع الإجرامي عنه وهذه إشارة أخرى على التأكيد أن الشيك أداة وفاء. الواضح من حكم المحكمة الاتحادية العليا أن إصدار الشيك كأداة ائتمان ضماناً لقرض حصل عليه الشخص من البنك المستفيد على سبيل الوديعة وليس كأداة وفاء وسلمه للبنك، لايزال يتمتع بالحماية الجنائية التي قررها المشرع للشيك بالمادة (401) من قانون العقوبات الاتحادي الإماراتي. وبهذا القرار فإن المحكمة المقيدة بأحكام القوانين والتشريعات تلغي أي محاولة للاجتهاد لإزالة الحماية الجنائية على تسليم الشيك للمستفيد حتى لو كان على سبيل الوديعة أو الرهن ضماناً لقرض حصل عليه أو تنفيذاً لالتزاماته التعاقدية. فليست المحكمة معنية بالتعرف الى السبب الحقيقي من إصدار الشيك أو إعطاء فرصة للساحب أن يدعي خلاف الظاهر وأن يقيم الدليل على ما يدعيه بإثبات السبب الحقيقي لإصدار الشيك بكافة طرق الإثبات القانونية. وبذلك فإن جريمة إعطاء شيك بدون رصيد تتحقق بمجرد إعطاء الشيك على وضع يدل مظهره وصيغته على أنه مستحق الأداء بمجرد الاطلاع عليه بغض النظر عن سبب إصداره، واعتباره أداة وفاء وبطرحه للتداول تنعطف عليه الحماية القانونية التي أسبغها المشرع على الشيك بالعقاب على هذه الجريمة، وذلك باعتبار الشيك أداة وفاء تجري مجرى النقود في المعاملات، والقصد الجنائي في هذه الجريمة هو القصد الجنائي العام، والذي يكفي فيه علم المتهم بأنه يعطل الوفاء بقيمة الشيك الذي أصدره من قبل، فلا يستلزم فيها قصد جنائي خاص، ويكفي أن يصدر الشيك مع علمه بعدم وجود رصيد قائم وقابل للسحب أو بإصدار أمر إلى المسحوب عليه بعدم الدفع حتى لو كان هناك سبب مشروع. نعم نحن تحت مساءلة جنائية لأننا نقدم شيكات على أساس ضمان للقروض أو الرهونات البنكية على ممتلكاتنا أو للبطاقات الائتمانية، وهذا ما تطلبه البنوك وكذلك بعض التجار من العملاء المقترضين بإصدار شيكات ضمان كوسيلة يحتفظون بها للضغط عليهم وضماناً لمعاملات وتسهيلات مصرفية أو تجارية. وللأسف هذه الشيكات لا تحمل فقط القيمة الأصلية للقرض وأنما يضاف إليها الفوائد التي يفرضها البنك مسبقاً لكامل فترة القرض. وهنا لا يكون في يد العميل سوى الاستسلام لمتطلبات البنك لحاجته الماسة للاقتراض أو قد يكون لعدم علمه أن هذه الشيكات أداة وفاء وإنما يعتقد أنها أداة ضمان ولا يمكن للبنك أن يستخدمها ضده بشكل جزائي. السؤال هل نحن مع عقوبة السجن لتحرير شيكات بدون رصيد أو ضدها؟ أو بصيغة أخرى هل نحن نؤيد أن يكون الشيك أداة وفاء أم أداة ضمان أم كليهما؟ إن المشرع رأى مدى أهمية الشيك في التعاملات اليومية التجارية والحياة الاقتصادية بصفة عامة، وهذا ما دفعه لوضع حماية جنائية له حتى يظل أداة وفاء، لها قيمة وإلزام في نفوس المتعاملين بهذه الأداة، وقد يكون قد رأى أن تقليص الحماية الجنائية عن شيكات الضمان سوف يؤدي لعزوف الأفراد عن التعامل بهذه الشيكات مع عمل موازنة بين اعتبارين متقابلين بين حاجة المجتمع المالية والتجارية والاقتصادية إلى أن يكون الشيك أداة وفاء يقوم مقام النقود، بما يتطلب ذلك من استمرار الحماية الجنائية المقررة تأكيداً وتكريساً لمصداقيته في التعامل. بالمقابل فليس من العدل أن يظل البنك محتفظاً بشيك الضمان واستخدامه ضد العميل لإجباره على سداد نسبة معينة من الفوائد أو ضماناً لسداد كامل الأقساط المتبقية، معتمدا على أن هذا الشيك وسيلة ضاغطة على حاملها لتمتعها بالحماية الجزائية، بالرغم من قيام العميل بسداد معظم قيمة الدين. وبلا شك فإن من شأن ذلك التسبب بأضرار وآثار سلبية اجتماعية واقتصادية على فرض هذه الحماية على شيكات الضمان. نحن لا نريد أن نكون من المتشددين للمطالبة بإزالة الحماية الجزائية الكاملة من إصدار الشيكات وإن كنت أميل لذلك، ولكن لنكن على الأقل في هذه المرحلة من أصحاب الرأي الوسطي وإمساك العصا من المنتصف وندعو إلى عدم تقليص الحماية الجنائية على الشيك، معتبرين أن بناء الثقة في الشيك تبدأ من توفر الحماية القانونية، وتحقق الردع العام والخاص من العقوبة، وسرعة الفصل في قضايا الشيكات وتنفيذها. وفي نفس الوقت نرى ضرورة إدخال تعديل تشريعي فيما يخص الشيكات، يجيز للقاضي رفع الحماية الجنائية عن الشيك إذا تبين له أن الشيك استخدم كأداة ضمان وليس كأداة وفاء، على أساس أن التعامل مع الشيك كأداة ضمان صار أمراً واقعاً. وهنا يمكن للقاضي، عقب هذا التعديل، سؤال المتعاملين أو الجاني عن سبب التعامل بالشيك وعلى هذا الأساس يتخذ القاضي قراره. وعليه، فإننا ننادي ونوصي بتعديل تشريعي يجيز للقاضي البحث عن مدى كون الشيك أداة وفاء أم أداة ضمان مع إبقاء العقوبة والحماية الجنائية كما هي. إن الشيك يستعمل في حالات كثيرة كأداة ضمان، وإذ كان الأمر كذلك فإنه يلزم عدم تمتع هذه الشيكات بالحماية الجنائية لسبب بسيط، هو أن علاقات الضمان بين الأفراد تحكمها قواعد القانون المدني. ويجب الإشارة هنا الى أنه في حالة التعمق في عدد قضايا الشيكات فإنه يتضح لدينا أن غالبية المتورطين في قضايا الشيكات بدون رصيد استخدموا الشيك استخداماً خطأً كأداة ضمان وليس كأداة وفاء، ويبدو واضحاً من تلك القضايا أن المستفيدين من تلك الشيكات وافقوا على تسلم تلك الشيكات وهم على علم ودراية تامة بأنهم تسلموها ضماناً لالتزامات آجلة غير محققة. وبلا شك فإن البنوك عليها مسؤولية بخصوص هذا الموضوع، وندعو ونشدد على ضرورة تفعيل دور البنوك الوطنية في المشاركة للحد من زيادة معدلات جريمة الشيك بدون رصيد التي تؤثر في الاستقرار الاقتصادي والتجاري في المجتمع، من خلال قيام البنك بدراسة الوضع المالي للعميل قبل منحه دفتر شيكات، وأخذ التعهد اللازم على أنه في حالة قيام العميل بإصدار شيكات بدون رصيد فسوف يكون من حق البنك إيقاف منحه دفاتر شيكات أو مصادرتها ووضع اسم العميل المخالف في القائمة السوداء. أيضاً يجب عليها إيجاد حلول مالية جديدة ومبتكرة لاستبدالها بشيكات الضمان للقروض التي توفرها لعملائها. نستنتج مما سبق أن الشيك المستوفي لشروطه التي تطلبها المشرع لا يمكن أن يكون سوى أداة وفاء يستحق الدفع لدى الاطلاع مثله مثل النقود، وفي حال رجوع الشيك دون صرف لأي سبب من الأسباب المعروفة كعدم كفاية الرصيد أو إغلاق الحساب وغيره فإن صاحبه يستحق العقاب المنصوص عليه في المادة (401) من قانون العقوبات الإماراتي والعقوبة بموجبها الحبس أو الغرامة دون تحديد لحدها الأدنى والأعلى، وإذا ما نازع الساحب في موضوع الشيك كزعمه بأنه حرره ليكون ضماناً لدين غير ذلك من الأسباب فإن ذلك لا يعفيه مطلقاً من العقاب جزائياً على جريمة إعطاء شيك حتى لو استطاع إثبات صحة ما يدعيه حيث يقتصر اثر ما يدعيه فقط على الدعوى المدنية دون أن يكون لذلك أي أثر في الدعوى الجزائية. وبناء عليه، فإن ضرورة إدخال تعديل تشريعي فيما يخص الشيكات أصبح حاجة ملحة، ليجيز للقاضي رفع الحماية الجنائية عن الشيك إذا تبين له أن الشيك استخدم كأداة ضمان وليس كأداة وفاء. * مستشار قانوني

مشاركة :